حديث لن تهلك أمة أنا في أولها وعيسى في آخرها
هذه الرُوايَةُ قال عنها ابن حجر رحمه الله:
“رَوَى اِبْن أَبِي شَيْبَة 8 / 548 مِنْ حَدِيث عَبْد الرَّحْمَن بْن جُبَيْر بْن نُفَيْر ـ أَحَد التَّابِعِينَ ـ بِإِسْنَادٍ حَسَن قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيُدْرِكَنَّ الْمَسِيح أَقْوَامًا إِنَّهُمْ لَمِثْلُكُمْ أَوْ خَيْر -ثَلَاثًا- وَلَنْ يُخْزِي اللَّه أُمَّة أَنَا أَوَّلهَا وَالْمَسِيحُ آخِرهَا.»” (فتح الباري، 7 / 6)
فالمعنى الواضح والبسيط هو أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بعثه اللهُ تعالى في أَوَّلُ هذه الأمة خير أُمّةٍ أُخرجت للناس وسيبعث في آخرها نبيّاً أيضاً، وهو المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام الذي بشّرت به الأحاديث الصحيحة المتواترة وشهد عليه القُرآن الكَرِيم.
فهذا الحديث لا يدل على وجود أنبياء بعد المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بل العكس أي لا يوجد لهذه الأمة إلا نبيَّينِ اثنين هما سيّدُ الخلقِ مُحَمَّدٌ ﷺ وخادمه المسيح الموعود ؑ.
أما الفيوض فهي للأمة كلّها ولم يدّعي أي صاحب فيضٍ منها عبر تاريخ الإسلام بأنه نبي يجب أن يؤمن به المسلمون جميعاً وإلا خالفوا وصية النبي ﷺ. والسبب في عدم وجود أحدٍ ادّعى ذلك هو أنَّ النبوّة هنا هي مجرد مقام مجازي أي كثرة المبشرات التي هي جزء من كذا جزء من النبوّة كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، وهذه هي النبوّة التي تبقى وليست نبوّة الرسالة والحقيقة التي يتطلب وجودها الإيمان بالإعلان، لأن هذه للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وخادمه المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام فقط كما في حديث الشاهد.
أما النص من الخطبة الإلهامية فهو كالتالي:
“واعلموا أنَّ ھٰذا ھو یومکم الذي کنتم توعدون۔ وقد وَعَدَ اللّٰہُ الذین اٰمنوا منکم لیستخلفنھم کمثل خلفاء شرعۃ موسٰی فوجب أن یأْتی اٰخر الخلفاء علٰی قدم عیسٰی ومِن ھٰذہ الأمّۃ وأنتم تقرءون القراٰن، أَفَلا تفھمون.” (الخزائن الروحانیة، المجلد 14، الخُطبۃً الإلھَامِیَّۃً: ص 139)
يجب أن ندرك جيداً أنَّ الأساس في الموضوع هو أنَّ صدق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي إذا قال أحدٌ بأنه لم يُخبر بنزول مبعوث آخر غير المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام فقد ضرب هذا الصدق في مقتل لأن الله تعالى قال بأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشير ونذير وأمره أن يبلّغ بصيغة جازمة حازمة: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ۖ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾، فالقول أن هنالك يسع أو يوسف بعد المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام يضرب هذا كله من القواعد وليس فقط الخلافة التي قال النبي ﷺ أنها ستعود على منهاج النبوة مثلما بدأت أول مرّة، لأن النبي ﷺ لم يخبرنا ولم ينبئ إلا بالمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام وخلافته فقط التي وضَّحها المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بنفسه كما سنبيّنُ إنْ شاءَ الله تعالى.
