نستعرض فيما يلي بعض المعطيات سريعا وباختصار على صدق المسيح عيسى ابن مريم (عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام) وشهادة القرآن الكريم والنبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) على ضوء التاريخ.
بما أن سيدنا عيسى (عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام) كان رسولاً إلى بني إسرائيل حسب نص القرآن الكريم :
{ وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ } [آل عمران، الآية: ٤٩]
{ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم } [الصف، الآية: ٦]
فلا بد أنه (عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام) قد أكمل مهمته بتبليغ بني اسرائيل جميعا بدء من السبطين في فلسطين والباقين المنتشرين في الشرق بعد واقعة الصليب .
ولأن سيدنا محمد المصطفى (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) قد ذكر لنا عمر عيسى ابن مريم عليه السلام فقال:
“إن عيسى ابن مريم عاش عشرين ومائة، وإني لا أراني إلا ذاهباً على رأس الستين.” (كنـز العمال للمتقي الهندي رقم الحديث 32262)
فلا بد أن عيسى ابن مريم عليه السلام قد هاجر من فلسطين إلى البلاد الشرقية (في العراق، إيران، أفغانستان، وكشمير) حيث كانت تسكن معظم القبائل الإسرائيلية المشرّدة التي قال عنها المسيح:
“ولي خِرافٌ أُخر ليست من هذه الحظيرة ينبغي أن آتي بتلك أيضًا، فتسمع صوتي، وتكون رعيةٌ واحدة وراعٍ واحد.” (يوحنا 10: 16)
ولا بد أن قومه عَلَيْهِ السلام قد صدَّقوه حين وصل إليهم مهاجرا، حيث أن الله تعالى قد أعطاه العزة والوجاهة ليس فقط في الآخرة بل في الدنيا أيضًا طِبق وعده في القرآن المجيد:
{ إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ } [آل عمران، الآية: ٤٥]
وتذكر الأناجيل أن المسيح قد ظهر لتلاميذه بعد حادثة الصليب حياً ثم اتجه للجليل ومن ثم رحل إلى جهة مجهولة نؤمن أنه توجه إلى الشرق حيث قبائل اسرائيل المنتشرة لتبليغهم أمر الله تعالى وَالبشارات (الإنجيل)، ويتبين ذلك من قوله تعالى :
{ وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ } [ المؤمنون، الآية: ٥٠]
حيث أن الإيواء إنما يكون للمضطر الذي تعرض لمحنة ولا ملجأ له يحتمي فيه.
وكذلك الحديث التالي :
“أوحى الله تعالى إلى عيسى: أن يا عيسى انتقل من مكان إلى مكان، لئلا تعرف، فتؤذى، فوعزتي وجلالي لأزوجنك ألف حوراء، ولأولمن عليك أربعمائة عام” (رواه ابن عساكر عن أبى هريرة)
يقصد من لفظ ربوة الأرض الخضراء المرتفعة وذلك ينطبق على منطقة كشمير تماماً حيث أنها تعتبر من أجمل البقاع المرتفعة في العالم التي تزخر بالخضرة والمياه الجارية العذبة وهو ما ينشده الباحث عن الحياة الطيبة المتوفرة على الجو الطيب والخضرة والنظارة والمياه الجارية التي تكفل الاستقرار والعيش الكريم. واليوم تقع منطق كشمير بين الهند وباكستان ويوجد ضريح تاريخي ومزار مهم يُعتَقدُ بأنه لسيدنا عيسى ابن مريم (عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام) كما تدل المصادر التاريخية المعروفة وكذلك على بعد منه قبر للسيدة مريم (عَلَيهِا السَلام) في وادٍ سمي على اسمها (وادي مريم) ومنطقة مرتفعة تسمى ‘الجلجثة’ (Gilgit) وهي عين التسمية حيث حاول اليهود صلب المسيح الناصري (عَلَيهِ السَلام) في فلسطين.
لذلك فقد عاش سيدنا عيسى (عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام) حتى بلغ سنا متقدمة وتوفي كما بشّره الله تعالى بأنه لن يُقتل وبالذات لن يُصْلَب على يد اليهود بل سيتوفاه الله تعالى وفاة طبيعية أي بعد عمر طويل ويرفع شأنه بعد أن حاول أعداءه أن يثبتوا لعنه ويطهره من شرهم بإثبات صدقه وإيمان أغلب بني اسرائيل بحضرته ومن ثم سيشهد له سيدنا محمد (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) :
{ إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } [آل عمران، الآية: ٥٥]
فقد نجح حضرته في تبليغ رسالة ربه إلى خراف بيت اسرائيل المتفرقة كما كانت مهمته (عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام) وآمن به الناس جميعا، وهكذا صار الذين اتبعوه فوق الذين كفروا، حيث أنهم بعد أن استقوا تعاليم المسيح (عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام) تقبلوا الإسلام فيما بعد وهم اليوم من المؤمنين بحضرته وبالذي بشّر به أي سيدنا محمد (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) :
{ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ } [الصف، الآية: ٦]
والحمد لله رب العالمين