قصيدة يا عين فيض الله والعرفان كتبها المسيح الموعود مرزا غلام أحمد عليه السلام في مدح سيده المصطفى ﷺ:
يـا عينَ فيـضِ اللهِ والعِــرفانِ
يَسعَى إليكَ الخَلْقُ كالظَّمـآنِ
يا بَحر فَضلِ المُنعِمِ المنّانِ
تهوي إليك الزُمَرُ بالكيزانِ
يا شمسَ مُلكِ الحُسنِ و الإحسانِ
نَوَّرتَ وجهَ البَرِّ و العُمرانِ
قوم رأوك وأمـةٌ قد أُخــــبرتْ
مِن ذلك البدر الذي أصـباني
يبكون من ذكر الجمـــال صبابةً
و تألُّماً من لَوعَةِ الهِجرانِ
وأرى القلوبَ لدى الحناجِرِ كُربَةً
وأرى الغروبَ تُسيلُها العينانِ
يا من غدا في نورهِ و ضيائهِ
كالنَيّرَينِ و نوَّرَ المَلَوانِ
يا بدرنا يا آيةَ الرحمٰنِ
أهدى الهُداةِ و أشجَعَ الشُجعانِ
إني أرى في وجهكَ المُتهَلّلِ
شأناً يفوقُ شمائلَ الإنسانِ
وقد اقتفاكَ أولو النُهى و بصِدقِهِم
وَدَعُوا تَذَكُّرَ معهَدِ الأوطانِ
قد آثروكَ و فارقوا أحبابَهُم
و تباعدوا من حَلْقةِ الإخوانِ
قد وَدَّعوا أهوائَهُم و نفوسَهُم
و تبرَّؤوا من كلِ نَشبٍ فانِ
ظَهَرَت عليهِم بَيِّناتُ رسولِهِم
فتَمَزَّقَ الأهواءُ كالأوثانِ
في وقتِ تَرويقِ الليالي نُوِّروا
و اللهُ نجاهُم من الطوفانِ
قد هاضَهُم ظُلمُ الأُناسِ و ضَيمُهُم
فتَثَبَّتوا بِعنايةِ المنّانِ
نَهَبَ اللِئامُ نشوبَهُم و عِقارَهُم
فتَهَللّوا بِجواهرِ الفُرقانِ
كَسحوا بيوتَ نفوسِهم و تبادروا
لِتَمَتُّعِ الإيقانِ و الإيمانِ
قاموا بإقدامِ الرسولِ بغزوهِم
كالعاشِقِ المشغوفِ في المَيدانِ
فدَمُ الرِجال لصدقِهِم في حُبِّهِم
تحتَ السيوف أُريقَ كالقُربانِ
جاءوكَ منهوبينَ كالعُريانِ
فسَتَرتَهُم بِملاحِفِ الإيمانِ
صادفتَهُم قوماً كرَوثٍ ذِلَّةً
فجعلتَهُم كسبيكَةِ العِقيانِ
حتى انثنى بَرٌّ كمِثلِ حديقَةٍ
عَذْبِ الموارِدِ مُثمرِ الأغصانِ
عادت بلادُ العُربِ نحو نَضارَةٍ
بعد الوجى والمَحْلِ و الخُسرانِ
كان الحِجازُ مَغازِلَ الغزلانِ
فجَعَلتَهُم فانين في الرحمٰنِ
شيئانِ كان القومُ عُمْياً فيهما
حسوُ العُقارِ و كثرةُ النسوانِ
أما النساءُ فحُرِّمَتْ إنكاحُها
زوجاً له التحريمُ في القرآنِ
و جَعلْتَ دَسكْرةَ المُدامِ مُخَرَّباً
و أزلتَ حانتها من البُلدانِ
كَمْ شارِبٍ بالرَّشْف دَنًّا طافِحًا
فجعَلتَه في الدِّين كالنَّشـوانِ
كَمْ مُحْدِثٍ مُستـنطِقِ العِيدانِ
قد صـارَ مِنك مُحدَّثَ الرحمنِ
كَمْ مستهامٍ لِلرَّشُوفِ تعشُّـقًا
فجـذَبتَه جَـذْبًا إلى الفُرقانِ
أَحييتَ أمواتَ القـرونِ بِجَلْوةٍ
ماذا يُماثِلكَ بهـذا الشــانِ
تَرَكُوا الغَبوقَ وبدَّلوا مِن ذَوقِـهِ
ذوقَ الدعاءِ بِليلةِ الأَحْــزانِ
كانوا برنّاتِ المثاني قبلها
قد أُحصِروا في شُحِّها كالعاني
قد كانَ مَرتَعهُم أغاني دائماً
طوراً بغيدٍ تارةً بدِنانِ
ما كان فكرٌ غيرَ فِكرِ غواني
