لقد تفَوّقَ الإسلامُ على جميع الأديان والملل في ترسيخ مبادئ المواساة والحُب لبني البشر وبذل الجهد الأكبر لتقريب الخلق بعضهم إلى بعض، فلا يوجد مبدأ متكامل كالإسلام أعلن المرحمة والمواساة للجميع.
ونقتبس من كلام المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام حول مبادئ الإسلام تجاه غير المسلمين، حيث يقول حضرته:
“أما بعد، … على الرغم من مئات الاختلافات بيننا فإننا، مسلمين وهندوساً، نشترك في إيماننا بالله الذي هو خالق العالم ومالكه، كذلك نشترك جميعاً في تسمية “الإنسان”؛ أي كلّنا نسمّى بشرا. وإضافة إلى ذلك نحن جيران بعضنا بعضا بصفتنا سكان بلد واحد. لذلك يجب علينا أن نكون رفقاء بعضنا بصفاء القلب وحسن النية، وأن نواسي بعضنا في كروب الدين والدنيا حتى يصبح بعضنا كالأعضاء لبعضنا الآخر. … إنَّ الدين الذي ليس فيه تعليم المواساة العامة ليس ديناً، كذلك الإنسان الذي ليست فيه عاطفة المواساة ليس إنسانا. إن إلٰهنا لم يُجحف في حق قوم. فمثلاً القوى والقدرات التي وهبها لأقوام قديمة في الهند قد أنعم بها نفسها على العرب والفرس والشام وأهل الصين واليابان وأوروبا وأميركا أيضا. إنَّ أرض الله تخدم الجميع كالفِراش، كذلك شمسه وقمره ونجومه المتلألئة الكثيرة تفيد الجميع كسراج، وتخدمهم خدمات أخرى أيضا. كذلك تستفيد الأمم كلها مما خلق ﷻ من العناصر مثل الماء والنار والتراب، وكذلك من الأشياء الأخرى مثل الغلال والفواكه والأدوية وغيرها. هذه الصفات الإلهية تعلّمنا درساً أنه يجب علينا نحن أيضا أن نتعامل مع إخواننا البشر بالمروءة، وألا نضيق بذلك ذرعا، ولا نكون ضيّقي الآفاق. أيها الأحبة ! اعلموا يقيناً أنه لو لم تحترم إحدى الطائفتين منا الأخلاق الإلهية، وجعلت سلوكها على عكس أخلاق الله الحسنة، لهلكت تلك الطائفة سريعا، ولن تلقي بنفسها فقط إلى التهلكة، بل ستعرِّض ذريتها أيضاً للدمار. لقد ظل المتقون يشهدون في كل البلاد منذ أن خُلقت الدنيا على أن التخلق بأخلاق الله هو كالماء لحياة البشر. وإضافة إلى ذلك إنَّ حياة الناس المادية والروحانية تتوقف على أن يتخلقوا بأخلاق الله المقدسة التي هي منبع السلام.” (رسالة الصلح)
عدم الاستغفار لموتى غير المسلمين
إنَّ سياق كل الآيات التي تنهى عن الاستغفار والدعاء لموتى غير المسلمين إنما هو لعلّة الإجرام والعدُوان وما خلا ذلك يجوز فيه من باب المواساة وإحسان الظن بالله تعالى. مثال ذلك الآية:
﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾
هذه الآية تتحدث عن الذين اتخذوا مسجداً ضِراراً لمحاربة المسلمين وروّعوا الناس فَهَدّ اللهُ تعالى بُنيانهم من القواعد:
﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾
ثم جائت آية منع الإستغفار بعدها مباشرة لتحدّد هؤلاء وليس عموم المشركين لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أُرسِلَ رحمةً للعالمين لا قاطعاً للرحمات والاستغفار والعياذ بالله.
لقد كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم دائم الاستغفار للكافرين حتى الذين يسخرون من المؤمنين ويلمزونهم سخرية وأذى:
﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾
فكيف كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يقابل ذلك؟
يقول تعالى بعد تلك الآية:
﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾
إذن كان النبيُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يستغفر لهم ويدعو لهم بالهداية من كُلّ قلبه ويحزن لحد الموت من أجلهم {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ} مع أنهم كانوا يستهزئون به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وبأتباعه ويؤذوهم ويسخرون منهم وكانوا من الفاسقين، فتبيّنَ أن الله تعالى لن يغفر لهم بل لا بد أن ينالوا جزاء سوء عملهم، وتم تحديد الذين لا تجوز لهم الدعوات.
