لماذا يمهّد المعترضون إلى الإلحاد؟
شبهة أحفاد إمام الدين نموذجا
بعد المقدمة التالية سننقل للقرّاء الأعزاء رد الأستاذ المحترم تميم أبو دقة حفظه الله الدامغ على الشبهة التي نحن بصددها إنْ شاءَ الله تعالى.
المقدمة
لنأخذ مثالاً توضيحياً وهو عبارة عن نبذة سريعة حول “عمرو بن هشام بن المغيرة” الملقب بـ”أبي جهل” كما يلي:
- لُقِّبَ بـ”أبي الحَكَم” في شبابه لكونه أصبح من أهل القرار في “دار الندوة” الخاصة بكبار قريش، ولكن بعد ظهور الإسلام أصبحت قراراته متسرعة وفاشلة فأطلقَ عليه عمُّه “الوليد بن المغيرة” -الذي هو الآخر والد الصحابي الجليل خالد بن الوليد ؓ- أطلقَ عَلَيهِ لقب “أبي جهل” بسبب كثرة غضبه وعصبيته وعدائه فوق الاعتيادي ضد المسلمين، وقيل أن المسلمين أطلقوا عَلَيهِ ذات اللقب.
- كان متعطشاً لسفك دم النبي ﷺ لدرجة أنه قدَّمَ مكافأةً كبيرةً لجميع فرسان قريش أن يأتوه برأس النبي ﷺ.
- هو المُخطِّط والمدبّر لحملة قريش لقتل النبي ﷺ بيد رجل من كل قبيلة في حادثة نوم سيدنا علي ؓ في فراش سيدنا رسول الله ﷺ.
- هو الذي توعّدَ النبيَّ ﷺ بأنه سيدوس على رأسه ﷺ أذا تجرّأ ﷺ وصَلَّى في الكعبة، وقد ترقّبه ذات يوم حتى لمحه يستعد للصلاة عند الكعبة فحملَ حجراً كبيراً واتجه نحو النبي ﷺ وهو ساجد يصلّي يريد قتله بواسطة شج رأسه الشريف ﷺ بالحجر الكبير، ولكن الله تعالى نجّاه بمعجزة.
- هو الذي قتلَ أول شهيدة في الإسلام سيدتنا سُمَيَّة ؓ والدة الصحابي عمار بن ياسر ؓ حين طعنها بحربة في قُبُلها وذلك بعد أن قام بتعذيبها طوال اليوم تحت لهيب الشمس بأبشع ما يمكن تخيله.
- يقول المفسرون بأن قولَيه تَعَالَى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى} و{أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ} نزلا في أبي جهل.
- كان أبو جهل أشد أعداء المسلمين عداوةً وأذى أثناء حصارهم في الشعب فكان يمنع كل من يحاول إرسال الطعام والشراب للمسلمين المحاصرين وأولادهم فيعترض طريقه ويهدده بسيفه.
- هو الذي أسماه النبيُ ﷺ: فرعون هذه الأمة.
يتضح مما سبق أن أبا جهلٍ هو أسوأ أعداء الله تعالى ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم على الإطلاق ولا يمكن مقارنته بأحد من الأشرار والمنحطّين عبر التاريخ. فما هي النقطة هنا؟ ولماذا اخترنا أبا جهلٍ كمثال على تمهيد المعترضين للإلحاد؟ والجواب هو أن أبا جهلٍ هذا الذي هو الأسوأ والأرذل بين أعداء النبي ﷺ المباشرين وإلى يوم القيامة هو والد الصحابي الجليل سيدنا عكرمة بن أبي جهل رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وأرْضاه الذي ذبّ عن النبي ﷺ واستشهد في سبيل الله تعالى وكان من السابقين الذين ذكرهم الله تعالى بالإكرام والحياة الأبدية في القرآن العظيم.
على قياس المعترضين فإن مجرد كون أبي جهل والداً للصحابي الكريم عكرمة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يُعَدُّ عاراً يلاحق الصحابي عكرمة ؓ إلى الأبد ويلطّخ سمعته ويسوِّد نسبه !! فهل هذا صحيح؟ باتفاق الأمة فإن هذا هو الإلحادٌ بعينه، لأن الله تعالى يقول ﴿وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ﴾، فلا يشنِّع الوالدان الكافران مهما اشتد كفرهما بل وأذيتهما للنبي ﷺ ومحاربة الدين وقتل المسلمين لا يشنِّع ذلك على ولدهما المؤمن، ولا يقول بخلاف ذلك إلا الملحدين.