النبي والخليفة والمجدد الأخير التابع لنبي الأُمَّة ﷺ هو المسيح الموعود ؑ فقط
النصوص من كلام حضرته كما يلي:
“والعلامة الرابعة عشرة للمسيح أنه ما كان من بني إسرائيل، لكونه بلا أب، ولكن مع ذلك كان النبي الأخير من السلسلة الموسوية، ووُلدَ في القرن الرابع عشر من بعد موسى عَلَيهِما السَلام. كذلك أنا؛ فلستُ أنحدر من قبيلة قريش، وقد بُعثت في القرن الرابع عشر، وكنت الأخير مبعثاً.” (تذكرة الشهادتين ص 47)
“وأنا الخليفة الأخير لذلك النبي الذي هو خير الرسل.” (حقيقة الوحي، ص 134)
ويقول عَلَيهِ السَلام في الخطبة الإلهامية الموحى بها من الله ﷻ:
“وبشَّرَ (القرآنُ) المسلمين بأن خاتم الخلفاء ومسيح هذه الأمّة ليس إلا من الأمّة، فأي مسيح بعدي ينتظرون ؟” (الخطبة الإلهامية، الخزائن الروحانية، المجلد 16، ص 236)
“ولٰکنا أُلجئنا بنص القراٰن الٰی أن نؤمن بخلیفۃٍ منا ھو اٰخر الخلفاء علٰی قدم عیسٰی.” (الخطبة الإلهامية)
“إنَّ ھٰذا الوقت ھو وقت اٰخِر الخلفاء لِاُمّۃ نبیّنا خیر الورٰی.” (الخطبة الإلهامية)
“فوجب أن یأْتی اٰخِر الخلفاء علٰی قدم عیسٰی ومن ھٰذہ الأمۃ.” (الخطبة الإلهامية)
“إنَّ الدنيا موشكة على الإنتهاء وهذا الشخص هو خليفة الله الأخير والمسيح الموعود.” (حقيقة الوحي، ص 74)
“ومن المتفق عَلَيْهِ عند أهل السنة أنَّ المجدد الأخير في هذه الأمة هو المسيح الموعود الذي سيظهر في الزمن الأخير. .. أنني أنا المسيح الموعود الذي هو مجدد الزمن الأخير.” (حقيقة الوحي، ص 179-180)
“الآن، وقد تبيّن من هذا البحث كله أنه كان محتوما أن يأتي آخر الخلفاء باسم آدم، والمعلوم أن وقت ظهور آدم يقارب وقت العصر من اليوم السادس، وذلك يتبين من الأحاديث الصحيحة والتوراة أيضا، لذا لا يسع منصفا إلا الاعتراف أن ذلك الآدم وابن مريم هو أنا العبد الضعيف، لأنه أولاً وقبل كل شيء؛ لم يدَّعِ أحدٌ هذا الادعاء قبلي قط، أما أنا فلا أزال أنشر هذا الإعلان منذ عشرة أعوام، وقد نُشر في “البراهين الأحمدية” منذ أمد طويل إلهام سمّاني الله تعالى فيه آدم.” (إزالة الأوهام، ص 506)
“إذ كان المسيح الخليفة الأخير لموسى عَلَيهِ السَلام، فكان ضرورياً بحسب الوعد في القرآن الكريم أن تنتهي سلسلة الخلفاء في هذه الأمة أيضاً بالمسيح، وكما بدأت شريعة موسى بموسى عَلَيهِ السَلام وانتهت بالمسيح ابن مريم، كان ضرورياً أن يحدث مثل ذلك في هذه الأمة أيضا، فطوبى لهذه الأمة.” (إزالة الأوهام، ص 478)
“إعلم أنَّ فی آیة أنعمت علیھم تبشیر للمؤمنین. وإشارۃ إلى أنَّ الله أعدّ لھم کل ما أعطی للأنبیاء السابقین. ولذلك علّم ھذا الدعاء لیکون بشارۃ للطالبین. فلزم من ذلك أن تختتم سلسلة الخلفاء المحمّدیة علٰی مثیل عیسٰی. لیتمّ المماثلة بالسلسلة الموسویّة، والکریمُ إذا وعدَ وفا.” (حاشية الخزائن الروحانية. المجلد 18. اعجاز المَسِیح، ص. 170)
