لقد ذَكَرَ القرآن الكريم قصة التقام حوت كبير لنبي الله يونس عَلَيهِ السَلام، وأن هذا الأمر رغم صعوبته ولكنه لم يقتل نبي الله يونس ؑ الذي قضى الوقت مسبّحاً وداعياً الله تعالى أن ينقذه، فاستجاب الله تعالى له فأخرجه الحوت إلى اليابسة ورزقه تعالى قوتاً يعتاش عليه حتى يعود إلى حاله الأول ويستعيد قواه حيث وجد نبات اليقطين فاستخدمه كطعام. بعد أن استرد يونس ؑعافيته قرر العودة إلى نينوى حيث وجد لعظيم سروره أن الأخبار السارة التي كان ينشرها بين الناس قد آتت أُكلها فآمنوا بكلام نبي الله ؑفكانت نهاية سعيدة لقصة جهاد حقيقي ولجوء إلى الله تبارك وتعالى. جاء في القرآن الكريم:
﴿وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ۞ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ۞ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ ۞ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ ۞ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ۞ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ۞ فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ ۞ وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ ۞ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ۞ فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ ۞﴾
وتذكر التوراة هذه القصة كما يلي:
“وَأَمَّا الرَّبُّ فَأَعَدَّ حُوتًا عَظِيمًا لِيَبْتَلِعَ يُونَانَ. فَكَانَ يُونَانُ فِي جَوْفِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال.” (يونان 1:17)
“فَصَلَّى يُونَانُ إِلَى الرَّبِّ إِلهِهِ مِنْ جَوْفِ الْحُوتِ” (يونان 2:1)
فسمع الله تعالى تضرعاته ودعائه فنجّاه:
“وَأَمَرَ الرَّبُّ الْحُوتَ فَقَذَفَ يُونَانَ إِلَى الْبَرِّ.” (يونان 2:10)
الآن، بعض الملحدين أخذوا يتَّهمون القرآن الكريم والكتاب المقدس بأن قصة يونس ؑالمذكورة فيه لا تصحّ لكون مريء أكبر حوت في أيامنا هذه لا يتجاوز بضعة بوصات مما يقضي على أي أمل بالنجاة بالإضافة إلى الإختناق لعدم وجود أوكسجين في بطنه وكذلك إنتاج معدة الحوت لغاز الميثان القاتل!
نعم، مكث سيدنا يونس ؑبالفعل في بطن الحوت لبرهة من الوقت، وكانت معجزة إلهية. يقول المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام:
“والواضح أن يونس عَلَيهِ السَلام لم يمت في بطن الحوت، بل غايةُ ما حدث به في بطن الحوت هو الإغماء فقط. وإن كُتُبَ الله المقدّسة لتشهد على أن يونس ؑ قد ظل، بفضل الله ورحمته، حيّاً في بطن الحوت، وخرج منه حيّاً أيضا؛ وقد آمن به قومه في نهاية المطاف.” (المسيح الناصري في الهند)
ويقول عَلَيهِ السَلام:
“أما ما أشار إليه المسيح في آية يونس النبي، فقد أراد من ذلك أن النبي يونس لم يمت في بطن الحوت، بل بقي حيا وخرج من بطنه حيا، كذلك لن يموت هو أيضا على الصليب ولن يدخل القبر ميتا.” (إزالة الأوهام، ص 121)
أما قوله تعالى {لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ} فلا ينحصر معناه على يوم القيامة الكبرى بل يعني به يوم بعث أو إيمان أهل نينوى الذي تطلّب وقتاً حتى تم، فَلَو لم يكن عَلَيهِ السَلام بهذا القدر من التقوى واللجوء إلى الله تبارك وتعالى لظلّ يكابد في تلك الظلمات إلى أن يعود أهل نينوى إلى بارئهم بالتوبة، وقد لا يشاهد عَلَيهِ السَلام هذا اليوم الكبير.
أما الجواب على تلك الشبهة، من ناحية إيماننا فهو أن الله تعالى على كل شيء قدير ولا نقول إلا أن الله تعالى قادر على أن يفعل ما يشاء وكل شيء يخضع له تبارك وتعالى، ومن ناحية سنن الله تعالى (قوانينه الكونية) فهي باتفاق جميع العلماء من مختلف الاختصاصات أنها مِن الكثرة والتعقيد ما لا يمكن لأحد الإحاطة التامة بها، وهذه السنن التي لا نحيط بها ولا نعرف منها إلا القليل جداً منها ما هو كفيل بإبقاء يونس عَلَيهِ السَلام حياً في بطن الحوت، وما علينا إلا التسليم، خصوصاً وأن العِلم يصرّح بأن المُكتشَف من المخلوقات والأحياء البحرية إلى يومنا هذا لا يتجاوز الـ 5 بالمائة فقط!
