من بين نبوءات المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام التي لا تكاد تحصى نبوءة تتعلق بالثورة الإيرانية (وتُعرف أيضًا بثورة إيران الدستورية) حيث تلقى عَلَيهِ السَلام حولها وحياً بتاريخ 15 كانون الثاني 1906، ونص النبوءة:
“تزلزل در ايوان كسرى فتاد.” (بالفارسية) أي: أن زلزالاً وقع في بلاط مَلِك إيران. (١)
تم نشر هذا الوحي في الصحف الناطقة بالأردية والإنجليزية وبعض المجلات والمنشورات الأخرى الخاصة بالجماعة الإسلامية الأحمدية في الوقت الذي كان فيه حاكم إيران متربعاً بكل قوة وهيمنة على عرشه فارضاً سلطانه بقوة وثقة ورخاء. كان الملك الفارسي مظفر مسعود الدين شاه قبل ذلك بعام أي في 1905 قد وافق على مقترحات لتشكيل حكومة تمثيل شعبية عن طريق البرلمان ووعد بتحقيقها بل والإعلان عنها بصورة رسمية. كان موقف الملك هذا قد أدى إلى إسعاد البلاد حكومة وشعبا ونشر البهجة والفرحة وحصل الملك بسبب موقفه هذا على شعبية وامتنان عظيم في الأمة. ساد الارتياح الكبير في البلاد نظراً لأن الثورة السياسية تمت دون إراقة دماء. وكان العالم يتطلع بأمل إلى إيران بسبب تجربتها الديمقراطية الجديدة والأولى في آسيا بشكل عام باستثناء اليابان. لكنهم لم يكونوا على علم بالصعوبات التي ينطوي عليها ذلك ولم يكن لدى الناس التعليم اللازم ولا الخبرة الكافية للحكم الديمقراطي. في تلك الأثناء نشر حضرة مرزا غلام أحمد عَلَيهِ السَلام وحيه الذي يقول “زلزال وقع في بلاط مَلِك إيران“. لقد بدا هذا الوحي غريباً في تلك الفترة، ولم يكترث أحد إلى ما يحمله نص الوحي من عواقب، لقد كانت إيران سعيدة بالحرية الجديدة التي وجدتها بعد غياب طويل، وكان الملك مظفر مسعود الدين شاه فرحاً متمتعاً بالشعبية التي حصل عليها بسبب ذلك.
في عام 1907 توفي الملك عن عمر يناهز خمسة وخمسين عاما فخلفه ابنه مرزا محمد علي على العرش. أثبتَ الملك الجديد التغييرات الدستورية التي قبلها والده من قبل وواصل البرلمان الإيراني (المجلس) عمله السابق وقد تأكد بقاء الحكومة الممثلة التي سعى لها الشعب بقوة وحصل عليها أخيراً تحت حكم الملك السابق وأكدها أيضاً الملك اللاحق. ولكن بعد بضعة أيام فقط على الحكم بدأت نذر الشؤم تظهر كما تنبأ المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام.
بعد مرور عام فقط على نشر الوحي المذكور بدأت بوادر التمرد والفوضى تبرز وتظهر بشكل واضح. لقد بدأ الصراع يحتدم بين الملك والبرلمان، بين الشاه والمجلس. لقد طرح المجلس مطالب لا يمكن للشاه قبولها. وفي نهاية المطاف وتحت ضغط وإصرار المجلس وافق الملك على فصل بعض الشخصيات والقادة الكبار الذين وجَّهَ لهم المجلس تهماً بالفساد، وفي الوقت نفسه قرر الملك مغادرة العاصمة طهران. نشأ إثر ذلك توتر خطير بين القوميين والقوزاق الذين شكلوا هيئة لحراسة الملك وتبع ذلك بوقت قصير مناوشات دامية عندما قتل القوزاق 22 محتجًا وجرح 100 اخرين (٢). وتم إغلاق الأسواق مرة أخرى ودخل العمال في إضراب، واتخذ عدد كبير منهم ملاذًا لهم في مدينة قم. إلى هنا تحقق جزء فقط من نبوءة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام. تم في هذه الأثناء قصف مبنى النواب الإيراني وتدميره، ثم قام الملك بحل البرلمان وإلغاءه. تلا ذلك تمرد عام في أجزاء كثيرة من إيران. لارستان، لابجان، أكراباد، بوشهر وشيراز، وانتشرت الفوضى في جنوب ايران بشكل عام. تم فصل الحكام والمحافظين والضباط التابعين للنظام القديم وقام القوميون والديمقراطيون بفرض إدارتهم على البلاد. وكانت إيران غارقة في قبضة الحروب والفوضى العارمة. ولما شاهد الملك هذا الحال الحرج الذي عصف بالبلاد بدأ بنقل خزانة الدولة وممتلكاته الشخصية إلى روسيا، فيما بقي شخصياً في إيران ليبذل كل ما بوسعه من اللباقة والحنكة لإخماد التمرد. ولكن التمرد بدل أن ينحسر اتسع وتطور إلى ثورة كبرى، ومع إطلالة العام 1909 كان التمرد أو الثورة قد انتشرت إلى أصفهان، وسرعان ما انضم زعيم البختيار أيضاً إلى القوميين. عانت القوات الملكية هزيمة نكراء اضطر الملك على أثرها إلى إعلان قبوله للحكومة البرلمانية وخَطَبَ الشعب مرة تلو الأخرى مؤكِّداً أن النظام الاستبدادي القديم لن يعود. ولكن شاءَ الله تعالى خلاف ذلك، ففي قصر الملك كان القلق يتزايد يوماً بعد يوم. وأخيراً حتى القوزاق (هيئة الحرس الشخصي للشاه) انضموا إلى الثوار. بسبب هذا التطور الخطير غادر الشاه وأسرته القصر إلى غير رجعة ولجأوا إلى السفارة الروسية في إيران. حدث هذا في 15 يوليو 1909، أي بعد عامين ونصف فقط من نشر الوحي “زلزال وقع في بلاط مَلِك إيران”. لقد تحقق الوحي بالحرف فاختفت الرجعية والاستبداد من إيران، وحَلَّتْ الديمقراطية محلها. مر شهرا حزيران وتموز بقلق ورهبة كبيرين. وحدهم الذين عاشوا مثل هذه الظروف يمكن أن يتخيلوا حجم القلق والأرق واليأس الذي كان سائداً في قصر إيران في هذين الشهرين. أما نحن فنحتاج إلى التصور والتدبر بالذي حدث. لقد تحققت بشكل واضح نبوءة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام وسُجلت في التاريخ، واللافت أيضاً أن التاريخ أطلق على هذه الحادثة بـ “التغيير المزلزل في فارس” (٣)، رغم أن القلة فقط انتبهوا لهذه الآيات المنذرة.” (٤)
المراجع:
١- “بدر”، مجلد ٢، عدد ٣، يوم ١٩٠٦/١/١٩، ص ٢، و”الحكم”، مجلد ١٠، عدد ٣، يوم ١٩٠٦/١/٢٤، ص ١
٢- Abrahamian, Ervand, Iran Between Two Revolutions by Ervand Abrahamian, Princeton University Press, 1982, p.84
٣- الموسوعة الحرة http://bit.ly/1iMrFlP
٤- بتصرف من كتاب “دعوة إلى الأحمدية” للمُصْلِحُ المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، النبوءة رقم ٢