“لاحظوا، أنَّ من يدعي الإيمان بالله تعالى ورسوله وكتابه ولا يلتزم بتفاصيل أحكامه كالصلاة والصوم والحج والزكاة والتقوى والعفة، ويتخلى عن الأحكام الكفيلة بتزكية النفس وترك الشرك والحصول على الخير، فلا يستحق أن يُدعى مسلمًا على وجه العموم، ولا يمكن أن يصدق عليه وصف التحلي بالإيمان، كذلك من لا يؤمن بي مسيحًا موعودًا أو لا يرى حاجة للإيمان بي هو الآخر يجهل حقيقة الإسلام والغاية من النبوة والغرض من الرسالة، ولا يستحق بأن يسمّى بالمسلم الصادق والتابع المخلص والمطيع للرسول، وذلك لأن الله تعالى كما أعطى أحكامًا في القرآن الكريم بواسطة النبي ﷺ كذلك بيّن فيه بكل قوة نبوءة مجيء خليفة أخير في آخر الزمان، وسمى الكافرين به والمنحرفين عنه بالفاسقين. ليس هناك فرق بين كلمات القرآن الكريم وكلمات الحديث بل هو شرح القرآن الكريم بكلمات أخرى، غير أنه قد استُخدمت في القرآن الكريم كلمة “خليفة” أما في الحديث فقد ذُكر الخليفة الأخير بكلمات المسيح الموعود. فقد استخدم القرآن الكريم كلمة “وعد” بحق ذلك المبعوث وبذلك قد عظّم بعثته، فأي نوع من المسلم الذي يقول بأنه لا حاجة لنا للإيمان به؟“. (الملفوظات، ج10، ص261-261)
فإذا كان الخلفاء هنا بمعنى الأنبياء لا خلفاء النبي كما يدّعي الموهومون هداهم الله فقد قضى المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام ؑ على هذا النوع من الخلافة لأنه هو الخليفة الأخير. وبالتالي لم يتبق إلا الخلافة التي وردت في الحديث أي خلافة النبي والتي سكت بعدها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم.
يقول حضرته أيضا:
“وإنّا إذا ودّعنا الدنیا فلا مسیح بعدنا إلی یوم القیامۃ. ولا ینزل أحدٌ من السماء ولا یخرج رأس من المغارۃ. إلَّا ما سبق من ربّي قولٌ فی الذریّۃ (إليه إشارة من قوله عَلَيهِ السَلام يتزوج ويولد له. منه). وإنّ هذا هو الحق وقد نزل من کان نازلا من الحضرۃ.” (الخزائن الروحانية. المجلد 18. اعجاز المَسِیح، ص 73)
ولقد صدق الله تعالى وعده وكان المُصْلِحُ المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ هو تحقق هذه النبوءة كالإبن الموعود حيث يقول حضرته رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
“إنني أُعلن هنا مُقْسماً بالله وبأمرٍ منه ﷻ أنه كشفَ عليَّ أنني أنا الابن الموعود في نبوءة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام، الذي سينشر اسمه عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام في أرجاء العالم.” (رؤيا المُصْلِحُ المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وأرْضاه عام 1944)
“أما في الزمن الأخير فقد أُرسل أحمد فقط، والذي يحمل حقيقة عيسوية بحسب النبوءة.” (إزالة الأوهام، ص 494)
إذن، هنالك المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام فقط خليفة ومجدد أخير لهذه الأمة كما أنبأ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي ما قَصّر في التبليغ.
فالامر واضح؛ لا نبي من بعد المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بل خلفـاء !
يوسف الأمة
أما عن “يوسف” هذه الأمة فيقول عَلَيهِ السَلام:
“فإن يوسف هذه الأُمّة أي أنا العبد الضعيف.” (البراهين الخامس، مجلد الخزائن 21، ص99)
فالمسيح الموعود ؑ هو يوسف !