لنأخذ مثالاً واحداً مما بين أيدينا ينطبق على ذلك، وليَكُنْ حُوت القرش العملاق أو الذي يسمى اصطلاحاً بالـ Megalodon الذي انقرض حسب قول العلماء قبل ملايين السنين وتم العثور على أحدث بقايا لهذا المخلوق الهائل كأسنان وفك ومفاصل مختلفة قبل 11 ألف سنة تقريبا !
لقد وردت كلمة الحوت في الكتاب المقدس النسخة اليونانية السبعينية كالتالي: megalo keetei وتعني الكبير، ولا يخفى أن هذه الكلمة تشابه جداً كلمة Megalodon ولعلها مشتقة منها ! كما أن وصف هذه السمكة megalo هو أن وجهها يختلف عن باقي السمك وهو أقرب للضبع أو الكلب، انظر هنا، الأمر الذي يدفعنا إلى الاعتقاد بأن المقصود هو بالفعل قرش الـ Megalodon العملاق!
الدافع الآخر هو أن حوت الـ Megalodon العملاق كان يتواجد في البحر الأبيض المتوسط. وهو ذات البحر الذي تعرّض فيه يونس ؑ لالتقام الحوت في الكتاب المقدس! انظر هنا، وكذلك هنا.
كذلك التسمية اليهودية هي يونا، بينما في المسيحية يونان، وجاءت في الإسلام يونس. ما يجدر ذكره هنا هو أن اسم يونان يتبع أحد البلاد الأوربية التي تقع على البحر المتوسط أيضا مما يؤكد موقع الحادثة، كما أن أصل التسمية يظهر أنها تتعلق بشخص مقدس عند أهل اليونان. كذلك يوجد بحر متاخم لليونان يطلق عليه يونيوس ! ولا تكاد هذه اللفظة تفرق عن [ يونس ] حيث السين في اليونانية هي علامة تلحق بالأسماء عادة، فيثبت أن الإسم الصحيح هو يونس.
وفي الرابط هنا حادثة حقيقية لقيام قرش أبيض بابتلاع أحد الغواصين المحترفين. وقد وصف الغواص بقاءه في منطقة تقع خلف فك القرش لأكثر من دقيقتين وصف المكان بأنه يشبه الكهف المظلم !
فإذا كان القرش الأبيض يستطيع ذلك وهو صغير جداً بالمقارنة مع الـ Megalodon العملاق، فكيف يعجز هذا العملاق عن ابتلاع إنسان صغير الحجم حتى بالمقارنة مع القرش الأبيض والديناصور!
أما التنفس في داخل هذا العملاق فيمكن فقط مع نوع القرش الذي ينتمي إليه الـ Megalodon حيث يتمتع صنف القرش بنظام تحكم بالأوكسجين وضَخّه للقلب والأوعية الدموية بل وإنتاج كريات دم تنقل الأوكسجين عبر الدم وتوزعه لباقي الجسم، وبهذا يصبح الداخل كله مشبع بالأوكسجين بشكل أو بآخر!
وهنا قصة صياد إسباني ابتلعه الحوت وبقي في بطنه لثلاثة أيام يدعو ويصلًي حتى أنجده الله تعالى وألقى به الحوت إلى اليابسة.
وسواء صحّت هذه القصة أم لا، فالأكيد أن ابتلاع قرش الـ Megalodon العملاق لإنسان وبقائه في بطنه لبعض الوقت هو أمر ممكن، ناهيك عن إمكانية وجود حيتان عملاقة قبل آلاف السنين ليس بالأمر الُمحال بل هو جائز خاصة وأن العلم الحديث يؤكد بأن جميع الاكتشافات البحرية ومخلوقات البحار والمحيطات إلى هذا اليوم لم تبلغ 5 بالمائة مما هو موجود في هذه المياه اللامتناهية الأعماق، أي أن الباقي غير المُكتشَف بَعْد من هذه المخلوقات هو 95% !
باختصار، إنَّ مثالاً بسيطاً فقط جعل المسألة متطابقة مع العلم دون أدنى مشكلة، فما بالك بالأمثلة التي لا نحيط بها ! لهذا من العبث الاعتراض على هذه الحادثة.
