{ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا } (آل عمران: 104)،
أيّها القرّاء الاعزاء،
إنَّ نظام الخلافة المبارك هو حبل الله الذي ألقاه اللهُ تعالى لأجل إنقاذ حياتنا الروحانية ورقيّنا، وبه أُمِرْنا أنْ نعتصم، ومِن البديهي أنّ المرء لا يعتصم إلّا بشيءٍ يحبّه، فهكذا حبّ جماعة المؤمنين للخلافة الراشدة وللخليفة المفدّى، فماذا عن حبّ الخليفة لجماعة المؤمنين؟!
ما من أحدٍ منّا لا يعلم عن حبّ حضرة خاتم النبيين لجماعة المؤمنين الأولى، فإن كان عهد النبوة قد انقضى، فبركاته لا زالت جارية، فلمن شاء أنْ يطّلع على حبّ النبيّ لجماعة المؤمنين، فلينظر إلى نموذج الحبّ المتجسد في شخص خليفتنا، حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله تعالى بنصره العزيز)، حيث إنّ الخلافة كما نعلم استمرارٌ طبيعيٌّ لبركات النبوّة، تمامًا كما قال المسيح الموعود عليه السلام وهو يذكر مقام الخلافة:
“خليفة النبيّ بالمعنى الحقيقيّ لا يكون إلّا الذي يحظى بكمالات النبيّ ظلّيًا، الخليفة هو ظلّ الرسول في حقيقة الأمر.” (شهادة القرآن، الخزائن الروحانية مجلد 6 ص 353)
فاسمحوا لي أن اكتب شيئًا عن حبّ الخليفة لأفراد جماعته.
نحن الآن في العهد المبارك لسيدنا الخليفة الخامس حضرة مرزا مسرور احمد، ومع طلوع شمس كلّ يومٍ جديدٍ من أيّام خلافة حضرته المباركة، نرى بأمّ أعيننا بشائر الإزدهار والفتوحات العظيمة. إنّنا نؤمن إيمانًا جازمًا أنّ كلّ رقيٍّ للجماعة مرهونٌ بالخلافة، وهذا ليس ادعاءً فارغًا، فمنذ بداية هذه الخلافة ظلّ الخلفاء يروون شجرة الإيمان هذه بكلماتهم الروحانيّة ويرسّخون هذا الأمر في قلوبنا مذكّرين إيّانا بالبشارات والوعود الإلهية. فقد قال المصلح الموعود رضي الله عنه:
“تذكّروا جيدًا أنّ جميع رقيّكم مرتبطٌ بالخلافة، واليوم الذي لم تفهموا فيه هذا الموضوع ولم تتذكروه فسيكون ذلك اليوم يوم هلاككم، ولكنّكم إذا فهمتموه ورسّختموه في أذهانكم ثمّ إذا أراد العالم كلّه هلاككم فستبوء جهوده بالفشل الذريع.”
وعودة إلى الحديث عن حبّ الخليفة الخامس لجماعته المؤمنة وانشغال قلبه بها، يقول حضرته بنفسه عن نفسه (نصره الله): “ما من بلدٍ من بلاد العالم إلّا وتأخذني إليْه أفكاري قبل النوم، فأدعو للأحمديين هناك قبل النوم وعند الإستيقاظ.” (خطبة جمعة:7.6.2014)
ثم يقول حضرته نصره الله: ” الخليفة له علاقةٌ شخصيّةٌ مع كلّ أحمديٍّ من كلّ قومٍ وعرقٍ في العالم كلّه، والأحمديون يكتبون إليه رسائل خاصةً يذكرون فيها قضاياهم الشخصيّة. فلو نظر أهل الدنيا إلى كمّية هذه الرسائل لما صدّقوا هذا الأمر. إنّها الخلافة التي تهتم بآلام كلّ أحمديٍّ حيثما كان في العالم. والخليفة يدعو لهم.” (خطبة جمعة:7.6.2014)
الآن دعوني أقدّم بين أيديكم بعضًا من مشاهد الحبّ تلك، هي مشاهدٌ تبدو صغيرةٌ، ولكنّها تحمل معانٍ عظيمةٍ:
1- قبل بضعة أعوامٍ، وحين شرّف حضرة أمير المؤمنين جماعتنا في غانا بزيارته، وفي ثاني أو ثالث أيام الجلسة السنويّة هناك، حدث أنّ سقط عمود إحدى الخيام جرّاء هبوب عاصفةٍ هوجاء، فأصيبت فتاةٌ صغيرةٌ إصاباتٍ بالغةٍ، ونقلت على إثرها إلى المستشفى على الفور، وكان حضرة أمير المؤمنين يسأل عنْ صحّتها بين الفينة والفينة. وفي اليوم التالي حظيتْ عائلتها بملاقاة حضرته نصره الله. فحملها والدها من المستشفى لأجل تلك الملاقاة خصّيصًا، وكان كامل رأسها ملفوفًا بالضّمادات. فسألها حضرته نصره الله بحنوّ الأب “كيف أنت يا ابنتي؟ لقد كنت أدعو لك طوال الليل.”