أو شُربِ راحٍ أو خَيالِ جِفانِ
كانوا كمشغوفِ الفسادِ بجهلِهِم
راضين بالأوساخِ و الأدرانِ
عيبانِ كان شِعارَهُم من جهلِهِم
حُمْقُ الحِمارِ و وثبةُ السِرحانِ
فَطَلَعْتَ يا شَمسَ الهُدى نُصحاً لَهُم
لتُضيئَهُم من وَجهِكَ النّوراني
أُرسِلتَ من ربٍّ كريمٍ مُحسِنٍ
في الفِتنةِ الصَمّاءِ و الطُغيانِ
يا لَلفتَى ما حُسـنُه وجَمالُــهُ
رَيـّاهُ يُصبِي القَلبَ كالرَّيحانِ
وجهُ المهيمِنِ ظاهِــرٌ في وجهِهِ
وشُـئونُهُ لَمَعتْ بـهذا الشانِ
فلِذا يُحَبُّ ويَستَحِقُّ جَمالُهُ
شَغَفاً به من زُمرَةِ الأخدانِ
سُجُحٌ كريم باذلٌ خِلُّ التُقى
خِرقٌ وفاقَ طوائفَ الفِتيانِ
فاقَ الورى بكمالهِ و جَمالِهِ
و جلالِهِ و جنانهِ الريّانِ
لا شَكَّ أن مُحمـدًا خيرُ الْوَرى
رَيْقُ الْكِـرامِ ونُخْبةُ الأعيـانِ
تَمَّتْ عليـهِ صِفاتُ كُلِّ مَزِيّـةٍ
خُتِمتْ به نَعْماءُ كُلِّ زمــانِ
واللهِ إن مُحمـدًا كَـــرَدافةٍ
وبهِ الْوُصولُ بِسُدّةِ السُّـلطانِ
هو فَخرُ كُلِّ مُطهَّرٍ ومُقــدَّسٍ
وبه يُباهي الْعَسكرُ الرُّوحـانِي
هو خيرُ كُلِّ مُقـرَّبٍ مُتقـدِّمٍ
والفَضـلُ بالخيراتِ لا بِزَمـانِ
و الطَلُّ قد يبدو أمامَ الوابِلِ
فالطَلُّ طَلٌّ ليسَ كالتَهتانِ
بَطلٌ وحيدٌ لا تطيشُ سِهامُهُ
ذو مصمياتٍ موبِقُ الشيطانِ
هو جَنَّةٌ إني أرى أثمارَهُ
وقطوفُهُ قد ذُلِّلَت لجَناني
ألفَيتُهُ بَحرَ الحقائِق والهُدى
و رأيتُهُ كالدُّرِّ في اللمَعانِ
قد ماتَ عيسى مُطرِقاً و نَبِيُّنا
حَيٌّ ورَبِّي ، إنَّهُ وافاني
واللهِ إني قد رأيتُ جَمالَهُ
بعيونِ جِسمي قاعِداٍ بمكاني
ها إن تََظَنَّيتَ ابنَ مَريَمَ عائِشاً
فعليكَ إثباتاً من البُرهانِ
أفأنتَ لاقيتَ المسيح بيقظةٍ
أو جاءكَ الأنباءُ من يقظانِ
انظر الى القُرآن كيف يبيِّنُ
أفأنتَ تُعرِض عن هُدى الرحمٰنِ
فاعلَم بأنَّ العَيشَ ليسَ بِثابِتٍ
بل ماتَ عيسى مِثلَ عَبدٍ فانِ
و نَبِيُّنا حَيٌ و إني شاهِدٌ
و قد إقتَطَفتُ قَطائِفَ اللُقيانِ
ورأَيتُ في رَيعانِ عُمْري وَجهَـهُ
ثُمّ النـبيُّ بِيَقظتي لاقــاني
إني لقد أُحيِيتُ مِـن إحيـائه
وَاهًا لإِعْجازٍ فما أَحْــياني!
يَا رَبِّ صَلِّ على نَبِيِّك دائِــمًا
في هذهِ الدنيا وبَعْثٍ ثــانِ
يا سيّدي قد جئتُ بابَك لاهـفًا
والقومُ بالإكفــارِ قد آذاني
يَفري سِهامُكَ قَلبَ كُلِّ مُحارِبٍ
و يَشُجُّ عزمُكَ هامةَ الثُعبانِ
للهِ دَرُّكَ يا إمامَ العالَمِ
أنتَ السبوقُ و سيِّدُ الشُجعانِ
اُنْظُـرْ إليّ برحمـةٍ وتحــنُّـن
يا سـيِّدِي أنا أحقَـرُ الْغِلمانِ
يا حِبِّ إنك قد دَخَلْتَ مَحـبّةً
في مُهْجَتي ومَـدارِكي وجَناني
مِن ذِكر وَجْهِكَ ياحديقةَ بَهجَتي
لَـمْ أَخلُ في لَحْظٍ ولا في آنِ
جسمي يَطِيرُ إليكَ مِن شوق عَلا
يا ليتَ كانت قـوّةُ الطيَرانِ