إعلموا أن السير في الإسلام سيران:
سير إلى الله وسير في الله، وقد تحدث القرآن الكريم عن كلا السيرين
أما السير إلى الله فقد عرفه القرآن الكريم بالجهاد في سبيل الله.
فقال الله مثلا على سبيل المثال لا الحصر :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} سورة المائدة: 35
أي يا أيها المؤمنون اتقوا الله (أي خافوه وأخشوه وعظموه في أنفسكم وقدروه حق قدره) وابتغوا اليه الوسيلة (أي ابتغوا التقرب اليه من خلال الوسائل والسبل التي بينها لكم) وجاهدوا في سبيله (أي جاهدوا أنفسكم من خلال قمع المعاصي وإجبارها على الطاعة من أجل الوصول الى الله تعالى)
والنفس تقوم بهذا الجهاد عندما تكون في مرحلة اللوامة، وسميت باللوامة لأنها تلوم صاحبها عن إرتكاب المعاصي أو التقصير في حق الله تعالى. وفي هذه المرحلة يكون الجهاد من أجل الوصول الى الله هو جهاد شاق، يتحمل فيه الإنسان مرارة التخلص من السيئة، فتارة يصرع نفسه وتارة تصرعه، ويبقى على هذه الحالة مدة من الزمن لا يعلم مقدارها الا الله تعالى.
وهذه الحالة أطلق عليها القرآن الكريم لفظ “الكدح” فقال :” يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ”
أي يا أيها الإنسان الذي ترجو لقاءنا وتخاف عقابنا، إنك تكدح وتجهد نفسك وتتعب من أجل ملاقاتنا، كدحا ينخر عظامك، ويرهق نفسك، ويضعف قوتك. إنك ستلاقينا في يوم من الأيام لكي تنعم بمصاحبتنا وترى عظيم ما أعددناه لك من جوائز وهدايا تفرح نفسك وتبهج قلبك.
وفي هذه الفترة من العلاج ينال الإنسان بعض البشارات الإلهية والمعونة الربانية، إذ لولا هذا لملت النفس من هذا العلاج ورجعت لحالتها الطبعية والبهيمية.
أما السير الثاني فهو سير الى الله تعالى وهو ما اصطلاح عليه في كتاب الله تعالى بجهاد في الله.
فقال الله تعالى :” وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ”
أي يا أيها الذين متم عن إرادتكم النفسية وهجركم الشيطان وأصبحتم كالموتى بين يدي الله تعالى. أصبح لا هم لكم في الدنيا سوى محبة ربكم وطاعته. كرهتم المعاصي وأصبحتم تنفرون منها كالجيفة. ماتت أنفسكم الأمارة واضمحلت شهواتكم السلفية.
إني استخلصتكم لنفسي وأصبحت سمعكم وبصركم ورجلكم ويدكم. فلا تثور شهوتكم لرؤية المعاصي. إني طهرت قلوبكم وأتخذتها بيتا لي. وجذبتكم عنايتي فأصبحتم لا ترون إلا الله في كل مجالات حياتكم، هأنذا أباهي بكم ملائكتي وأفاخر بكم الكون.
لم يعد جهاد هؤلاء من أجل قمع الشهوات وإجبارها على طاعة الله تعالى، لأنها صارت مصطبغة بصبغة الله القدوس.
لم يعد تفكيرهم في هذه الحياة سوى، كيف يرضون ربهم؟
لا طمعا في جنته أو خوفا من ناره بل لأنهم يحبون ذات الله العلية وصفاته السنية.
فأصبحوا يسيرون في الله لا إلى الله، لأنهم قد وجدوا الله ووصلوا اليه فكشف عنهم الحجاب وأدخلهم للحضيرة المقدسة.
فهذا السير هو السير في الله (أي السير في جمال الله وكرمه ومحبته ونعيمه ورضوانه)
وعندها يتلذذ المرء بجنة الله المطهرة في الدنيا قبل الأخرة وينزل عليه وحي الله اللذيذ وينال كرمه وبركاته وتكشف عليه العلوم والأسرار ويصبح سر من أسرار الله في الأرض، ولمثل هؤلاء قال الله تعالى (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30))
أي يا أيتها النفس المطمئنة بربها وذلك بعدما خرقت كل الحجب فأصطبغت بنور حبيبها وأنيسها وخالقها وربها، إرجعي الى ربك في هذه الدنيا راضية به مرضية عنده، فأدخلي في عبادي المخلصين الذين لن يقدر الشيطان بعد اليوم على أن يوسوس لهم لقول الله تعالى :” قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83)) وخاصة أن أنفسهم الأمارة قد ماتت، فأدخلي في حضرتي المطهرة وعيشي في جناني المقدسة وكلي من ثماري المباركة، فأنت لي وأنا لك.
فاللهم أرزقنا ولا تحرمنا آمين