أما سرد هذه القصة في الأناجيل فكان تذكيراً من المسيح عَلَيهِ السَلام لليهود بأنه لن يقدم لهم آية كما طلبوا إلا آية نبي الله يونس أو يونان كما في الكتاب المقدس وأنه سوف يخرج من الأرض حياً كما دخلها حياً تماماً مثلما دخل يونس ؑبطن الحوت الذي هو مقبرة لا محالة لكل داخل إلا برحمة الله تعالى وخرج منها حياً كما يلي:
أولاً من إنجيل متى:
“جِيلٌ شِرِّيرٌ وَفَاسِقٌ يَطْلُبُ آيَةً، وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ النَّبِيِّ. لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال، هكَذَا يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي قَلْب الأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال.” (إِنْجِيلُ مَتَّى 12 : 39-40)
“جِيلٌ شِرِّيرٌ فَاسِقٌ يَلْتَمِسُ آيَةً، وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ النَّبِيِّ». ثُمَّ تَرَكَهُمْ وَمَضَى.” (إِنْجِيلُ مَتَّى 16 : 4)
ثانياً من إنجيل لوقا:
“ابْتَدَأَ يَقُولُ:«هذَا الْجِيلُ شِرِّيرٌ. يَطْلُبُ آيَةً، وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةُ يُونَانَ النَّبِيِّ. أَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ آيَةً لأَهْلِ نِينَوَى، كَذلِكَ يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ أَيْضًا لِهذَا الْجِيل» (إِنْجِيلُ لُوقَا 11 : 29-30)
لا يهم كم هي المدّة التي سيبقى فيها كل منهما ضمن هذه المعجزة، لأنه إن مكث ساعة أو يوماً كاملاً أو ثلاثة أيام فإن المعجزة قد تمّت وكذلك التشابه بين المعجزتين. فالتشابه الأساسي بين المعجزتين هو في دخول المسيح ؑبطن الأرض حياً كما دخل يونس حياً في بطن الحوت، ومكوث كل منهما هناك حياً بغضّ النظر عن المدة، ومن ثم خروجهما حيَّين من بطن الأرض وبطن الحوت. فالتشابه إذن هو في هذه النقطة فقط، أما المدة فليست بالقضية المصيرية. المهم في الأمر هو أن القول بموت المسيح على الصليب ينفي أي وجه شبه بين المعجزتين، فذاك دخل حياً وخرج حياً فيما دخل هذا حياً وخرج ميتاً، مما يجعل كلام المسيح عَلَيهِ السَلام مجرد عبث والعياذ بالله.
يقول المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام:
“ِليكن معلوماً أنَّ المسيحيـين يعتقدون بأن عيسى قد صُلب من جرّاء مكيدة دبّرها يهوذا الإسخريوطي، ثم عاد إلى الحياة، فصعد إلى السماء. ولكن إذا فحصنا الإنجيل تبيّن لنا جلياً بطلان عقيدتهم هذه. فقد ورد في إنجيل “متّى” الإصحاح 12 العدد 40: “كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال، هكَذَا يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي قَلْب الأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال.” والواضح أن يونس ؑ لم يمُت في بطن الحوت، بل غايةُ ما حدث به في بطن الحوت هو الإغماء فقط. وإن كُتب الله المقدسة لتشهد على أن يونس قد ظل، بفضل الله ورحمته، حياً في بطن الحوت، وخرج منه حياً أيضا؛ وقد آمن به قومه في نهاية المطاف. فإذا كان المسيح ؑ قد مات في بطن الحوت، فأين المماثلة بين الميت والحي؟ كلا، بل شتان بينهما ! الحق أن المسيح كان نبياً صادقاً، وكان على عِلم تام بأن الله الذي يحبه سوف ينقذه من الميتة الملعونة، فذكر هذا المثال كنبوءة، بناءً على وحي من الله، مشيراً إلى أنه لن يموت على الصليب، ولن تزهق روحه على الخشبة اللعينة، وإنما سيغمى عليه فقط مثلما أُغمي على النبي يونس عليهما السلام. كما أن المسيح قد أشار بضرب هذا المثال أيضا إلى أنه سيخرج من بطن الأرض فيجتمع بقومه، وينال بينهم الإكرام كما أُكرم يونس بين قومه. وهذا النبأ أي ضا قد تحقق، لأن المسيح قد رحل، بعد خروجه من بطن الأرض، إلى قبائل قومه التي كانت مقيمة في البلاد الشرقية مثل كشمير وتِبت وغيرهما.. أعني إلى القبائل العشر من بني إسرائيل التي أسرها “شلمناصر” الملِك الآشوري وأخذها من السامرة قبل المسيح بـ 721 عاما، والتي هاجرت في نهاية المطاف إلى الهند، وأقامت في مناطقها المختلفة.” (المسيح الناصري في الهند)
إذن ومن جميع النواحي فإن هذه القصة ثابتة وليس فيها تناقض مع العلم بل تنطبق مع أبسط مثال والأمثلة لا حصر لها. فمِن نبع المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام ننهل وَعَلَى دربه نسير ونعمل.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