وقد وردت عبارة يوسف في الوحي لتشير إلى بعثة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام وكذلك إلى مثيله الابن الموعود أي حضرة مرزا بشير الدين محمود أحمد خليفة المسيح الثاني رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كما يلي:
“يوم يجيء الحق ويُكَشف الصدق ويخسر الخاسرون. أنت معي وأنا معك ولا يعلمها إلا المسترشدون. نرّد إليك الكّرة الثانية. ونبّدلنّك من بعد خوفك أمنا. يأتي قمر الأنبياء، وأمرك يتأَتى. يسر اللهُ وجَهك ويُنير برهانك. سيولَد لك الولد ويُدنَى منك الفضل. إن نوري قريب. وقالوا أنّى لك هذا؟ قل هو الله عجيب. ولا تيأس من روح الله. اُنظْر إلى يوسف وإقباله. قد جاء وقت الفتح، والفتح أقرب. يخّرون على المساجد، ربنا اغفر لنا إنا كنا خاطئين. لا تثريب عليكم اليوم، يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين. أردُت أن أستخلَِف فخلقت آدَم نجّي الأسرار. إنا خلقنا الإنسان في يوم موعود.” (مرآة كمالات الإسلام، ص 148)
ولم ((يولد)) للمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام إلا قمر الأنبياء حضرة مرزا بشير أحمد رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ثم المُصْلِح المَوْعود حضرة مرزا بشير الدين محمود أحمد خليفة المسيح الثاني رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ((أردُت أن أستخلَِف فخلقت آدَم نجّي الأسرار. إنا خلقنا الإنسان في يوم موعود)) حيث الابن الذي يولد للمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام هو خليفته بكل الوضوح الذي في النَصّ، والابن الذي يولَدُ في البشارة ويصبح خليفة للمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام ضمن نظام خلافة قائم هو حضرة مرزا بشير الدين محمود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
الخلافة في كلام المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام
يقول عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام:
“وإذا طُرح سؤال: ما الغاية الحقيقية التي يتوقف عليها بقاء القرآن محفوظا ومصونا إلى أبد الدهر؟ فهذا يتبين من آية أخرى، وهي: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}. تدل هذه الآية على أن للقرآن الكريم فائدتين عظيمتين جاء النبي ﷺ لإيصالهما إلى الآخرين. أولاهما: حكمة القرآن الكريم، أي معارفه ودقائقه. ثانيتهما: تأثيره الذي يؤدي إلى تزكية النفوس. إن حفظ القرآن لا ينحصر فقط في أن تحفظ نُسَخه المكتوبة جيداً لأن هذا ما فعله اليهود والنصارى أيضاً في بداية الأمر حتى أحصَوا النقاط في التوراة أيضا. بل المراد هنا هو حفظ فوائد القرآن وتأثيراته أيضاً إلى جانب حفظه الظاهري. وهذا الحفظ لا يتأتّى -بحسب سنة الله تعالى- إلا إذا ظلَّ يأتي بين الفينة والفينة نائبون للرسول يملكون بصورة ظلية كافة نِعم الرسالة والذين أُعطُوا جميع البركات التي يُعطَاها الأنبياء، كما أشير إلى هذا الأمر العظيم في آية أخرى وهي: {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}. والحقيقة أن هذه الآية تفسر الآية: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} وتردّ على سؤال عن كيفية حفظ القرآن. فيقول الله تعالى بأني سأُرسل خلفاء النبي ﷺ بين حين وآخر. ولقد اختيرت كلمة “الخليفة” للإشارة إلى أنهم يكونون نواب النبي وسينالون نصيباً من بركاته كما حدث في الأزمنة الخالية. وعلى يدهم يزدهر الدين ويتمكّن، وسيُبدَّل الخوف أمنا. أيْ سيأتون في وقت يكون الدين فيه عرضة للفُرقة. ومَن كَفَر وتمرد بعد مجيئهم فأولئك هم الفسقة والفجرة. وهذا ردٌّ على بعض الجهلاء الذين يتساءلون هل يجب علينا الإيمان بالأولياء. فيقول الله تعالى لا شك أنه واجب، والذين يخالفونهم هم الفاسقون إذا ماتوا على المعارضة.” (شهادة القرآن)
ويقول عَلَيهِ السَلام:
“من الضروري أن يأتي بعد وفاة النبي ﷺ عند انتشار الفساد والفتن في هذه الأمة مصلحون باستمرار مكلَّفون بمهمّة من مهام الأنبياء العديدة ليدْعوا إلى الدين الحق، وينـزّهوه من كل بدعة اختلطت به، ويُظهروا للناس صِدق الدين من كل الجوانب بتلقيهم نوراً من السماء، وليجذبوا الناس إلى الصدق والحب والطهارة بأسوتهم الحسنة.” (نفس المرجع)
