الملك عبد العزيز آل سعود (1876-1953) هو مؤسس المملكة العربية السعودية وأول ملوكها وقبل ذلك كان أمير نجد والحجاز وكان يُلقَّب أيضاً بـ زعيم الجزيرة العربية. وقد كان الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله على اطِّلاع حول معتقدات الجماعة الإسلامية الأحمدية ويعرفها جيداً، فقد التقى من قبل بأحد صحابة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام وهو حضرة يعقوب علي العرفاني رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أثناء أدائه فريضة الحج بعد عودته رَضِيَ اللهُ عَنْهُ من لندن سنة 1927، وقد حضر ذلك اللقاء أيضاً وزير المعارف السعودي السيد توفيق شريف، فطرحَ الصحابي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ للملك معتقدات الجماعة الإسلامية الأحمدية بكلّ صراحة ووضوح وقدّم لجلالة الملك بعض كتب المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام أيضا. وكالعادة قام أحد المشايخ مِن خصوم الجماعة برفع شكوى إلى الملك مشوِّهاً فيها صورة الجماعة الإسلامية الأحمدية حاثّاً إياه على عدم استقبال صحابي المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام ورفض كتبه ومنعه وجميع الأحمديين من أداء الحج، فردَّ عليه الملك رحمه الله:
“لقد جاء إلى لقائي مع توفيق شريف وقابَلتُه بعد الإستشارة مِن الشيخ عبد الله بن بلهيد (مفتي السعودية)، وبالتالي قبلتُ منه ما أعطاني مِن كُتُب … نحن أهل البادية نُجيـرُ مَن يأتي إلى بيتنا ولو كان عدوًّا لنا، أما هو فقد جاء لزيارة بيت الله تعالى، فمَنْ أنا أو أنت حتى نخرجه من بيت الله؟” (كتاب الحج للشيخ يعقوب، ص 250)
وقد التقى الصحابي يعقوب العرفاني رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بالملك عدّة مرات وجرى بينهم الحوار التالي:
العرفاني: هل يعرف جلالة الملك لماذا حَظِيَ بشرف خدمة الحرمين الشريفين؟
جلالة الملك: ذلك فضلُ اللهِ يؤتيهِ مَن يشاء.
العرفاني: لا شك أنه فضل الله تعالى، ولكن لابد من سبب وراء هذا الفضل.
جلالة الملك: لا أعرف ذلك، ما هو هذا السبب بحسب رأيك؟
العرفاني: كان جَدُّ جلالتك قد جاء للحج في عهد الشريف عون، ولكنه مَنَعَه من الحج بسبب الاختلاف في المعتقدات، فلم يرض الله تعالى بتصرفه هذا، فنزعَ منهم هذا الشرف ووهبه لآل سعود.
جلالة الملك: يا مرحبا.
العرفاني: إنَّ مكّة المكرّمة مركز مسلمي العالم أجمع، فسيقصدها الناس على اختلاف معتقداتهم ومذاهبهم، وذكّرتُ جلالتك بهذه الواقعة حتى لا تنسوا أنكم إذا تعرضتم لأحدٍ بناء على اختلاف المعتقدات، فسوف ينزع اللهُ تعالى عنكم هذه الخدمة، وسيعطيها لمن لا يتعرض لأحدٍ بسبب هذا الاختلاف.
فوقف جلالة الملك وهو يستغفر الله تعالى ويقول: لن أفعل ذلك أبداً … إنَّ وجودك هنا دليلٌ على أننا لا نتعرّض لك، رغم أنَّ أحداً قد وشى بك عندي إلا أننا لم نُعِرْه أدنى اهتمام.
العرفاني: لقد علمتُ بهذه الوشاية، وهو ما دفعني إلى أن أبلّغكم هذا الحق، ولقد أدّيتُ واجبي بحمد الله تعالى.” (ملخّص من “كتاب الحج” للشيخ يعقوب، ص 250، 275 إلى 277)
وكان قَدْ كتبَ الْمَلِكُ عبد العزيز آل سعود -وكان آنذاك أمير نجد والحجاز- كتبَ رسالة أيضاً إلى صحابي آخر من صحابة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام وهو حضرة عبد المحي عرب الحويري رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يخبره فيها بعدم رضاه حول قرار العثمانيين بجعل التركية اللغة الرسمية للبرلمان على أرض الحجاز ومكة والعراق، وقد طلبَ الْمَلِكُ من الصحابي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أن يعمل على نشر هذه الرسالة في بلاد الهند لخدمة لغة القُرآن الكَرِيم قال فيها:
