تلقى المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام الإلهام التالي:

طوبى لِك يا مريم فإن عيسى آتٍ مرة أخرى.” (رسالة الصاحبزاده بير سراج الحق النعماني رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، ص 6، ومخطوطة البشرى، ص 57)

معنى يا مريم

أي أن الله تعالى يخاطب المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام بأنه كان مثيلاً لسيدتنا مريم عَلَيهِا السَلام التي أحصنت فرجّها فنفخ اللهُ تعالى فيه أي في مثيل مريم عَلَيهِا السَلام من روحه أي وحيه وتأييده تبارك وتعالى كما نفخ في سيدتنا مريم روح الحق سيدنا عيسى عَلَيهِ السَلام. وهذا المثل ضربه اللهُ تعالى في القُرآن الكَرِيم للمؤمنين (جمع مذكر سالم) وليس للمؤمنات، فماذا في السيدة مريم كي يضربه الله مثلا للرجال المؤمنين؟ وماذا علينا كرجال مؤمنين أن نفعل لنتمثل بسيدتنا مريم عليها السَلام؟ الجواب هو أن السيدة مريم عَلَيْهِٰا السَلام كانت بتولاً عفيفة فاضلة حفظت فرجها -أي منافذ الشيطان- فالفرج هو المَنْفَذ ويشمل البصر والسمع والشعور والحركة والخ وليس مجرد الأداة التناسلية كما يظن الكثير من الناس، وقد كانت عَلَيْهِٰا السَلام عفيفة مطهرة صادقة فأكرمها الله تعالى بنفخ روحه أي الوحي وجعلها في مرتبة الصديقية ثم خرج من رحمها نبي، وهذا ارتقاء في الدرجات. هكذا يريد اللهُ تعالى منا أن نكون، أي أن نعفَّ أنفسنا ونتطهر ونعيش في الله وبالله ﷻ حتى ننال الدرجات الرفيعة {أولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا} وهي أولاً كما في الآية (١)الصالحية فـ (٢)الشهادة فـ (٣)الصديقية وربما المكالمة الإلهية كـ (٤)النبوة التي لم يبق منها غير المبشرات كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، ونحن جميعا في سورة الفاتحة ندعو الله أن يجعلنا من الذين أنعم الله عليهم. وهكذا الأمر مع حضرة مرزا غلام أحمد المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام الذي عفَّ نفسه تماماً عن شهوات الدنيا وكان طاهراً مطهراً فنالَ بفضل الله تعالى درجة الصديقية (المريمية) ثم نفخ اللهُ تعالى فيه من روحه، أي تفضّلَ عَلَيْهِ بالمكالمة وهي النبوة (العيسوية)، فكأنه أنجبَ نفساً جديدة أرقى من الإولى كما أنجبت مريم المسيح ودرجته أرقى من الصديقية أي النبوة. هذا هو معنى المثل الذي ضربه الله تعالى لرجال المؤمنين للاقتداء بمريم عَلَيهِا السَلام التي أحصنت فرجها فنفخ الله فيه من روحه، وهذا المثل حسب القُرآن الكَرِيم للرجال المؤمنين، والمثلُ إنما يُضرب للتمثل به. والخلاصة هي أن علينا جميعاً رجالاً ونساء أن نتمثل بمريم عَلَيْهِٰا السَلام لكي ننال الدرجات الرفيعة. فهذا تصويرٌ قرآني بديع للترقي الروحي من جهة، ومن جهة أخرى هو تكريمٌ رفيعٌ للمرأة وجعْلها قدوةً للرجال معاً إذا راموا الرقي الروحاني، فكانت هذه المرأة هي سيدتنا مريم عَلَيْهِٰا السَلام التي لم يكرمها كتابٌ كالقرآن العظيم.

رؤيا المانجو

يقول المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام:

رأيت اليوم في المنام أن عيسى عَلَيهِ السَلام موجود في دارنا. فقلت في نفسي ماذا سنطعمه، لأن حبات المانجو قد فسدت. عندها وجدتُ من الغيب حبّات أخرى من المانجو. واللهُ أعلمُ ما تأويلها.” (رسالة 1887/7/11 المرسلة إلى تشودري رستم علي، رسائل أحمدية، مجلد 5، رقم 3، ص 42)

