سلسلة “المسيح يكسر الصليب بتصحيح المفاهيم” حلقة 5
صلب يسوع يوم الجمعة
جاء في المكتبة المسيحية بأن يسوع صلب في يوم الجمعة بيد الرومان، بعد أن قدمه رؤساء كهنة اليهود للحاكم الروماني بيلاطس البنطي ليقتل بتهمة أنه يحرض الشعب على قيصر، وفي اليوم الثالث أي الأحد قام من بين الأموات. ويحتفل المسيحيون بمناسبة صلب المسيح في يوم الجمعة العظيمة بذكرى قيامته وصعوده وجلوسه الي يمين الأب يوم أحد الفصح من كل عام. وتحتفل الكنيسة بيوم الأحد كيوم ذكرى قيامة المسيح منذ فجر المسيحية، كما أورد ذلك القديس جيروم في منتصف القرن الثاني للميلاد. ويقول البابا شنودة حول الجسد الذي قام به المسيح من الموت:
“لا شك أن جسد القيامة بصفة عامة هو جسد ممجد. .. هذا الجسد الممجد الروحاني هو الذي صعد إلي السماء.” (كتاب تأملات في القيامة، البابا شنوده الثالث، 38 الجسد الممجد، ما بين جسد القيامة وجسد الميلاد)
ولقد ردَّ القرآن الكريم عندما قال تعالى ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ۚ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا﴾ فذكر تبارك وتعالى أن المسيح لم يمت على الصليب مع وفرة من الأدلة التي تثبت ذلك. وقد أثبت الْمَسِيحُ الموعودُ عَلَيهِ السَلام قول الحق الذي أرسله من كتاب النصارى أنفسهم، كي تزول عقيدة تأليه العبد العاجز من الوجود، فقال عَلَيهِ السَلام بأن المسيح كما قال القرآن المجيد لم يمت مصلوباً بل نجا من هذه الميتة ولم يُعطَ جسماً جلالياً كما يظن المُنَصّرون، فقال عَلَيهِ السَلام:
“من المؤسف أن الإنجيل يذكر، من ناحيٍة، بَعْثَ المسيح من بين الأموات بجسمه الجلالي، ولقاءَه بالحواريـين، وسفره إلى الجليل، ثم صعوده إلى السماء أيضا، ومن ناحية أخرى، يذكر أيضا أن المسيح خاف اليهود عند كل خطوة بالرغم من حصوله على الجسم الجلالي، وفرَّ من ذلك البلد سِرّا لئلا يراه أحد من اليهود، وتجشّم عناء السفر لسبعين فرسخا إلى الجليل لينجو منهم؛ ونهى أصحابه مرّة بعد أخرى عن أن يذكروا هذا الأمر لأحد! هل كل ذلك من خصائص الجسم الجلالي وميزاته؟! كلّا! بل الحق أنه لم يحصل على أي جسم جديد جلالي، بل كان بنفس ذلك الجسم الجريح الذي أُنقذ من الموت. وبما أن خطر اليهود كان لا يزال يهدد المسيح بعد هذا الحادث، فلذلك هاجر من ذلك البلد، أخذاً بالأسباب الظاهرة. والحق أن جميع المزاعم الأخرى المعارضة لهذه الحقيقة أفكار فارغة سخيفة، بما فيها قولهم بأن اليهود أعطَوا الحراس الرشوة ليشيعوا بين القوم بأن الحواريـين قد سرقوا جثّة المسيح حين كنا نائمين. أقول: إنها فكرة فارغة إذ كان من السهل جداً دحض حجة النوم، وذلك بسؤالهم: كيف عرفتم وأنتم تغطّون في النوم أن الحواريـين أنفسهم سرقوا جثته؟ ثم هل مجرّد غياب المسيح من القبر يقنع أحداً من العقلاء بأنه قد صعد إلى السماء؟ أوَ ليس هناك عوامل أخرى تؤدّي إلى خلو القبر؟ أوَ لم يكن من واجب المسيح لإثبات معجزته هذه، قبل صعوده إلى السماء، أن يلقى بضع مئات من اليهود وبيلاطس أيضا، دون أن يخاف أحداً بعد حصوله على الجسم الجلالي؟ ولكن المسيح لم يختر هذا الطريق، ولم يقدّم لأعدائه أدنى شهادة، بل هرب إلى الجليـل بقلب واجف! ولذلك فإننا نؤمن بيقين تام بأن المسيح كـان قـد خرج، ولا شك، ِمن قبره الذي كان كغرفة ذات نافذة، وأنه لقي حوارييه سرّا؛ وليس صحيحاً أبداً أنه تلقّى جسماً جديداً جلالياً، بل كان جسمه هو هو، وجروحه هي هي، والخوف هو هو.. أي أن يقبض عليه اليهود الأشقياء مرة ثانية. ِاقرءوا بالتدبر والتأني إنجيل “متى” الإصحاح 28 الأعداد 7-10حيث ورد بكل وضوح أن النساء اللاتي بلَّغهن أحدٌ بأن المسيح حَيٌّ وأنَّه مُتّجِّه الآن نحو الجليل؛ وهمَسَ إليهن بأن يخبرن بذلك الحواريـين أيضا، سررن بهذا الخبر، ولكنهن مشين متخوّفاتٍ فَزِعاتٍ من أن يقبض على المسيحِ شريرٌ من اليهود. ونجد في العدد 9 من الإنجيل ذاته أن المسيح لقي أولئك النسوةَ وهنَّ ذاهبات لإخبار الحواريـين، وحيّاهن بتحية. ونجد في العدد 10 أن المسيح قال لهن: لا تَخَفْنَ، أي لا تخفن عليَّ مِن أحد، ولكن قُلنَ لإخواني أن يذهبوا إلى الجليل، وهناك يرونني.. أي لا يمكنني أن أقيم هنا خوفاً من الأعداء. إذن فلو كان المسيح قد عاد إلى الحياة بجسمٍ جلالي حقيقةً، لكان من واجبه أن يثبت ذلك لليهود؛ ولكننا نعرف حقَّ المعرفة بأنه لم يفعل ذلك! ومن الحماقة حقّاً أن نَتّهم اليهود بأنهم قد حالوا دون ظهور الآية الدالة على عودة المسيح إلى الحياة؛ بل إن المسيح نفسه لم يقدّم أدنى شهادة على عودته إلى الحياة، وإنما برهن بفراره واختفائه وأكله ونومه وكشفه جروحه لأتباعه، على أنه لم يمت على الصليب.” (المسيح الناصري في الهند، ص 50-52)
وهكذا ينفي المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بشواهد الإنجيل عقيدة موت المسيح على الصليب التي هي المدخل الحقيقي للفداء والكفارة عند النصارى، الذين يعتقدون بأن المسيح مات مصلوباً ليكفِّر عن خطايا البشر، ولم يثبت هذا الاعتقاد حتى تطوَّرَ ليصل فيما بعد إلى تأليه المسيح. فبإثبات المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام عدم موت المسيح على الصليب من خلال الكتاب المقدس عندهم، فقد كَسَرَ عَلَيهِ السَلام بذلك أحد أهم دعائم الصليب مقتَلِعاً إحدى أُسس الثالوثِ من الأصول.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