وقد أبى المعترضون إلا السير على نهج الملحدين حينما أخذوا يملأون الدنيا ضجيجاً كالتالي:
“لقد وصفَ مؤسسُ الأحمدية زوجة قريبه الملحد إمام الدين غير الشرعية بأنها عاهرة، ونحن نعلم أن هذه الاسرة دخلت الأحمدية فيما بعد وأصبح لها أولاد صاهروا خلفاء المؤسس، وهكذا فلا بد أن كل هؤلاء الذين وُلِدُوا من هذه الأسرة وناسبوا الخلفاء لا بد أن عار جدّهم سيبقى يلاحقهم إلى الأبد لأنه رجل فاسق زانٍ لأنه مرتبط بزوجة عاهرة كما وصفها المؤسس حتى وإن لم يكن لها علاقة بالأسرة والأولاد ولكن مجرد كونها تعيش في بيت الملحد إمام الدين وهو فرح بوجودها يعني أن كل هؤلاء الذين صاهروا خلفاء الأحمدية ما هم إلا أولاد هذا الزاني، ويكفي هذا لتلطيخ سمعة الأحمدية بلا رجعة.”
والرد على ذلك كما أسلفنا هو أن كفر الأب أو الجد وسلوكه لا يسيء إلى أولاده المؤمنين والعكس صحيح أيضاً، ويمكن ضرب أمثلة عديدة أخرى من سير النبيين أنفسهم عليهم السَلام وكذلك قصة سيدنا الصحابي خالد بن الوليد ؓ الذي هو ابن الوليد بن المغيرة أحد صناديد الكفر وأعداء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، وكذلك سيدنا الصحابي عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول ؓ الذي كان أبوه رأس المنافقين، وكذلك سيدنا الصحابي عمرو بن العاص ؓ الذي كان والده العاصي بن وائل السهمي من رؤوس الكفر، وكذلك سيدنا الصحابي أبو عبيدة بن الجرّاح ؓ الذي كان والده الجرّاح من كبراء الكفر. وَعَلَى فكرة فقََدْ صمتَ المعترضون على حبكتهم السابقة نسب أحفاد إمام الدين إلى العشيقة التي وُصفت في الأردية بـ “كانجي” أي “السيئة” تمييزاً عن الزوجة الأخرى الشرعية لإمام الدين وذلك بعد أن تبيّن لهم بأن الأحفاد ليسوا منها بل من الزوجة الأخرى لإمام الدين وهي الزوجة الشرعية المحترمة، فلم يعد المعترضون يثيرون هذه القصة إلا بعض السفهاء من المعترضين الجدد الذين يتلقفون كل نطيحة ومتردية من الاعتراضات القديمة التي تجاوزها المعترضون القدماء أو أكابرهم أنفسهم.
الخلاصة هي أن هذه الشبهة أصبحت ساقطة لم يعد المعترضون أنفسهم يثيرونها لأنها لا تفيدهم بشيء فالأولاد والأحفاد ليسوا من العشيقة بل من الزوجة الشرعية، وبذلك لا توجد إساءة على الإطلاق لأحفاد إمام الدين الذي كان بلا شك ملحداً وفاسقاً، لأن الإسلام هو الذي يقول ذلك وليس لأنه رأي فلان وعلاّن، وطالما أصبحوا وذرياتهم مؤمنين متّقين لا يسيرون على نهج جدهم الملحد بل على نهج المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام فالله تعالى يقول لهم: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (المجادلة)
فهكذا يُمهّد المعترضون بشبهتهم السخيفة هذه إلى الإلحاد ومخالفة الإسلام.
والآن ننقل لكم الرد التفصيلي على هذه الشبهة وهى بقلم الأستاذ تميم أبو دقة المحترم.
رد الأستاذ تميم أبو دقة المحترم:
“استند المرتد السفيه إلى أحد الباكستانيين من المعارضين الذين ورطوه كما هي عادتهم، ليدعي أن المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام قد قال عن زوجة إمام الدين الشرعية التي هي من العائلة -التي أنجبت بنتا تزوجها ابن حضرته وأنجبت أبناء صاهروا الخلفاء– بأنها عاهرة، وأنه شتمها ووصفها بهذا الوصف بغضا ونكايةً، وأن الجماعة قد شطبت الرؤيا التي ورد فيها ذلك.
أما المسألة فهي كالتالي:
- كان إمام الدين ملحدا وفاسدا وشريرا، وكانت له زوجة شرعية، وهي التي انجبت ابنة اسمها خورشيد صاحبة تزوّج بها مرزا سلطان أحمد وأنجبت مرزا رشيد أحمد الذي هو صهر الخليفة الرابع. وكان له أيضا عشيقة يؤيها دون زواج وكانت امرأة فاسدة جدا، وهي المعنية والمقصودة وليست الزوجة الشرعية.
- لا تعني كلمة “كانجي” العاهرة التي تمتهن الدعارة حصرا، بل تعني الفاسدة والشريرة والسيئة. والمعنى هنا الذي يلائم السياق هو الزوجة غير الشرعية أو العشيقة.
- كان لا بد أن يصفها المسيح الموعود عليه الصلاة بهذا الوصف تمييزا لها عن الزوجة العفيفة التي اختلط نسلها بنسله لاحقا. فلو قال إنها زوجة إمام الدين دون تعريف لانصرف الذهن إلى الأولى.