“إلى جناب الأحشم جناب الشّريف سيّدنا السيّد مُحَمَّد عبد المحي الحويري المحترم – السَلامُ عَلَيْكُم ورَحْمَةُ اللهِ وَبَركاتُه – لا يخفى على حضرتكم أنَّ سلطنة الروم تبدّلت في هذه الأيام إلى مجلس الشورىٰ وقام كُلّ قطرٍ من الأقطار يطلب ما يستحقه لأَنِّ المساوات بين الأمة عين المواسات ونحن أيضاً قد سُررنا بذلك، ولكن لما رأينا المادّتين في قوانينهم فقََدْ حزَنّا وتكدّرنا. الأُولى منهما أنهم جعلوا لسان الكتاب الكريم ولسان النبي الرحيم وراء ظهورهم كأنهم في جانب والإسلام في جانب … والثانية أنهم شرطوا تعليم لسان التركي لازماً في مدارسهم، وقد علمت أنَّ هذين المادّتين من أكبر المصائب على ديننا الإسلام لأن النتيجة بيّنة وهي محو لسان العربي من صفحات العالم، فلا يخفى عليك نحن الآن قد قمنا قيام رجلٍ واحدٍ على طلب حقنا بل حقّ جميع المسلمين الذين يدينون بدين الكتاب والسنَّة، ولا يخفى على جنابكم أيضاً نحن لا نهجع ولا نسلم حتّى يجعلوا لسان العربي لازماً في جميع المدارس … دِيننا دين الله ولساننا قد نزل به كتاب الله، قال تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾، وقال: ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِين﴾. فيا سيّدنا، بحقِّ جدّك المُرسَل أنْ تشيع هذه الأسطر في جرائد أهل الهند ليعلموا إخوتنا المسلمون أنّا لسنا مِن المعتدين على أحدٍ بل نطلب حقّاً يريد المخالفُ ضياعه، وهذا الْحَقُّ ليس لنا خاصةً بل لجميع إخواننا المسلمين، لأنه إذا ضاع لسان العربي فقََدْ يضيع الإسلامُ، ويأبى اللهُ ذلك.” (جريدة “بدر” بتاريخ 25.03.1909)
ومن الذكريات المهمّة الأخرى ما قاله أحد الأحمديين المحترمين وهو “الأستاذ غلام حسين” الذي برز في الهند بتفوقه الدراسي والأكاديمي وكان يعمل وكيلاً لمدارس إحدى محافظات الهند وعمل أيضاً مترجماً لدى جلالة الملك عبد العزيز آلِ سعود، حيث يقول:
“في إحدى المرات قلتُ للملك عبد العزيز بن سعود: لابد أن يخرج النفط من أرض الحجاز. فقال الملك كيف هذا؟ فلفتُّ انتباهه إلى حديث النبي ﷺ: “لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ تُضِيءُ أَعْنَاقَ الْإِبِلِ بِبُصْرَى.” (البخاري، كتاب الفتن).” (مجلة “النور” لسان حال الجماعة الإسلامية الأحمدية في امريكا، فبراير 2009، ص 35-36)
وبالفعل وَقـَرَ قولُ الأستاذ غلام حسين في قلب الملك عبد العزيز بن سعود، فعقدَ اتفاقية مع شركة أجنبية للبحث عن النفط في أراضي السعودية، إلى أن اكتشف النفط هناك. ولكن مع بدء الملك عبد العزيز بن سعود بهذا المشروع حدثت ضجّة كبرى بين أوساط المشايخ في الهند فعارضوا الملك كُلّ المعارضة وعقدوا الاجتماعات ضدّ ذلك وحوّلوا الأمر إلى قضية دينية تخص جميع المسلمين، فكان للمُصْلِح المَوْعود خليفة المسيح الثاني رَضِيَ اللهُ عَنْهُ موقفاً مؤيداً لجلالة الملك عبد العزيز بن سعود وقال حضرته لهم:
“(إنّنا) نهتمُّ دائماً بشؤون العرب. كنّا مع الأتراك لمّا كانوا يحكمون أراضي عربية، ولمّا تولّى الشريفُ حسين الحُكم عَارَضَهُ الناس، ولكنّنا قُلنا لهم لا يليق بكم أن تنشروا الفساد وتثيروا القلاقل في الأرض المقدّسة، بل يجب أن تعترفوا بحُكم مَن جعله اللهُ حاكماً على تلك البلاد، لتنتهي الفتن والقلاقل نهائياً من البلاد العربية. ثم لمَّا تولّى أهلُ نَجْد زمام الحكم أيّدْنا الملكَ ابن سعود -مع أنَّ الوهابية وأهل الحديث هم أكبر معارضينا- إذ ليس مِن اللائق أنْ تتعرّض مكّة المكرّمة للحروب اليومية. لقد أوذي افرادُ جماعتنا هناك وتعرضوا للضرب عندما ذهبوا للحجّ، ومع ذلك لم نرفع صوت الاحتجاج حتى مِن أجل حقوقنا أيضا لأننا لا نريد أن تثار الفتن في تلك البقاع. … لم نر من المناسب إثارة ضجة على هذا الأمر، لأننا رأينا أنه لا فائدة من تشويه سمعة الملك، لأن ذلك يؤدّي إلى إضعاف قوّته، وإذا ضعفت قوّة الملك ضعفت قوة العرب. والآن مِن واجبنا أنْ نساعد الملك بأدعيتنا وتوحيد كلمتنا الإسلامية.” (خطبات محمود ج 16، ص 549-551 خطبة الجمعة بتاريخ 1935)
كذلك أرسلت الجماعة الإسلامية الأحمدية في 1926 رسالة إلى جلالة الملك عبد العزيز بن سعود تخبره بافتتاح مسجد الْفَضْل -أَوَّلُ المساجد الإسلامية الرسمية في العاصمة لندن- فأرسلَ الْمَلِكُ ابنه الآمير فيصل آل سعود لكي يحضر افتتاح مسجد الجماعة الإسلامية الأحمدية.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