ما أروع تفسير المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام للهدف الذي صنع من أجله سليمان عَلَيهِ السَلام صرحاً ممرداً من قوارير لتسير عليه ملكة سبأ التي كانت من عَبَدَة الشمس أي من الذين لا يؤمنون إلا بما تراه أعينهم كما يقول الملاحدة الوجوديون اليوم، فصنع عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام ممراً من الزجاج المصقول ذي الشفافية العالية بحيث لا يكاد يُرى ما يوجد تحته حيث تجري المياه بقوة وسرعة فيظن من يمشي فوق الممر بأنه يمشي فعلاً على الماء فيخشى البلل ولا يدرك وجود الممر الزجاجي لشفافيته الفائقة. وَالْحِكْمَةَ من هذا كله هي أن يرى الملحد أو من يعبد ما تراه عيناه فقط بأن ليس كل ما لا يراه لا وجود له، فإذا كان الزجاج المادي غائباً عن البصر فكيف بالخالق الذي هو فوق إدراك البصر ! وهكذا يرى الإنسان قوة الماء ويحسبها تسير من ذاتها ولا يتدبر في حركة النجوم والأجرام السماوية كيف تجري دون مسبب وعلة للعلل جميعا ! وهذا كان درس سيدنا سليمان عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام في توحيد الله تعالى بحكمة لا نظير لها. وقد شرح المُصْلِحُ المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ هذا بكل روعة في التفسير الكبير لسورة النمل، وننصح القاريء بالعودة إليه وعدم تفويت هذه الفرصة المهمة. وقد بنى المُصْلِحُ المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كما قال مراراً تفسيره على تعليم المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام وخليفته الأول نور الدين رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، ولنأخذ من كلام المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام مقتطفاً حيث يقول:
“وما أروَعَ المثالَ الذي ضربه الله تعالى في القرآن المجيد لتوضيح هذا الأمر! حيث شبه هذا العالم بصرح مُهدت أرضيته بزجاج شفاف للغاية، تجري من تحتها المياه بقوة. فمَن نظر إلى هذا الفناء الزجاجي المصقول حَسِبَه ماءً وخشي أن يمشي عليه كما يخشى المشي على الماء، مع أنه في الواقع زجاج شفاف. فكذلك الأجرام الجسام التي نراها، فهي بمنزلة ألواح زجاجية شفافة عَبدها الناس خطأً.. وهناك وراء سِتر هذا الزجاج قدرة عليا تعمل بكل قوة وسرعة كالماء الدافق، ولكن خداع البصر هو الذي ضلل عَبَدَة المخلوق؛ حيث عَزَوا إلى الزجاج ما تديره تلك القدرة من أفعال. وهذا هو المعنى الذي تشير إليه الآية ﴿إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ﴾ (النمل٤٥).” (فلسفة تعاليم الإسلام ص ٨٠)
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