2- وفي غانا أيضًا، وفي ذات الجلسة السنويّة، وبينما كان حضرة الخليفة نصره الله يهمّ بدخول منزله بعد إقامة صلاتي المغرب والعشاء، وكان إحدى قدميه داخل المنزل إذ لمح بعض الأطفال الذين ينظرون إلى إمامهم المحبوب مطلّين من خلْف السور المحيط بالمنزل، فتوجّه حضرته من فوره إليهم عند السور ملاطفًا إيّاهم، وماسحًا بيده الشريفة رؤوسهم، كما أهداهم شيئًا من الحلْوى التي يحبّونها.
3- وذات مرّةٍ عندما كان حضرة أمير المؤمنين في زيارةٍ إلى كندا، مكث هناك حوالي ثلاثة أسابيع. كان منزل حضرته نصره الله يبعد عن المسجد خمس مائة أو ستّ مائة مترًا، وكان من عادة حضرته التوجّه إلى المسجد سائرًا على قدميه، والناس حافّين على جانبيّ الطريق ليسلّموا عليه ويحظوا برؤيته المباركة وليقرأوا بعض القصائد مظهرين بها إخلاصهم وحبّهم، وكان حضرته يسلّم عليهم ملوّحًا لهم بيده. وحدث أنّ تقلّبتْ أحوال الطقس فأمطرتْ السماء بغزارةٍ قبل عودته بيومين أو ثلاثة، وحان وقت الصلاة. فأعدّ الحراس سيارةً لتقلّ حضرته إلى المسجد. إلّا أنّ حضرته حين خرج من منزله أصرّ على التوجه إلى المسجد سيرًا على قدميه كعادته في الأحوال العادية، فمشى حضرته تلك المسافة حتّى أصاب المطر سرواله فبلّله تمامًا تمامًا. بعد العودة إلى لندن ذكر أحد المسؤلين هذه القصة أمامه مستفسرًا عن السبب قائلًا أنّ السيارة كانت جاهزةً فلماذا فضلّتم الذّهاب سيرًا على الأقدام؟! فأجاب حضرته: “عندما خرجْت من المنزل رأيت بعض الاحمديين ينتظرونني، فلمْ أر من اللائق أنْ أتجاهلهمْ وأهملهم وأذهب بالسيارة وهم ينتظرونني منذ وقتٍ طويلٍ“. ثمّ ذكر له الخليفة نصره الله أنّه تلقّى فيما بعد رسالة بيعةٍ منْ عجوزٍ تقْطن قريةً نائيةً في باكستان، قالت فيها: “إنّني امرأةٌ جاهلةٌ، ولكن لمّا رأيت على التلفاز مشهد الإمام يمشي تحت زخّات المطر جبرًا لخواطر بضعةٍ من أتباعه تأثّر قلبي كثيرًا، وأنا اليوم أبايع على يدك يا سيّدي”
4- عندما كان حضرته في أستراليا في جولته الطويلة التي امتدّتْ إلى الشهر. في تلك الأثناء كان حضرته متوجّهًا من مدينة سيدني إلى ميلبورن وعندما كان حضرته مستقلًا سيارته في منطقة المطار إذْ اصطدم أحد الحواجز بسطحها العلوي بقوّةٍ، لقد فزع جميع المرافقين وهبّوا للاطمئنان على حضرته وزوجته. فنزل حضرة أمير المؤمنين من السيارة وكان بفضل الله بخيرٍ ثمّ نظر الى السيارة وقال لا بأس فلنتابعْ سفرنا. بعد مرور أسبوعين من يوم تلك الواقعة، التقى أحد مرافقي حضرته بنائب صدر الخدام، فسأله قائلًا: “أين كنت يا رجل؟ لقد رأيتك تعمل وتخدم بجهدٍ في بداية زيارة حضرة أمير المؤمنين، ولكنْ ما لك أختفيت إلى أسبوعين؟” فقال نائب صدر الخدام: “في الحقيقة يا أخي، لقد كنت أنا المقصّر في ذلك اليوم عندما اصطدم الحاجز سيارة الخليفة، إذ أصدرت الإشارة إلى السائق ليتحرّك بالسيارة دون أن أنتبه إلى الحاجز. منذ ذلك اليوم وأنا أشعر بالأسف والندم على خطئي، حتّى أنّني لم أجرؤْ على ملاقاة حضرته حياءً وندمًا، فطلبت أنْ أخدم في منطقة وقوف السيارات بعيدًا عن طاقم الخليفة ومنزله، غير أنّ صدر مجلس الخدام أمرني أنْ أتي إلى هنا اليوم. وحين رآني حضرة أمير المؤمنين سألني بلطفٍ غامرٍ: “كيف أنت وأين كنت؟ لم أرك منذ اسبوعٍ او عشرة أيام؟” وعلى الرغم من علمه بأنّني المقصّر، لم يعاتبني أو حتّى يذكر الحادث أمامي، ممّا أشعرني براحةٍ غريبةٍ الآن“.
5- عندما سافر حضرته الى نايجيريا كان حضرته يتجول بين مراكز الجماعة من الصباح إلى المساء، بحيث كان الأمر مرْهقًا جدًّا. وذات صباحٍ لاحظ حضرته أنّ ليس هناك مبيتٌ مناسبٌ لسائقي السيارات، ممّا إضطرّهم إلى افتراش الأرض أو مقاعد السيارات. فأمر حضرته المبشر على نحوٍ عاجلٍ بتوفير مبيتٍ جيدٍ، ولكن لسببٍ ما تأخّر تنفيذ أوامر حضرته، ولمّا علم حضرته بهذا التأخّر غضب غضبًا شديدًا بحيث لم نكد نراه غضب هكذا من قبل، ونهر المبشر المسؤول لتوانيه في تنفيذ الأوامر. يقول الراوي: “بعد هذا الموقف ندم المبشر على فعله وحزن حزنًا شديدًا حتّى بدا أثر الحزن على وجهه. وفي المساء عندما خرج حضرته من منزله نادى ذلك المبشر وسأله بلطفٍ عن حاله وحال أسرته كما لو أنّه لمْ يحدثْ أيّ شيءٍ. وخلال ثوانٍ تبخّر كلّ تعبٍ وقلقٍ من ذلك المبشر واستحال همّه سعادةً لمجرد تلطّف حضرته معه.”
6- يذكر أحد المسؤولين ذات مرّةٍ أنّه كان يمشي برفقة زوجته على الرصيف قرب مسجد فضل في لندن. وفي اليوم التالي حظي بملاقاة أمير المؤمنين فقال له حضرته: “لقد رأيتك بالأمس تمشي مع زوجتك ولكنْ لماذا كنت تتقدّمها كالمشايخ الغير احمديين؟ عليك أنْ تمشي إمّا بجوارها أو خلفها بقدمٍ“… بالمناسبة، هكذا يفعل حضرته فهو إمّا يمشي بجوار زوجته أو خلفها على مسافة قدم.