الخلافة في هذه الأمة خلافة دائمة
يقول المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام:
“ثم هناك آيات أخرى يتبين منها أنَّ الله تعالى أراد حتماً أن يكون هناك دائماً معلّمون روحانيون وهُم ورثة الأنبياء. وتلك الآيات هي: {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}. والآية: {وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ إِنَّ اللهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} الرعد: 32، والآية: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}. كيف يمكنني أن أصدّق أنَّ أحدًا يقرأ هذه الآيات بتدبر وإمعان ومع ذلك لا يستطيع أن يدرك أنَّ الله تعالى قد قطع لهذه الأمة وعدًا صريحًا بالخلافة الدائمة. إذا لم تكن الخلافة ذات صفة دائمة فما معنى تشبيهها بالخلفاء في الشرع الموسوي؟ وإذا كانت الخلافة الراشدة جاءت لتبقى ثلاثين سنة فقط ثم لتنتهي إلى الأبد، لكان معنى ذلك أن الله تعالى لم يشأ أن يُبقي أبواب السعادة مفتوحةً على هذه الأمة إلى الأبد، ذلك لأن موت السلسلة الروحانية يستلزم موت الدين. ولا يمكن أن يُعَدّ حياً قَطّ الدينُ الذي يقرّ أتباعه بلسانهم أنه ميّتٌ منذ 1300 عام، ولم يرد الله في هذا الدين أن يتوارث الآخرون نورَ الحياة الذي كان موجودا في صدر النبي ﷺ. مؤسف أنْ لا يتدبر المتمسكون بهذه الفكرة في كلمة “الخليفة” المستمَدّة من “الاستخلاف“، لأن الخليفة هو الخَلَف، وخليفة النبي لا يكون إلا الذي يحظى ظلّيًا بكمالات النبي بمعناها الحقيقي، لذلك ما أراد النبي ﷺ أن تُطلق كلمة “الخليفة” على الملوك الغاشمين، وذلك لأن الخليفة هو ظلّ الرسول في حقيقة الأمر، ولأنّه لا خُلود لأحد من البشر لذا أراد الله تعالى أن يجعل الأنبياء، الذين هم أشرف المخلوقات وأفضلها، خالدين إلى الأبد، فقدّر الله ﷻ الخلافة لكي لا تخلو الدنيا من بركات النبوّة في أي وقت من الأوقات. فالذي يؤمن بالخلافة إلى ثلاثين سنة فقط فإنه يُعرض عن غاية الخلافة المتوخاة لغبائه، ولا يدري أن الله تعالى لم يرد إبقاء بركات الخلافة في حُلل الخلفاء ضرورياً إلى ثلاثين عاماً فقط، ثم لا بأس إن هلكت الدنيا بعد ذلك ! بل الْحَقُّ أنَّ وجود الخلفاء في الأيام الأولى لم يكن ضرورياً إلى هذه الدرجة لنشر شوكة الإسلام؛ لأن أنوار النبوة وكمالاتها كانت في انتشار مستمر وبصورة متجددة، وكانت آلاف المعجزات قد نزلت كالمطر الغزير حديثا. فلو أراد الله لما كان مستبعداً عن سنته وقانونه أن يزيد في عمر النبي ﷺ نفسه إلى ثلاثين عاما أخرى بدلا من وجود الخلفاء الأربعة. وبحسب هذا الحساب كان النبي ﷺ سيبلغ من العمر 93 عاماً وهذا العمر ما كان طويلاً جداً نظراً إلى الأعمار في ذلك العصر، كذلك ما كان غير عادي من حيث أعمار الناس بحسب قانون الطبيعة أيضا المعروف لدينا. إذًا، هل لعقل سليم أن يعزو فكرة سخيفة إلى الله تعالى بأنه اهتم بهذه الأمة إلى ثلاثين عاماً فحسب ثم تركها تهيم في الضلالة إلى الأبد، وأنَّ النور الذي ظل يُريه منذ القِدم في مرآة الخلافة في أمم الأنبياء السابقين لم يرد إراءته في هذه الأمة؟ هل له أن يعزو هذه الأمور إلى الله الرحيم الكريم؟ كلا. ثم تشهد الآية الكريمة بكل وضوح بخلافة الأئمة: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}. فإنها تعلن بصوت عال بأبدية الخلافة الإسلامية، لأن كلمة “يرثها” تقتضي الدوام. والسبب في ذلك أنه لو كان الدور الأخير للفساق لعُدّ هؤلاء القوم ورثة الأرض وليس الصالحين. والذي يأتي بعد الجميع هو الذي يرث الجميع. ثم يجب التأمل أيضا في أنه ما دام الله تعالى قد فهَّم بواسطة المثال بأنه سيستخلف في هذه الأمة كما استخلف بعد موسى فيجب البحث ماذا فعل الله تعالى بعد وفاة موسى؟ هل أرسل الخلفاء إلى ثلاثين سنة فقط أم أنه أطال سلسلتهم إلى 1400 عام ؟ ثم لمّا كان فضل الله تعالى على نبينا الأكرم ﷺ أعظم من فضله على موسى بكثير كما قال تعالى: {وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}، وقال أيضا عن هذه الأمة: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}. ؛ فكيف يمكن إذًا أن تمتد سلسلة خلفاء موسى إلى 1400 عام وتنتهي في هذه الأمة بعد ثلاثين عاماً فقط ؟ فإذا كانت هذه الأمة خالية من أنوار الخلافة الروحانية فما معنى الآية: {أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ؟ فليبيِّن لي أحد. يقول المثل الفارسي ما معناه: [كيف يهدي الآخرين مَن كان ضالّا طريقه] ؟ إذا كان المقصود هو إبقاء هذه الأمة عمياء إلى الأبد، وإبقاء هذا الدين ميتا فما معنى قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ؟ هل يستطيع الأعمى أن يهدي أعمى الطريق؟ فيا مَن تسمون أنفسكم مسلمين، تدبروا بالله عليكم فإن هذه الآية لا تعني إلا أنَّ الحياة الروحانية والبصيرة الباطنية ستبقى فيكم إلى يوم القيامة، وأنَّ أصحاب الأديان الأخرى سينالون النور منكم، وإنّ الحياة الروحانية والبصيرة الباطنية التي تملك قدرة لدعوة الآخرين إلى الحق هي التي تُسمّى الخلافة بتعبير آخر. فكيف يمكن القول إذًا بأن الخلافة بقيت إلى ثلاثين عاما ثم اختفت في طيات العدم؟ اتقوا الله ! اتقوا الله !! اتقوا الله !!! ليكن معلوماً أنه مع أنَّ هناك عديداً من الآيات التي تبشّر بالخلافة الدائمة في هذه الأمة، وهناك أحاديث كثيرة أيضاً في هذا الموضوع ولكن أرى في هذا القدر من البيان في هذا الموضوع كفاية للذين يحسبون الحقائق الثابتة ثروة عظمى ثم يقبلونها. وليس هناك سوء ظنٍ بحقّ الإسلام أسوأ من أن يُعتبر هذا الدين ميتاً وتُعتبر بركاته مقصورة على القرن الأول فحسب. هل الكتاب الذي يفتح باب السعادات الدائمة يمكن أن يعلّم تثبيط الهمم فيقول بأنه ما من نعمة تمتد إلى المستقبل بل انتهى كل شيء على الزمن الماضي ؟ فلو لم يأت في هذه الأمة خلفاء الأنبياء أيضا -دع عنك الأنبياء- ليروا فينة بعد فينة تجليات الحياة الروحانية لقُضي على روحانية الإسلام نهائيا. فما وجه المقارنة إذًا بين شوكة هذا الدين وشوكة الدين الموسوي الروحانية وجلاله الذي جاء فيه آلاف الخلفاء إلى 1400 عام. من المؤسف حقاً أن المعترضين علينا لا يفكرون بأن الإسلام في هذه الحالة يصبح أدنى درجة جداً من حيث روحانيته، ولا تثبت عظمة شأن نبينا المتبوع ﷺ، ولا تثبت قوة تأثير القرآن أيضاً ككتاب من حيث نورانيته. ثم القول، والحالة هذه، بأن هذه الأمة خير الأمم وتفيد الأمم الأخرى فائدة روحانية دائماً، وبأن القرآن هو الأكمل والأتمّ من بين جميع الكتب الإلهية من حيث كمالاته وتأثيراته، وبأن هذا الرسول ﷺ هو الأكمل والأتمّ من بين جميع الرسل من حيث قوته القدسية وتكميل الأخلاق، سيكون ادّعاء سخيفاً وبلا معنى وثبوت. ثم يستلزم ذلك فساداً آخر أيضاً وهو أن جزءاً من تعليمات القرآن الذي يهدف إلى جعل الإنسان شبيهاً بالأنبياء في الأنوار والكمالات الروحانية سوف يُعتبَر منسوخاً إلى الأبد لأنه ما لم تعد في الأمة قدرة على أن تخلق في نفسها الكمالات الباطنية للخلافة، بل سيكون التعليم الذي يؤكد على الحصول على تلك المرتبة بلا طائل مطلقا. والحق أن الأبدان لتقشعر كلياً بمجرد تصور السؤال: هل صار الإسلام الآن ديناً ميتاً إلى الأبد لا يوجد فيه أناس تقوم كراماتهم مقام المعجزات، أو تنوب إلهاماتهم عن الوحي ؟ ودونك أن يعتقد بذلك مسلم. هدى الله الذين هم أسرى هذه الأفكار الإلحادية.” (نفس المرجع)
إذن كُلّ نصّ يذكر فيه المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام استمرار نعمة النبوّة وأمثال المسيح فهي نبوّته هو فقط عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام والنبوّة الظلية التي تليه وهي القدرة الثانية أي الخلافة على منهاج النبوّة والخلفاء هم أمثال المسيح فلا مسيح آخر بعد المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بل أظلال المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام كما سيشرح المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بنفسه في النصوص التالية.
