إذا وُجِدَتْ في يوم ما جثة نبي أو صحابي أو صالح قد تحللت، فهذا لا يعني على الإطلاق بأنه لَمْ يكن نبياً ولا صحابياً ولا من الصالحين، ذلك لأن هذه هي سُنَّة الله تعالى في خلقه، أن يموت الجسد فيتحلل وتستفيد منه الأرض ومخلوقاتها. فالمهم أن هذه الأمور تحدث أحياناً لحِكم الهية وليس لكرامة نبي أو ولي. سُنَّة الله تعالى أن يتحلل الجسد لتأكله الديدان وتحيا به الأرض. ولو كانت جثث الاولياء والنبيين والصلحاء منذ فجر التاريخ لا تتحلل فلن نستطيع المشي أو الحفر إلا وعثرنا على جثة من هذه الجثث التي لم تتحلل، وهذا لم يحدث قَطّ! بل إن الجثمان الشريف لسيدنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم حين تاخر دفنه أسرع الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم بعدها في دفنه كي لا يتحلل أو يتأذى بما لا يليق بجسد النبي الأطهر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم. فَلَو كان الصحابة يعلمون بأن الجسد الشريف لن يتحلل وسيبقى كما هو لتركوا جثمان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لبضعة أشهر على الأقل لكي يراها الجميع ويؤمن المشركون بلا أدنى قدرة على الإنكار.
أما حديث أن الأرض حُرّم عليها أكل أجساد الأنبياء فليسَ بالقوي، ولكن معناه لا مشكلة فيه، لأن الأرض بالتأكيد لا تنطبق على أجساد الأنبياء بعد الموت كما تفعل مع المجرمين حسب الحديث المعروف حول عذاب القبر وكيف تنطبق الأرض على جسد الميت فتختلف عظامه وتسمع طقطقاتها … الخ. فحتى هذا الحديث لا يمكن فهمه بالمعنى المادي لأن الكثير من المجرمين يموتون غرقاً أو يذوبون فلا تنطبق عليهم الأرض بالمعنى المادي، فلا أجساد لهم. لذلك يجب فهم الأحاديث بما لا يضرب الكتاب والسنة.
كذلك يوجد في كتب التاريخ ومنها الكتاب المقدس أن سيدنا يوسف واليسع وغيرهم عليهم السَلام قد تحللت أجسادهم وبقي منها العظام فقط. (انظر: سفر اَلْخُرُوجُ 13: 19. يَشُوع 24: 32). فإذا صحَّ هذا، هل يطعن بالأنبياء؟ بالطبع لا! لأن هذه هي السُنَّة الإلهية للبشر وللخلق كافة والأنبياء بشر مخلوق.
المهم أن تحلل الأجساد أو عدم تحللها ليس دليل كرامة أو عدم كرامة الميت لأنها سنة الحياة، وكل ما يبدو نادر الحدوث فإن ورائه حكمة إلهية، ومثال ذلك بقاء جسد فرعون الذي غرق وهو يلاحق موسى ؑ حيث بقي جسد فرعون هذا محفوظاً إلى يومنا هذا لحكمة ذكرها القُرآن الكَرِيم وهي: ﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ۚ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ﴾، أي أن بقاء جسد فرعون دون تحلل حتى تقوم الساعة ليس بسبب كرامته وتقواه بل لكي يكون عبرة للآخرين فقط.
الخلاصة، اذا فرضنا صحة الحديث الذي يتسم بالضعف، فهو لا يقول بأن أجساد الأنبياء والأولياء لا تتحلل بعد الموت، بل يمكن فهمه كما يدل ظاهره على أن الأرض لا تبتلع أو تنخسف بجسد نبي أو ولي كما يحدث أحياناً وكذلك المعنى الروحي أي العذاب وانطباق القبر على أجساد النبيين عليهم الصلوات أجمعين. والله تعالى أعلم
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