السؤال: ما مغزى الآية فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي؟
ما مغزى كلام سيدنا إبراهيم عندما رأى القمر والشمس وقال هذا ربي؟ هل هذا قبل بعثته هل كان يناقش قومه أم هل كان يبحث عن الهداية على الفطرة
الجواب: إبراهيم عليه السلام كان حنيفا ولم يعبد الأصنام بحياته
يقول تعالى:
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً ۖ إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} الأنعام
فهل كان ابراهيم عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام بحسب الآيات السابقة مشركا وَلَوْ لبرهة؟
يقول الحق تبارك وتعالى جوابا على سؤالنا:
{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ ۚ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} النحل
وهو عين ما قاله ابراهيم عَلَيهِ السَلام في نهاية آيات سورة الأنعام بعد احتجاجه على قومه بعبادتهم الشمس والقمر (وما أنا من المشركين) مما ينسف التفسير التقليدي الذي يتهم ابراهيم بالشرك قبل النبوة. فقد كان ذلك على سبيل المحاججة فقط.
إبراهيم عليه السلام اعتزل الناس ولم يشرك بعبادة ربه أبدا
في رحلته للبحث والغوص في الجمال الإلهي كان ابراهيم عَلَيهِ السَلام قد اعتزل ما يعبد الناس نهائيا ولم يشرك بعبادة ربه شمسا ولا قمرا بل كان بشهادة الله جلّ جلاله من الشاكرين لأنعمه أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا أي إماماً ومعلّماً، يقول عبد اللّه بن مسعود ؓ : “الأمة معلّم الخير، والقانت المطيع للّه ورسوله. وقال ابن عمر ؓ : الأمة الذي يعلّم الناس دينهم. وقال مجاهد {أُمَّةً} أي أمة وحده، والقانت: المطيع. وعنه كان مؤمناً وحده والناس كلهم إذ ذاك كفار، وقال قتادة: كان إمام هدى، والقانت: المطيع للّه..” أهـ
ولقد اجتباه الله تعالى بالنبوة أي اصطفاه من بين عباد الله جميعا ليتشرف بحمل رسالة التوحيد. يقول تعالى:
{وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ۚ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} البقرة
إبراهيم عليه السلام حاجج قومه بآية فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي
أما السبب في قوله عَلَيهِ السَلام حول الشمس والقمر فلأن قومه كانوا يعبدون الشمس والقمر والنجوم (انظر الموسوعة اليهودية) فكان عَلَيهِ السَلام يريهم عقم تفكيرهم وأن هذه مخلوقات تظهر وتأفل وما يأفل ويصغر بعضه بعضاً فلا يستحق العبادة وأن لا معبود إلا الواحد الأحد الأكبر الحيّ الذي لا يموت. فسيدنا إبراهيم عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام لم يعبد هذه الأجرام والعياذ بالله بل كان يجادل قومه بأسلوب المعلّم ليروا تفاهة عبادة غير الحق تبارك وتعالى. والدليل على ذلك شهادة القُرآن الكَرِيم على أن إبراهيم ؑ لم يعبد في حياته إلا الله تعالى وحده. والدليل الآخر أن الآيات التي سبقت هاتين الآيتين وما قبلها {فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ . فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} كانت الآيات السابقة لها تؤكد أن إبراهيم عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام مدرك موقن بتوحيد الله تعالى، فكيف بعد ذلك أصبح يتخبط في الظلام بين عبادة الشمس والقمر والأجرام بحثاً عن الله؟ ثالثاً، من السخف أن نقول أن إبراهيم ؑ رأى النجم في الليل فأعجب به وعبده وكأنه لأول مرة يرى نجمة، إذ إن إبراهيم ؑ هو بالأصل من قوم يعبدون النجوم فلا بد أنه رأى النجوم مراراً ولم تكن تلك أول مرة يرى فيها نجمة ما. لو كان حقاً قد عبد النجم لما كان ثمة داعٍ لذكر القصة كلها لأنه سيكون قد أخذ هذه العقيدة من قومه وآبائه وليس هو الذي اكتشف النجم وعبَده وكأنها فكرة جديدة ! رابعاً، حين رأى إبراهيمؑ النجم يأفل قال (لا أحب الْآفِلِينَ) أي أنه عدلَ عن عبادة النجم لأنه رَآه يأفل، فهل كانت هذه أول مرة رأى وعرف فيها إبراهيم أن النجمة تأفل؟ ألم يكن يعلم بأن النجوم تظهر في الليل ثم تأفل مراراً من قبل؟ فلا بد أنها كانت محاججة عظيمة لقومه مخبراً إياهم حين كان النجم قد ظهر بكامل بريقه؛ لنسلّم بأن هذا هو ربّنا! ثم بعد أن أَفلَ قال لهم؛ أرأيتم كيف أَفَلَ؟ فلستُ أحب الْآفِلِينَ! أي لا يحب عاقلٌ عبادة إله يأفل ويفقد بريقه. كما أن إبراهيم عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام لم يستخدم كلمة (أكبر) إلا للشمس لأنه دليل على المقارنة بين أحجام النجم والقمر والشمس من حيث ما يبدو عَلَيهِ كل منها. خامساً، لو كان إبراهيم عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام في رحلة البحث عن الإله بالفعل قد عبد آلهة النجم والقمر والشمس لكان من الطبيعي والبديهي أن ينتهى بعد أن رأى جميع تلك الآلة تأفل أن ينتهى إلى عدم وجود إِلَه وليس العكس، بينما نراه قال لهم بعد أفول تلك الآلهة المزعومة {قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ . إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} لذلك وبلا أدنى شك ووفق كل المعطيات وشهادة القُرآن الكَرِيم كان ابراهيم عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام عابداً موحداً لله تبارك وتعالى. وبعد أن تختتم القصة مباشرة يقول تعالى {وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ ۚ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ ۚ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا ۗ وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ۗ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ}. إذن لم يكن قول سيدنا إبراهيم عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام حول النجم والشمس والقمر إلا محاججةً بينه وبين قومه الذين كانوا يعبدون النجوم والأجرام، ولكن محاججة إبراهيم عَلَيهِ السَلام لهم كانت أرقى وأكثر فائدة دون تبادل التهم وإلقاء اللوم مباشرةً عليهم بل مسايرتهم في معتقدهم والتنزل على سبيل الجدال فقط لإيصالهم إلى النتيجة العقلية البديهية وهي التي نادى بها سيدنا إبراهيم عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام قومه منذ البداية؛ أن اعبدوا الله تعالى ربي وربكم جميعاً وحده لا إله غيره.
للمزيد حول قصة سيدنا إبراهيم
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
انا اعتقد انا سيدنا إبراهيم عليه السلام قد أسري به ليلا مثل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم و الله أعلم