7- ذات مرّةٍ كانت إمرأةٌ في الأربعين من عمرها قد غادرت مكتب أمير المؤمنين بعد ملاقاة حضرته للمرة الأولى. واتّفق أنْ التقتْ بالمسؤول بالمكتب الإعلامي في الجماعة، وكان مهتّمًا بكتابة اليوميات، فسألها عن انطباعها، فأجابت: إلتقيت بحضرته لأوّل مرّةٍ، وطوال المقابلة لم استطع أنْ أتكلم أيّ شيء، وكان عيناي تنظران إلى حضرته. فاقترح عليها المسؤول أن يكتب انطباعها في يومياته ويقدمه إلى حضرة أمير المؤمنين. أجابتْ تلك المرأة أنْ لو كان حضرته سيقْرأ انطباعي لا محالة، أرجوك أنْ تكتب إليه (نصره الله) بأمنيّةٍ، “إنّني امرأةٌ بسيطةٌ أقطن إحدى قرى باكستان النائية، والشيء الوحيد الذّي أتمناه وأدعو الله أن ينعم على أولادي بنعمة الحرص على الصلاة والتفقه في الدين.” وفي اليوم التالي، عندما ذهب المسؤول ليتسلّم ردود الخليفة (نصره الله) على تلك اليوميات قرأ ملاحظة حضرته على تلك الرسالة: “كلمات هذه المرأة أثّرتْ في قلبي كثيرًا، ولم أبرح أدعو طوال الّليل لها ولأولادها.” ثم قال: “تأكّدْ أنْ تصل رسالتي هذه إليها“.
8- وقصةٌ أخيرةٌ، أودّ أن ألقيها على مسامعكم الكريمة.. من عادة حضرة أمير المؤمنين مهاتفة عائلات الشهداء. وذات مرّةٍ علمتْ طفلةٌ صغيرةٌ بهذا الأمر، وكانت تحبّ حضرته كثيرًا، فقالت ببراءة الطفولة: أتمنّى أنْ يموت أبي فأحظى باتصالٍ من حضرة أمير المؤمنين. عندما بلغ قولها حضرة أمير المؤمنين قال مبتسمًا: “الخليفة لا يحتاج إلى وفاة أحدٍ من جماعته ليتحدث إلى أولاده” وأمر أنْ يتصلوا بهذه الطفلة ليتحدث إليها.
أيها القارئ الكريم، إذا كان هذا هو حال حبّ الخليفة لجماعته، أفلا ينبغي علينا أنْ نبادل حضرته الحبّ بالحبّ؟! لا سيما وأنّ ذلك الحبّ تنشأ عنه استجابة الله تعالى لدعاء الخليفة في حقنا ولأجلنا.
يقول الخليفة الرابع رحمه الله في بيان تلك الحقيقة:
“إنّ أولئك الذين يكتبون طلبًا للدعاء فقط، ولا تكنّ قلوبهم إخلاصًا تامًا للخليفة، فلنْ تستجاب الأدعية في حقّهم. ولا تستجاب الأدعية إلّا في حقّ من يطلبونه وهم في علاقة حبٍّ وإخلاصٍ قويّةٍ مع الخليفة. ويتعهدون بإطاعته أوامره.”
ولا معنى لأيّ حبٌ بغير طاعةٍ، وحبّنا لإمامنا يقتضي منّا طاعته. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الإمام جنّةً“، فما دمنا وراء هذٍه الجنّة فإنّنا نجتنب هجمات الشيطان.
ويقول المسيح الموعود ؏: “ينبغي أن تضعوا أنفسكم في يد الإمام كالميت بيد الغسال. فكما أنّ الميت لا يسعْه التحرك إلى هنا وهناك بل يحرّكه الغسال كيف يشاء، كذلك على المطيع الكامل أن يضع نفسه في يد الإمام. بعد تحقيقكم هذا المستوى تستطيعون الوفاء بعهود البيعة. ”
نحن الآن في شهر رمضان المبارك وبعد بضعة ايّام سوف نحتفل بمناسبة يوم الخلافة اي يوم قيام الخلافة على منهاج النبوة التي كان من المقدر لها أن تبقى إلى يوم القيامة. فلا بد من الدعاء في هذا الشهر الفضيل لحضرة الخليفة الخامس نصره الله نصرا عزيزا. وفّقنا الله لذلك… آمين…..اللهم أيّد إمامنا بروح القدس وبارك لنا في عمره وأمره.