فالدعاء إذن لموتى غير المسلمين الذين لم يعادوا الدين ويسعوا في أذيّة المؤمنين ليشفعوا لهم من عذابِ يومٍ عظيمٍ إذ ليست النارُ دار بقاء بل هي للاستشفاء لأن الله تعالى ما خَلَقَ النَّاسَ إلا ليرحمهم وهو الغفور الرحيم، يقول تعالى:
﴿إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾
لذلك خلقهم أي للرحمة خلقهم لا للعذاب الدائم.
ويقول تعالى:
﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾
فما دام أن رحمة الله تعالى تسع كل شيء فلن تتوقف عند جهنم ومن فيها لأنها شيء وهم أشياء.
وقد ورد حديث عن الصحابي ابن مسعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم استغفر للنجاشي النصراني ملك الحبشة النصرانية حين بلغه موتُه. وهذا دليل أن الترحم والاستغفار على غير المسلم من سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم. (مسند أحمد 6/185 بإسناد حسن، وكذلك في “البداية والنهاية” لابن كثير رحمه الله 3/67 بإسناد جيد قوي)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
“وفي حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال: لما مات النجاشي قال النبي ﷺ: «استغفروا لأخيكم»، فقال بعض القوم: تأمرنا أن نستغفر لهذا العلج يموت بأرض الحبشة؟، فنزلَت ﴿وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۗ أُولَٰئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾. ذَكرَهَ ابْنُ أبي حاتم وغيره باسانيدهم، وذكرَ حماد بن سلمة عن ثابت عن الحسن البصري أن رسول الله ﷺ قال: «استغفروا لأخيكم النجاشي»، فذكرَ مثله، وكذلك ذَكَرَ طائفةٌ من المفسرين عن جابرٍ وابنِ عباس وأنسٍ وقتادةٍ أنهم قالوا: نزلَت هذه الآية في النجاشي ملك الحبشة واسمه أصحمة وهو بالعربية عطية، وذلك أنه لمّا مات نعاه جبريل للنبي ﷺ في اليوم الذي مات فيه فقال رسول الله ﷺ لأصحابه: «اخرجوا فصَلُّوا على أخٍ لكم ماتَ بِغَيْرِ أرضكم»، فقالوا: ومن هو؟، قال: «النجاشي»، فخرج رسول الله ﷺ إلى البقيع، وزاد بعضهم: وكشف له من المدينة إلى أرض الحبشة فأبصرَ سرير النجاشي وصلّى عليه وكبّر أربع تكبيرات واستغفر له وقال لأصحابه: «استغفروا له»، فقال المنافقون: أبصروا الى هذا يصلّي على عِلجٍ حبشيٍ نصرانيٍ لم يره قَط وليس على دينه، فأنزل اللهُ تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۗ أُولَٰئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾.” (دقائق التفسير 1/316)
فإذا كان ذلك هو عمل المؤمن وقوله بحق من آذاه وسخر منه وأخرجه من أرضه ودياره، فما عسى أن يقول ويصنع بمن سالمه ولم يؤذه ؟ إنَّ واجبنا كمسلمين أن نحبه بل وأن نبرّه كما نبرّ أهلنا:
﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾
هنالك ثلّةٌ من العلماء غير المسلمين الذين لم يؤذوا المسلمين ولم يُخرِجوا أحداً من أرضه بل كانوا ينصحون بالتسامح مع جميع الأديان ومن بينها الإسلام، فكيف سنبرّ هؤلاء ونقسط إليهم ونحن لا نقول في حقهم كلمة طيبة أو ندعو لهم بالرحمة كما كانوا رحماء بالناس؟ تصوّروا بأن رجلاً دخل الإسلام، فكيف سيبرّ والده الذي أمر الله تعالى ببرّه والدعاء له اذا انقطع عمله، كيف سيبرّه وهو ممنوعٌ حتى من الترحم عليه والاستغفار له ؟
هنالك أمثلة من القُرآن الكَرِيم على الدعاء لغير المُسلمين كما في دعاء ابراهيم ؑ لعمه غير المؤمن:
﴿قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ ۖ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي﴾ – مريم
﴿لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ﴾ – الممتحنة
﴿وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ﴾ – الشعراء
﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ﴾ – إبراهيم
وما يقطع بذلك هو قوله تعالى آمراً كل مُسْلِم:
﴿وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾
والمعلوم أن جلّ الصحابة الذين أُمروا بذلك كان أهلهم من غير المسلمين.
