الحمد لله رب العالمين، سر أسرار العارفين، المرتجى في الشهود وفي الدارين، المرغوب في قلوب العاشقين، المحجوب عن المتفيقهين، المعلوم عند المستسلمين، من يتجلى على الساهرين ويغيب عن النائمين، مقلب القلوب بين الإصبعين، ومنتهى الطالبين. والصلاة والسلام على خاتم الرسل والنبيين، المحمود في الأولين، والمحمود في الآخرين، إمام الثقلين، المبعوث رحمة للعالمين، عالي الشان في الدارين، صفي القوي المتين، المخصوص بالتذكرتين، المخول في الرجاء، المخصوص بالبقاء، صاحب القبة الخضراء المرى بالرؤيا والشهود، المرسل من حضرة علام الغيوب، المطلع على الملكوت، المقدم على كل الأنبياء وعلى رأسهم صاحب الثعبان وساكن اليهموت، المقبول في الحضرة، مرتجى الشفاعة في الغفلة، المُخبر عن الضلال والسهدة بعد الرشاد وجلاء الشدة، الحاكم بالسوية المفصل في القضية، قاطع دابر البوغاء، واصف شأن السعداء، ماحي دولة الكفر والغوغاء، حاشر الناس في يوم الجلاء، المرتجى أيام المحنة والبلاء، من به الفهوم حارت والمدارك بارت والفهومات دانت، حبي المحبوب وعلمي المطلوب، من سقاني كأس الهداية بعدما انغمست في الغواية، وأعطاني السهام اللدنية بعدما كنت أناطح الجبال بقرون الردية، فما كنت وما كان لي وجود، لولا رحمة ربه الموجود، فتمعن في هذا البيان، قبل أن يلف دارك النسيان، وتنهدم الحيطان وتنبلج الأصباح على ديارك الظلماء فتقول بلسان الندامة والحسرة يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً فدع عنك الكبرياء والغرور واسجد في حضرة المحجوب لعلك تتلقى من أنوار الحضرة ما يشفي غباءك ويداوي كبرياءك، فلولا الخضوع بين يدي العلام ما نال الأنبياء هذا المقام ولحازه أهل الفلسفة هذا المرام، فهذه العلوم توهب لأصحاب القلوب الصفية المثمنون بالغيوب فكانوا حملة عرش الرحمان في كون هذا المشهود، وتعال واسجد، ومعي اقترب لتلامس تلك السماء ولا تخف من الشهوب، فأنت في مأمن من الاحتراق ما دمت تبتغي العلياء برداء الفقراء وبالتذلل لرب السماء، فلا تقصر الوحي على قصور عقلك ولا تحد غير المحدود بحدودك، وتمعن في هذه المعاني أيها الرفيق قبل أن تفقد الصاحب والطريق، وتعلم علوم الأتقياء بخلع رداء الخيلاء والانكسار في حضرة الكبرياء، ليخلع الله عليك ثياب المعبودية التي اختصها لعباده من التغلبية والمضطرية، يقول المولى المرتجى في كتابه الأوفى حاكيا بلسان الحبيب المحبوب شافي العلل وطب القلوب {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }الأعراف188 وفي هذا بيان لمقام العبودية والخضوع الذي ناله هذا العابد اللين البشرة بلا سلوع المقدام في البأساء صاحب الشريعة التي قومت الضلوع. وتمعن يا منكر المهدي والمسيح والدجال بتواتر الأقوال عن معالم الساعة ومنتهى الأخبار، فتنكر الكثرة بفهم سقيم وتحيد عن حبل الملة بجرأة العديم ألم تسمع قول الله في نبيه المرفوع إلى المنتهى وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ{24} فتمعن في كل الكتاب لتفهم سر المعاني وترى ما وراء الحجاب ولا تكن من المحجوبين الذين اتخذوا من القرآن عضين، فما لكم كيف تحكمون وما لعيونكم تشيح كالكليل وترتضي من الدرر بالقليل، وتأكلون من الشجرة اليهودية فتزيغون كما زاغت النصرانية وتحجبون كما حجبت الإسرائيلية، فلا صدق ولا صلى من لم ينظر إلى القرآن وينل من نوره الأوفى ويصدق بالأخبار التي جرت على لسان الأخيار من هذه الملة ناقلة الأخبار من لسان الرسول المختار الذي أنبأ عن الساعة وأشراطها وعلاماتها بما لم يجري على لسان نبي من الأنبياء أو صفي من الأخلاء، فلا تكن في ذلك من الكافرين واستن بسنة الأولين الذين استسلموا للأخبار وقبلوها بالرضا والإيكال فكانوا من المصطفين الأخيار الذين سن الله لهم وجوب الاستغفار فقال {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }الحشر10
فحاذر لؤم الأصول ولا تدوس الحضرة بالنعال فتشقى كما شقى بلعام وتموت كموت المسلهم،
فتعال واقترب وتمعن في تلك المزاوجة التي دلنا عليها فتى المسلمين الحائز على مقام النبوة في الآخرين صافية لهم من دون الملة، فوجب الشكر والسجود للرب المعبود الذي دلنا بنور الهداية على المبعوث في قضاء الإسلام في قرية الهنود،
وزواجنا بحور عين المعاني ونلنا ببركة العدناني النشوء تلك المقامات الرفيعة واللسانات الجلية،
يقول رب العزة بكتابه المعلوم
عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ
وها أنت تعيش في الشهادة بكل حواسك المعلومة فهل أنت من العالمين بها، الفاكين لرموزها المطلعين على أسرارها، المتدبرين لأمرها ؟!
فتمعن في الكلام قبل أن تكون من اللئام وتلسع بلسانك مقام الكرام كالبخاري ومسلم والحنبلي الهمام.
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي بصبح
وما الإصباح منك بأمثل
فها أنا معك حتى النهاية وفك لي رموز الشهادة إن كنت فيها من الحاضرين وعليها من الشاهدين، فإن كنت لا تعلم الشهادة فكيف لك بالغيب وأنت فيها بعيد عن السعادة، فاعلم أن هناك فرق بين الكلمات والمعاني في صرح الوحي والمثاني
حيث قال الله تعالى في سورة الجن الخفي التي أكنن الله فيها الأسرار وغلفها بجنة الليل ولون الدغماء
عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً{26} إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً{27}
فكان النبي مطلعا على الغيوب لا عالما بالمغيب المغيوب، ولذلك نال من الغيب ما نال من الاطلاع وكان كالأرض الطلاع (الأرض الطلاع من تشرق الشمس عليها)، فنال من تلك العُلوم وأشاعها بين الأعلومة، فكان يراها برموز الغيب الذي لا يعلمه إلا عالم الغيب لذلك قال في حديث مشهور بين الملة منثور
رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر فإذا هي المدينة يثرب
فقد اطلع النبي على علامات الساعة وأشراطها فكانت بالنسبة لنا وله كالرؤى والمنامات تحتاج إلى التأويلات ولا تنجلي إلا لوقتها فهذه هي الأشراط التي ذكرها المسيح الإسلامي المشهور بالقادياني في كتبه وملفوظاته، وستأتي الساعة على المنكرين وهم بها كافرون وعن هدي المسح مبعدون، فلا يرون إلا الردى ولا يقولون إلا القذى.
فتمعن بعين الفقراء واخلع النعل ولا تكن كالوعوع.
واقترب واسجد لله الذي وهب عبده ريحانة شامية مزجت بنبعة فراتية من أسهمت بالعلوم وكانت كالحور المكنون، ونالت ما نيل بفضل خلعة التسليم