لَمْ يفسر الْمَسِيحُ الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام هذه الرؤيا، حيث لا يُطلعُ اللهُ تعالى أحياناً ذاتَ الرائي على تأويل رؤياه وقد يتركها تعالى لتتحقق فيما بعد لتكون دليلاً على صدق عبده أمام الناس والباحثين عن الحق. أما المانجو فقََدْ كانت على أي حال فاكهة رئيسية للغذاء في الهند آنذاك، ولذلك يصبح نزول عيسى عَلَيهِ السَلام في دار المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام وعدم وجود فاكهة طيبة في الدار أن حضرته عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام هو بالفعل مثيل المسيح وداره أي بلده خاصة وقومه؛ أهل الهند خاصة والأمة الإسلامية عامة أنها محل نزول المسيح الموعود الذي بَشَّرَ به النبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في آخر الزمان. أما الجزء الآخر من النبوءة وهو عدم وجود مانجو طيبة (طعام طيب) عند نزول عيسى عَلَيهِ السَلام في الدار فيؤخذ معناه من أهل تعبير الرؤى الذين يقولون بأن رؤيا المانجو في المنام ترمز إلى الفرحة والسعادة لصاحب الرؤيا، كما ترمز على سير أموره بشكل سريع. والعكس إذا رأى شخصٌ حبات المانجو متعفنة أو فاسدة، فهذا يدل على عدم الراحة فى الحياة وضيقها على صاحب الرؤيا. إذن، فالمعنى هو أن الأمة لن تستقبل المسيحَ الموعودَ عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام بالورود كما يظن عامة المسلمين بل سيواجَه مسيح الله بصعوبات جمّة ولن يجد تلك الحفاوة التي في أذهان الناس، وهذا يذكّرنا بما نشرناه سابقاً حول النبوءة أن أعداء المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام هم الفقهاء خاصة (منشور: أعداء المهدي – علماء وفقهاء آخر الزمان) ، ومعناه أن مصاعب ستحدث عند نشر دعوة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام في البداية والسبب هو فساد بعض مشايخ المسلمين من أعداء المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام، أي أن مشايخ الخصوم هم تلك الثمار أو الفواكه الفاسدة التي ستكفر المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام وتمنعه وجماعته من الانتساب إلى الإسلام الفساد الذي وصل إلى الحد الذي نراه اليوم، ولكن الله تعالى لن يترك مسيحه بل سيرزقه فاكهةً أخرى من لدنه تبارك وتعالى وهي التي وجدها المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة والسَلامُ في نفس الدار بدلاً من تلك القديمة الفاسدة: “وجدتُ من الغيب حبات أخرى من المانجو“، أي أن بعثة المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام التي هي البعثة الثانية للمسيح الناصري عَلَيهِ السَلام وهي البعثة الثانية للنبي الأعظم سيدنا ومولانا المصطفى مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي كانت طَي الغيب قبل نزول المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام، كل ذلك سيحدث وأن الله تعالى سيستبدل المعاندين بثمار أخرى طيبة هي في دار المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام أيضاً هذه الطيبة التي وجدها بعد تلك الفاسدة، أي أن هذه الأمة الإسلامية ستبقى خير الأمم ومهما كثر فيها الفساد فلن يكون شيئاً مقابل الخير العظيم الذي فيها ومنها. كما أن في النبوءة أيضاً إشارة للفتنة التي حدثت بعد وفاة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بعد اختيار الخليفة الثاني رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وخروج اللاهوريين على الخليفة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فاستبدل الله تعالى تلك الأغصان اليابسة بأغصان جديدة نضرة هي التي نافحت مع الخلافة لنشر الدين ودعوة المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام حتى يومنا هذا ولله الحمد وإلى ما شاء الله تبارك وتعالى، حَفِظَ اللهُ خلافتنا وخليفتنا الحبيب حضرة مرزا مسرور أحمد خليفة المسيح الخامس وأيَّدَهُ بِنَصْرِهِ العَزِيز، اللّهُمّ آمين.

في الواقع فإن هذه النبوءة لا زالت تتحقق إذ يخرج المعارضون من منافقين وأعداء وموتورين ويدخل آخرون خير من الذين خرجوا في جماعة المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام كما يحدث عادة في الأشجار التي يستبدل صاحب الحقل أغصانها اليابسة لتُصبح حطباً للنار ويأتي بفروع جديدة يانعة تتحد مع الشجرة وتصبح كياناً واحداً لتكون أغصاناً تحمل أثمار الخير.

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد

One Comment on “حبات المانجو في الوحي”

Comments are closed.