فإذا دخل أحد الإسلام ومات والده تلك الليلة فحاشا أن يكون الإسلام سبباً لقطع ومنع الدعاء لوالده الذي ربى وسهر وتعب وبذل نفسه لولده.
ومن أمثلة احترام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وأمره الصحابة ؓ باحترام المسالمين الذين ماتوا من غير المسلمين لمواقفهم الطيبة وخدماتهم للبشرية مثال المُطعِم بن عَدِيّ الذي لم يدخل الإسلام وحين مات رثاه الصحابي حسان بن ثابت رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بوجود النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فقال حسان فيه باكياً:
أَيَا عَيْنُ فَابْكِي سَيِّدَ الْقَوْمِ وَاسْفَحِي
بِدَمْعٍ وَإِنْ أَنْزَفْتِهِ فَاسْكُبِي الدَّمَا
وَبَكِّي عَظِيمَ الْمَشْعَرَيْنِ كِلَيْهِمَا
عَلَى النَّاسِ مَعْرُوفًا لَهُ مَا تَكَلَّمَا
فَلَوْ كَانَ مَجْدٌ يُخْلَدُ الدَّهْرَ وَاحِدًا
مِنْ النَّاسِ أَبْقَى مَجْدُهُ الْيَوْمَ مُطْعِمَا
أَجَرْتَ رَسُولَ اللَّهِ مِنْهُمْ فَأَصْبَحُوا
عَبِيدَكَ مَا لَبَّى مُهِلٌّ وَأَحْرَمَا
فَلَوْ سُئِلَتْ عَنْهُ مَعَدٌّ بِأَسْرِهَا
وَقَحْطَانُ أَوْ بَاقِي بَقِيَّةِ جُرْهُمَا
لَقَالُوا هُوَ الْمُوفِي بِخُفْرَةِ جَارِهِ
وَذِمَّتِهِ يَوْمًا إذَا مَا تَذَمَّمَا
فَمَا تَطْلُعُ الشَّمْسُ الْمُنِيرَةُ فَوْقَهُمْ
عَلَى مِثْلِهِ فِيهِمْ أَعَزَّ وَأَعْظَمَا
وَآبَى إذَا يَأْبَى، وَأَلْيَنَ شِيمَةً
وَأَنْوَمَ عَنْ جَارٍ إذَا اللَّيْلُ أَظْلَمَا
(السيرة النبوية لابن هشام، أول مَن جهرَ بالقرآن، ص 381)
وَمِنْ ذلك الاحترام وقوف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وصحابته رَضِيَ اللهُ عَنْهُم لجنائز غير المسلمين. والأمثلة كالتالي:
“حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَرَّ بِنَا جَنَازَةٌ فَقَامَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقُمْنَا بِهِ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ، قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمْ الْجِنَازَةَ فَقُومُوا.»” (صحيح البخاري، بَابُ مَنْ قَامَ لِجَنَازَةِ يَهُودِيٍّ، 1311)
“حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى قَالَ: كَانَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ قَاعِدَيْنِ بِالْقَادِسِيَّةِ فَمَرُّوا عَلَيْهِمَا بِجَنَازَةٍ فَقَامَا فَقِيلَ: لَهُمَا إِنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ أَيْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَقَالَا: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ فَقَامَ، فَقِيلَ: لَهُ إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ، فَقَالَ: «أَلَيْسَتْ نَفْسًا.»” (صحيح البخاري، بَابُ مَنْ قَامَ لِجَنَازَةِ يَهُودِيٍّ، 1312)
“حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ جِنَازَةً فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَاشِيًا مَعَهَا فَلْيَقُمْ حَتَّى يُخَلِّفَهَا أَوْ تُخَلِّفَهُ أَوْ تُوضَعَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُخَلِّفَهُ.»” (صحيح البخاري، بَابُ مَنْ قَامَ لِجَنَازَةِ يَهُودِيٍّ، 1308)
“حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا فِي جَنَازَةٍ فَأَخَذَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِيَدِ مَرْوَانَ فَجَلَسَا قَبْلَ أَنْ تُوضَعَ فَجَاءَ أَبُو سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخَذَ بِيَدِ مَرْوَانَ فَقَالَ: قُمْ فَوَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمَ هَذَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَانَا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: صَدَقَ.” (صحيح البخاري، بَابُ مَنْ قَامَ لِجَنَازَةِ يَهُودِيٍّ، 1309)
“حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ يَعْنِي ابْنَ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمْ الْجَنَازَةَ فَقُومُوا فَمَنْ تَبِعَهَا فَلَا يَقْعُدْ حَتَّى تُوضَعَ.»” (صحيح البخاري، بَابُ مَنْ تَبِعَ جَنَازَةً فَلَا يَقْعُدُ حَتَّى تُوضَعَ عَنْ مَنَاكِبِ الرِّجَالِ فَإِنْ قَعَدَ أُمِرَ بِالْقِيَامِ، 1310)
وعند وفاة اللورد الإنكليزي إيريك أڤبيري Lord Avebury الذي كان طيلة سِنِيّ حياته التي تجاوزت الثمانين عاما ناشطاً في إشاعة السَلام واحترام الجميع نشر خليفة المسيح الخامس حضرة مرزا مسرور أحمد أيَّدَهُ اللهُ بِنَصْرِهِ العَزِيز بيان تعزية خاص باللورد الراحل قال فيه بأنه يشعر بعظيم الأسى والحزن لفقدان صديق محترم وعزيز كاللورد أڤبيري وأنه يعزّي أهل الفقيد الذي تلقى أثناء حياته جائزة السَلام من الجماعة الإسلامية الأحمدية وأن جميع المسلمين الأحمديين حول العالم يكنون للراحل مشاعر الاحترام والتقدير إلى الأبد (من هنا).
كذلك نعى السيد رئيس الجماعة الإسلامية الأحمدية في المملكة المتحدة السيد رفيق حياة نعى اللورد الراحل بأنه بطل جميع المظلومين حول العالم بجهوده المتميزة للسلام والتعاطف الإنساني، واختتم السيد حياة قوله بالدعاء له بالرحمة وَالسَلام والصبر لذويه (من هنا).
وبعد التفجير الإرهابي في فرنسا اجتمع 3 آلاف من أبناء الجماعة الإسلامية الأحمدية في مسجد بيت الفتوح بالعاصمة البريطانية لندن للدعاء لضحايا التفجيرات في فرنسا بالرحمة وَالسَلام (من هنا).
إذن لا يحرّم الإسلام الدعاء لغير المسلمين في الحياة والممات بل يأمر بالمواساة وذكر محاسنهم والغضّ عن مساوئهم لإشاعة الحب والتسامح وَالسَلام في العالم، ولا يُستثن من ذلك إلا الذي يرفض الدعاء له ويظن أن الدعاء يسيء له كملحد كما فعل أستاذ البيولوجيا ريتشارد دوكينز Dawkins عندما تعرّض لأزمة صحية كادت تذهب بحياته وبدأت الكنيسة تدعو وتصلّي له فكان ردّه بعدم الصَلاة والدعاء له لأنه يسيء إلى معتقده بعدم وجود إله وطلب منهم عدم فعل ذلك والتوقف فوراً عن أي دعاء وصلاة له (من هنا).
وختاماً، إذا مات الإنسان على الكفر والإلحاد فحسابه عند الله تعالى العادل وليس بأيدينا أن نغيّر شيئاً، فلا نذكره إلا بالخير ونثني على سيرته ونؤدي واجب العزاء لأسرته ونقدّم ما نستطيع من مساعدة ومواساة، ولكن يجب أن نضع في الحسبان أن المعني قد لا يرتضي الدعاء كما في مثال دوكينز. رغم ذلك لا يمنع أن نذكر محاسن موتى غير المسلمين ونذكرهم بالمحبة والاحترام والشكر وندعو لهم بالسلام ونُعزّي أهاليهم ولن نؤثم إذا قمنا بواجب العزاء لغير المسلم غير المعتدي وقلنا فلان انتقل إلى رحمة الله/جوار رَبِّهِ أو المرحوم فلان، ذلك أنَّ المعاد لله تعالى وهو الرحمن الرحيم.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