الخلافة من بعد النبوّة هي صمام الأمان الدائم من كلام النبي ﷺ
لقد شدّد رسول الله بنفسه ﷺ على التزام الخلفاء من بعد النبي واعتبر دورهم ظِلاً لدور النبوّة: فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو السُّلَمِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ يَقُولُ:
“وَعَظَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ مَوْعِظَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ هَذِهِ لَمَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا ؟ قَالَ: «قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلا هَالِكٌ؛ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ. وَعَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا فَإِنَّمَا الْمُؤْمِنُ كَالْجَمَلِ الأَنِفِ حَيْثُمَا قِيدَ انْقَادَ.»” (سنن ابن ماجه، كتاب المقدمة)
فوصيّة النبي ﷺ هي طاعة الخلفاء من بعد النبوة.
ويردّ النبيُّ بنفسه ﷺ على من يظن أنَّ الخلافة من بعده لا عودة لها بعد أن تُرفَع، يـردّ ﷺ عليهم بأنها ستعود على منهاج النبوة النقي وأنها ستبقى ولن ترفع بعدها أبدا:
“عن حُذَيْفَة قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ.» ثُمَّ سَكَتَ.” (مسند أحمد، مسند الكوفيين)
فالنبي ﷺ بلَّغ كل ما أُمِر به من ربّه فقال “ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ” ثُمَّ سَكَتَ. وما سكت ﷺ عن نبأ أبداً بل بلَّغَ وأدى الأمانة على أتمّ وجه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم.
الخلافة الراشدة الدائمة عادت من بعد المسيح الموعود ؑ
يقول حضرة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام مؤكداً على دوام الخلافة من بعده:
“فيا أحبائي، ما دامت سنة الله القديمة هي أنه تعالى يُري قدرتين، لكي يحطّم بذلك فرحتَين كاذبتين للأعداء.. فمن المستحيل أن يغيّر الله تعالى الآن سنته الأزلية. لذلك فلا تحزنوا لما أخبرتكم به ولا تكتئبوا، إذ لا بد لكم من أن تروا القدرة الثانية أيضاً، وإن مجيئها خير لكم، لأنها دائمة ولن تنقطع إلى يوم القيامة. وإنّ تلك القدرة الثانية لا يمكن أن تأتيكم ما لم أغادر أنا، ولكن عندما أرحل سوف يرسل الله لكم القدرةَ الثانية، التي سوف تبقى معكم إلى الأبد بحسب وعد الله الذي سجلتُه في كتابي “البراهين الأحمدية”، وإن ذلك الوعد لا يتعلق بي بل يتعلق بكم أنتم. كما يقول الله ﷻ: [إني جاعل هذه الجماعة الذين اتبعوك فوق غيرهم إلى يوم القيامة]. فمن الضروري أن يأتيكم يومُ فراقي لِيليه ذلك اليوم الذي هو يوم الوعد الدائم. إنَّ إلـهنا إلـهٌ صادق الوعد، وفِيٌّ وصدوق، وسيُحقق لكم كل ما وعدكم به. وبالرغم أنَّ هذه الأيام هي الأيام الأخيرة من الدنيا، وهناك كثير من البلايا والمصائب التي آنَ وقوعها، ولكن لا بد أن تظل الدنيا قائمة إلى أن تتحقق جميع تلك الأنباء التي أنبأ الله تعالى بها.” (الوصية/ الخزائن الروحانية، المجلد 20 صفحة 305، 306)
القدرة الثانية هي الخلافة