- هذه الرؤيا تم إثباتها في التذكرة عند العثور عليها، وكان ذلك في الطبعة الثالثة عام 1969 -ولم تكن في الطبعة الأولى والثانية- وفي هذا العام كان مرزا عزيز أحمد الذي هو ابن مرزا سلطان أحمد الناظر الأعلى، وكان أخوه مرزا رشيد أحمد الذي هو من نسل إمام الدين من الزوجة العفيفة معتبرا في الجماعة وموجودا أيضا. فلو كان في نية الجماعة إخفاء الأمر لما تم وضعه أصلا في تلك النسخة، لأن ذلك كان الوقت الأنسب لإخفاء هذا الأمر.
- لسبب ما سقط هذا الوحي من الطبعة الرابعة، والجماعة هي التي اكتشفت هذا الأمر ورفعته للخليفة الحالي نصره الله، فأمر أن يعاد إلى التذكرة. فالمسألة لم يكتشفها أحد من خارج الجماعة، بل يبدو أن ذلك الباكستاني الذي نقلها قد علم بها بصورة ما بسبب أنها كانت قضية مثارة داخل المكاتب ومعروفة، وأراد إظهار الأمر كأنه اكتشاف وحذف. وسنطلعكم على مزيد من تفاصيل سبب الحذف، الذي لم يكن بأمر أي من الخلفاء قطعا، والذي لا مصلحة للجماعة فيه من قريب أو بعيد.
الواقع أن هذه الرؤيا (أي رؤيا سقوط الزوجة الفاسدة لإمام الدين) إنما هي تابعة لوحي “ينقطع من آبائك ويُبدأ منك” بصورة إعجازية، بل إن توقيت العثور عليها وإثباتها أيضا كان إعجازيا وآية بحد ذاته.
فالله تعالى بشَّرَ المسيحَ الموعودَ عليه الصلاة والسلام بأن نسل أقاربه سيفنى إلا من ارتبط به واختلط بنسبه وأصبح من جماعته، وهذا ما تحقق بكل جلاء، إذ لا تجد أحدا من الأسرة كلها اليوم ليس من الجماعة بفضل الله.
عُثر على هذه الرؤيا في أواخر الستينات من القرن الماضي، وكان وقت العثور عليها هو الوقت الذي كان فيه أحد أحفاد إمام الدين من ناحية الأم وحفيد المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام من مرزا سلطان أحمد مسئولا كبيرا في الجماعة وأخوه مرزا عزيز أحمد كان الناظر الأعلى. وهذا يعني أن الرؤيا تحققت وسقطت الزوجة الفاسدة وسقط أيضا وزال نسل إمام الدين الفاسد ولم يبق له أثر. فأُثبتت هذه الرؤيا في التذكرة في الطبعة الثالثة من قبِل هذا الحفيد وأخيه ولا شك أنهم سروا بها سرورا عظيما.
ولكن لسبب ما، ولعله بسبب مشكلة فنية لا أكثر، لم تظهر هذه الرؤيا لاحقا في الطبعة الرابعة، ولم يلتفت إلى الأمر إلا مؤخرا، وستعود إلى الطبعات الجديدة بأمر الخلافة. ولكن هذا الغياب جعل المعارضين السفهاء يرفعون عقيرتهم ويكذبون ويطلقون العنان لمخيلاتهم المريضة، فأراد الله تعالى أن يخزيهم من جديد ويبين عدم تحرّيهم للحق ولا للصدق، وأن افتراضاتهم كلها مبنية على وهم سوء الظن والفساد المكنون في نفوسهم.
لو كانت الجماعة تريد إخفاء هذه الرؤيا لما وضعتها عندما عثرت عليها بعد سنوات طويلة من وفاة المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام، بل وفي حياة وتحت إشراف الأحفاد الذين لو كان المقصود بالزوجة هي جدتهم لكانت إساءة بالغة.
ولكن كما قلت في مقالتي أعلاه، هؤلاء يتركون المحكمات ويحاولون تشتيت الناس عنها ويتبعون الشبهات التي يصنعون كثيرا منها بكذبهم وافتراءهم الذي يرتد عليهم سعيا لإضلال الناس. ولكن الله تعالى لهم بالمرصاد، ولخزي الآخرة وعذابها أكبر.
ألم يتضح أن المسألة ليس فيها ما يسيء ولا ما يخجل وأنه ليس من مصلحة الجماعة في السابق ولا الآن حذف هذه الرؤيا وإنما حدث خطأ ما واكتشتفه الجماعة بنفسها، لا أكثر ولا أقل.
ألا ينبغي أن يشعر ذلك المرتد السفيه بالخزي لأنه ادعى أنها الزوجة الموصوفة هي الزوجة المعنية وهي ليست كذلك وبنى على ذلك افتراضات قذرة للغاية تتناسب مع فكره المنحط الخرب؟
ألا يدل ذلك على أنه متسرع لا يتحرى الصدق ويندفع بجنونه وحقده المشبوب ليلتقط أي أمر قذر ويحاول الهجوم به على الجماعة.
والحمد لله رب العالمين، ناصر المؤمنين، ومخزي الكافرين.
تميم أبو دقة.” انتهى رد الأستاذ العزيز
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