الفائدة الأولى: فساد النية والخيانة يمكن أن يحصل للصالحين أيضا، لذلك لا بد من محاسبة النفس دوما ولزوم التوبة والاستغفار.
يقول الخليفة نصره الله نقلا عن الخليفة الثاني رضي الله عنه:
“يجب أن تتوجهوا إلى إصلاح أنفسكم وتطهّروا أنفسكم ولا تظنوا أنكم تعملون الصالحات لأنه يمكن أن تتولد خيانة في أحسن صالح أيضا…. لذا لا تظنوا أنكم تعملون الصالحات ولا تظنوا أنكم تتحلون بنيات صالحة، مهما كان عمل الإنسان صالحا يمكن أن تتولد فيه السيئة، ومهما كانت نيته صالحة يمكن أن تُفسد إيمانه، لأن الإيمان لا ينشأ نتيجة أعمالنا بل ينشأ نتيجة رحمة الله، وهذا شيء أساسي يجب تذكُّره، ومهما كثرت صالحاتنا فلا يمكن أن يكون الإيمان كاملا ما لم تتيسر رحمة الله وفضله، لذا ينبغي أن تترقبوا رحمة الله تعالى دوما ويجب أن ترتفع أنظاركم إلى أيدي الله تعالى لأن السائل -الذي يعتقد بأنني لو غادرت باب الله تعالى فلن يُفتح لي باب آخر- يجذب فضل الله تعالى، لذا يجب أن ترتفع أنظاركم إلى الله تعالى كل حين، وما دمتم وجّهتم أنظاركم إلى الله تعالى فستبقون مصونين، لأن الذي يرتفع نظره إلى الله تعالى لا يسع أحدا أن يضر به، ولكن ما إن يصرف الإنسان نظره إلى غيره ويستدبرْ بابَه سبحانه وتعالى، أي يغادر المرء عتبة الله تعالى فلا يبقى له قرار مهما كانت نياته حسنة ومهما أقدَم على الأعمال الحسنة، بل في هذه الحالة يجلس في حضن الشيطان. فإن المداومة على التوبة والاستغفار، وطلب فضل الله تعالى ورحمته، ومحاولة جذبها، لهي من الأمور التي تقود الإنسان إلى العاقبة الحسنة.”
الفائدة الثانية: لا جدوى من مجرد الدعاوى العريضة للطاعة والإيمان والحماس الزائد، فصاحبها قد يكون خائنا ومنافقا أكبر أحيانا.
يقول حضرته مقتبسا من كلام الخليفة الثاني رضي الله عنه أيضا:
“كان المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام يذكر واقعة أنه قد حدثت سرقة في بيت أبي بكر الصديق أو عند عمر رضي الله عنهما – لا أذكر ذلك جيدًا – فقد سُرقت من بيته بعض الحلي. وكان أحد خدامه يثير ضجة قائلا: لا يزال يعيش في العالم مثل هؤلاء الأشقياء الذين لا يستحيون من السرقة من بيت الخليفة، فأخذ يلعن السارقَ بلا عدّ وإحصاء، وكان يدعو أن يكشف الله ستره ويخزيه. وعند التحقيق انكشف أن تلك الحلي مرهونة عند يهودي. فلما سئل هذا اليهودي عن مصدر هذه الحلي أخبر عن اسم الخادم الذي كان يثير ضجة ضد السارق ويلعنه.
فلا يساوي شيئًا اللعن أو الإقرار بالطاعة باللسان فقط، بل العمل هو الأساس، وإلا فإن المدعي بالطاعة باللسان قد يكون منافقًا أكبر في واقع الأمر. إنه لأمر يدعو إلى التفكير الكثير ولا بد من الاهتمام به دومًا.”
وأقول: بالطبع، هذا لا يعني أن نشك في إخواننا، بل واجبنا أن نحسن الظن، ولكن هذا التوجيه هو للذين يحاولون التخفي بهذه الدعاوى بينما هم متورطون في الخيانة بأنواعها. فعملهم هذا لن يؤدي إلى سترهم، بل سيفضجهم الله تعالى، لأنهم يحاولون مخادعة الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم. فالأولى أن يتوجهوا لإصلاح أنفسهم بالتوبة والاستغفار والعمل الصالح عسى أن يغفر الله لهم.