يطرح بعض القساوسة تحدياً للمسلمين بأن معجزات ربهم يسوع خارقة لا يمكن لنبي ولا لأحد غيره عملها. وللرد على ذلك سنأخذ النص التالي ثم نبدأ برد النصارى عَلَيهِ وبعدها نضع الرد على ردهم.
يقول يسوع للتلاميذ في الكتاب المقدس:
“اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَالأَعْمَالُ الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا يَعْمَلُهَا هُوَ أَيْضاً، وَيَعْمَلُ أَعْظَمَ مِنْهَا، لأَنِّي مَاضٍ إِلَى أَبِي.” (يوحنا 14: 12)
إذن بحسب يسوع في الإنجيل فكل معجزاته التي كان يصنعها -وكان لا زال حياً وهو يُصِّرح بهذا أي يمكنه صنع المزيد- يمكن لأي تلميذ من تلاميذه إذا هو آمنَ بالمسيح عَلَيهِ السَلام يمكن لهذا التلميذ أن يصنع مثل معجزات المسيح بل وأعظم منها! والسؤال هنا: أي إلٰهٍ هذا الذي يمكن للبشر عمل معجزات أعظم منه؟
رد النصارى هو أن يسوع لم يقصد بـ (أَعْظَمَ مِنْهَا) النوع بل الكم، أي عدد المعجزات التي قام بها عندما ظهر في الجسد، وهذه المدة لا تتجاوز ثلاث سنوات بينما التلاميذ باقون إلى نهاية الدنيا ويمكنهم عمل معجزات مماثلة بقوة المسيح وهي بطبيعة الحال تفوق معجزاته عدداً لأنها ليست لثلاث سنوات فقط بل لعلها لآلاف السنين، خصوصاً وأن المسيح يقول في موضع آخر بأن معجزاته من حيث النوع وليس الكم لا نظير لها ولا يمكن لغيره أن يعمل مثلها حيث يقول: “لَوْ لَمْ أَكُنْ قَدْ عَمِلْتُ بَيْنَهُمْ أَعْمَالاً لَمْ يَعْمَلْهَا أَحَدٌ غَيْرِي، لَمْ تَكُنْ لَهُمْ خَطِيَّةٌ، وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ رَأَوْا وَأَبْغَضُونِي أَنَا وَأَبِي.” (انجيل يوحنا 15: 24)، فلا يمكن والحال هذه فهْم النص الأول إلا بأنه يشير إلى الكمّ لا النوع، وهذا هو معنى كلام يسوع المسيح.
للرد على هذا الرد نقول: أولاً، النص من يوحنا لم يقل (لا/لَنْ يَعْمَلْهَا أَحَدٌ غَيْرِي) بصيغة الحاضر أو المستقبل بل قال (لَمْ يَعْمَلْهَا أَحَدٌ غَيْرِي) بصيغة الماضي فقط، فمن العبث الاستشهاد بهذا العدد لأنه لا يخدم الرد بل يسمح بدحض الرد بسهولة، وفوق ذلك لم يحدّد يسوع معنى (وَيَعْمَلُ أَعْظَمَ مِنْهَا) بأن المقصود منه الكمّ أو العدد فقط، بل هو نصٌّ عامٌّ يفهمه كل قاريء بكل بساطة؛ أن كل أعمال المسيح يمكن لمن يؤمن به أن يقوم بمثلها بل وأعظم منها، فمن أين جاء التحديد بأنه الكمّ فقط؟ ثانياً، لَمْ يقل يسوع أن التلاميذ يمكنهم القيام بهذه المعجزات إلى الأبد لكي يصح هذا التفسير بل قالها يسوع بصيغة المفرد؛ أي أن كل شخص يؤمن بيسوع سيمكنه (بمفرده) عمل معجزات مثل معجزات يسوع بل ويمكنه أن يعمل أعظم منها.
والآن لنضع كلمة (عدد) في النص لكي نرى إذا كان هذا التفسير النصراني متناسقاً أم لا:
“اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَـ (عَدَد) الأَعْمَالُ الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا يَعْمَلُهَا (أي بعددها) هُوَ أَيْضاً، وَيَعْمَلُ أَعْظَمَ مِنْهَا عدداً.“.
فإذا لم يكن لنوع العمل أي أهمية بل العدد والكمّ فقط، فما قيمة العمل؟ بل ما قيمة العدد نفسه؟ هل يعجز أي أحد بعمل سلسلة طويلة من الأشياء العشوائية أكثر عدداً من معجزات نبي من الأنبياء؟ هل يهمنا حينها العدد أم النوع؟ لنفترض أن شخصاً آمن بيسوع ولكنه لم يعش طويلاً، فهل سيمكنه بحسب كلام يسوع أن يصنع معجزات أكثر عدداً؟ إذا كان الجواب كلا، فلماذا نسي يسوع أن يقول (ويعش طويلاً)؟ ففوق أن كلام يسوع لا ينطبق على الشباب فهو بنفس الوقت يطعن بعمل الأنبياء، حيث ما يهم هو عدد الأعمال وليس قيمتها!
لهذا لا يمكن أن تعني (مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَالأَعْمَالُ الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا يَعْمَلُهَا هُوَ أَيْضاً، وَيَعْمَلُ أَعْظَمَ مِنْهَا) لا يمكن أن تعني عدد المعجزات ولا يستقيم المعنى إلا إذا كان المعجزات نفسهاً نوعاً لا كمّاً وإلا فلا معنى لكلام يسوع على الإطلاق. ولكن إذا كان المعنى هو النوع فعندها يصبح كلام يسوع بالغ الأهمية والقيمة، فلا يستطيع إلا المؤمن الحقيقي أن يقتفي أثر النبي ويقوم بمعجزاته لأن المعجزة الحقيقية هي التي تستمر ويشهدها الجميع كما أن القُرآن الكَرِيم معجزة باقية تشهدها الأجيال المتعاقبة.
الخلاصة، عندما قال المسيح ؑ “فَالأَعْمَالُ الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا يَعْمَلُهَا هُوَ أَيْضاً، وَيَعْمَلُ أَعْظَمَ مِنْهَا” ويقصد “مَنْ يُؤْمِنُ بِي” فلا يمكن بحال أن نعدّل الجملة الإنجيلية ونضيف لها من أفهامنا لتصبح “فَكمّ الأَعْمَالُ الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا يَعْمَلُ بعددها المؤمن بي أَيْضاً، وَيَعْمَلُ أَعْظَمَ مِنْهَا عددا”. محاولة غير ناجحة من فرق التنصير، ولا يصح إلا الصحيح، وهو أن عمل النبي يستمر من خلال المؤمنين به من بعده. وبالتالي وحسب النص من يوحنا، فإن معجزات المسيح ليست خارقة للعادة والسنن ولا يمكن لأحد غيره القيام بها، بل يمكن لكل من يؤمن بصدق عيسى ؑ وكل نبي أن يأتي بمثلها وأعظم منها. فليكف القساوسة عن تحدي المسلمين فمعجزات إلههم وبلسانه في مقدور الجميع بل يمكن للناس الإتيان بأعظم منها كمّاً وكيفا.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