ثم يؤكد عَلَيهِ السَلام في نفس الحديث أنَّ هذه القدرة الثانية التي ستكون من بعده إنما هي الخلافة التي تماثل خلافة أبي بكر الصدّيق رَضِيَ اللهُ عَنْهُ للنبي ﷺ وأنَّ الخلافة هذه هي التمكين الذي وعده الله تعالى باستخلاف المؤمنين الصالحين، فيقول حضرته:
“إنه تعالى يُري نوعين من قدرته: فأولاً، يُري يدَ قدرته على أيدي الأنبياء أنفسهم، وثانيًا، يُري يدَ قدرته العظيمة بعد وفاة النبي عند حلول المحن، حيث يتقوى الأعداء ويظنون أنَّ الأمر الآن قد اختل، ويوقنون أنَّ نهاية هذه الجماعة قد دنت، حتى إنَّ أعضاءها أنفسهم يقعون في الحيرة والتردد، وتُقصَم ظهورهم، بل ويرتدّ العديد من الأشقياء منهم، وعندها يُظهر الله تعالى قدرتَه القوية ثانيةً، ويُساند الجماعة المنهارة. فالذي يبقى صامدًا صابرًا حتى اللحظة الأخيرة يرى هذه المعجزة الإلهية، كما حصل في عهد سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه، حيث ظنوا أنَّ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم قد سبقت أوانَها، وارتدّ كثير من جهال الأعراب، وأصبح الصحابة لشدة الحزن كالمجانين، فعندها أقام الله تعالى سيدنا أبا بكر الصديق رضي الله عنه، وأظهر نموذجًا لقدرته الثانية، وحمى الإسلام من الانقراض الوشيك، وهكذا أتمّ وعده الذي قال فيه {ولَيُمكِّننَّ لهم دينَهم الذي ارتضى لهم وليُبدِّلنّهم من بعد خوفهم أمنًا}.” (الوصية/ الخزائن الروحانية، المجلد 20 صفحة 305، 306)
فالخلافة حسب المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام هي القدرة الثانية التي تظهر من بعد النبي لاستكمال الدور الذي أنيط بالنبي لتزكية وتعليم ولمّ شمل المؤمنين وإقامة السَلام الروحي وخدمة الخلق.
في ذلك يقول حضرة المُصْلِحُ المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مؤكداً على أهمية طاعة الخلافة وأنَّ بغيرها كُلّ عمل يصبح بلا جدوى:
“كما أنَّ الغصن المتصل بالشجرة هو وحده يمكن أن يحمل أثمارًا، أما المقطوع عن الشجرة فلا يمكن أن يثمرَ، وهكذا تمامًا فإن الذي يتمسك بأهداب الإمام هو وحده يمكن أن ينجز عملًا مفيدًا للجماعة، أما الذي لا يكون على صلة بالإمام فلن ينجز ما يمكن أن ينجزه الجَدْيُ حتى لو كان متمكنًا من علوم الدنيا بأسرها.” (رسالة خاصة من حضرة خليفة المسيح الخامس أيده الله تعالى بنصره العزيز لأبناء الجماعة الإسلامية الأحمدية لندن 11/05/2003)
وبهذا يتّضح من كلام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وخادمه المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام أنَّ المُجَدِّد الأخير والخليفة الأخير والنبي الأخير في هذه الأمة هو المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام وأنَّ عبء التجديد يقع على عاتق الخلافة الراشدة الثانية التي وصفها المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بالقدرة الثانية من بعده وأنَّ الخلفاء هم أمثال المسيح أو المسحاء وأنها نعمة باقية لن تزول وأنَّ كلّ من يشذ عنها فانما يشذ إلى النار ويدعو إلى الإلحاد عافانا الله وإياكم اللّهُمّ آمين.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