{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا }
(الأحزاب 58)
ما يريده أعداء الأنبياء هو إيذاؤهم وإهانتهم، وهذا يتحقق عندهم بمحاولة إثبات كذبهم، ثم بوصفهم بأقذع الأوصاف بناء على شبهات واهية وملابسات مفتعلة مزيفة. ولعل آخر ما يسعون إليه هو إقناع المؤمنين بها، بل خطتهم وهدفهم منصبٌّ على أن يتمكنوا من مجرد طرحها ومناقشتها معهم لينفِّسوا عما في أنفسهم بحريَّة ويحققوا الإهانة والإيذاء للأنبياء، متذرعين بأنهم لا يريدون إلا النقاش والمحاججة!
ولا شك أن من هؤلاء الأعداء طبقة السبابين والشتامين المباشرين، ولكنهم الطبقة الأقل ذكاء من هؤلاء؛ لأن هؤلاء سيتجنبهم المؤمنون مباشرة وسيمتنعون عن مجالستهم، ولكن الأعداء الخبثاء سيحاولون ألا يسبوا وألا يشتموا بصورة مباشرة لاستدراج المؤمنين، وإن كانوا يستخدمون ألفاظا أسوأ وأبشع من مجرد السب والشتم الصريح.
هذا ما يجب أن ينتبه إليه المؤمنون، وهو ألا يسمحوا لهؤلاء المعترضين الخبثاء باستدراجهم تحت أي ذريعة ليتمكنوا من قذف الأنبياء والإساءة لهم وإيذائهم ومحاولة إهانتهم. وهذا ما حذَّر منه القرآن الكريم وفصَل فيه فصلا قاطعا بالنهي عن مجالستهم تحت أي مبرر؛ إذ يقول تعالى:
{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا }
(النساء 141)
وقد يقول بعض المؤمنين إن نقاش هؤلاء المعارضين سيكشف بطلان دعاوى هؤلاء وزيفها، وسيحرجهم، وامتناعنا عن مجالستهم ربما سيفسَّر على أنه ضعف منا، أو أننا لا نطيق جوابا على شبهاتهم، وغير ذلك من المبررات. ولكن هذه المبررات والحجج ليست بجديدة، وكانت دوما ملازمة لهذه الحالة، ولم يستثنِها الله تعالى في الآية لإباحة مجالسة هؤلاء. لذلك ينبغي أن يدرك المؤمنون أنها لا قيمة لها، وهي ليست سوى وساوس يلقيها الشيطان لاستدراج المؤمنين وإيقاعهم في الخطأ. والخطورة في الأمر أن المؤمنين الذين لا يمتنعون عن ذلك فإنهم سيشاركون فعليا في إهانة الأنبياء وإيذائهم بتوفير المناخ للمعارضين، وبذلك فإنهم سيصبحون مثلهم كما تقول الآية، وسيعدُّون منافقين عند الله تعالى، بل وسيجمعهم الله مع هؤلاء الذين جالسوهم في جهنم جميعا. فالموقف غاية في الخطورة، وهو مقام الخوف، ولا بد للمؤمنين من الحذر الشديد!
ويجب أن يتذكر المؤمنون أيضا أن حجج المعارضين ساقطة واهية منذ البداية، وهم بأنفسهم لا يعوِّلون عليها، ولذلك يكذبون ويراوغون ويحرِّفون الكلم عن مواضعه ويزيِّفون، وهم بأنفسهم يعلمون أن جهدهم هذا ذاهب أدراج الرياح، فلا ينبغي أن تُزيِّن لهم هذه الغاية المجالسة وتستدرجهم إليها، فالمعارضون الأشرار غايتهم الأساس هي الإساءة والإيذاء، أما إضلال الناس فهو الغاية الثانوية عندهم؛ إذ إنهم يعلمون أنهم لن يتمكنوا إلا من قلِّة من المنافقين أصلا أو من الذين في قلوبهم مرض.
وهنالك أيضا بعض المبادئ التي يروِّج لها البعض في صفوف المؤمنين تأثرا بأفكار الدجال الذي لا يراعي أي حرمة، ويظنون أن النقاش ينبغي أن يكون مفتوحا دون شروط، ويرون أنه يجب علينا أن نجالس هؤلاء المجرمين الذين يرغبون بإهانة الأنبياء وإيذائهم وإيذاء المؤمنين، ونستمع لما يقولون بحرية، بل يجب أن نتيح لهم هذه الحرية وندافع عنها، بل ويتبادلون معهم المجاملات ويرحبون بهم. والبعض يستدرجهم الشيطان أيضا بإبداء المودة والإشفاق على هؤلاء ظانين أنهم مجرد أناس مخطئين حسني النية، ويسوِّل لهم الشيطان أن عاطفة الإشفاق هذه عاطفة نبيلة! بل وينتقدون الردود التي تتضمن شيئا من القسوة التي تجب مقابل القسوة غيرةً لله ولرسوله. والواقع أن الذي لا يبدي هذه الغيرة فإن لديه خللا في الإيمان، ولا قيمة لكلامه ولا لحججه ولا لدعاواه، إذ إن الله يحكم على هؤلاء الذين يوادّون من حادَّ الله ورسوله بأنهم ليسوا بمؤمنين أو أن إيمانهم في خطر شديد؛ إذ يقول تعالى:
{لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}
(المجادلة 23)
وقد يحاول البعض التهرُّب من هذه الآية وحكمها بالظن أنها تتحدث عن المحاربين حربا فعلية مع المؤمنين فقط، ولا تتعلق بالمعارضين الذين لا يرفعون السلاح، وهذا غير صحيح، لأن المحاددة هي إبداء العداوة والبغضاء والإساءة، وهي التي تكون أصلا دافعا للعدوان القتالي إذا توفرت لدى هؤلاء الكافرين أو المنافقين الفرصة، وقد جاءت في القرآن الكريم في وصف حالة المنافقين الذين من المعروف أنهم لم يكونوا يحاربون المؤمنين حربا قتالية. ومما يثبت خطأ فكرتهم هو أن القتال وحده أصلا لا ينقض الإيمان، إذ لم ينزع الله الإيمان عن فئتين من المؤمنين تتقاتلان، مع أن إحداهما باغية حتما، إذ قال الله تعالى:
{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا}
(الحجرات 10)
ما أريد أن أقوله أخيرا: إن ما يقوم به بعض الإخوة بالإصرار على مجالسة المعترضين المقذعين، الذين يصفون المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام وخلفاءه والجماعة بأبشع الأوصاف، إنما يرتكبون إثما صريحا واضحا لا مجال لتبريره. والواجب أن يمتنعوا عن مجالسة هؤلاء تحت أي ذريعة خوفا من أن يسجَّلوا عند الله كمثلهم، لأنهم يتيحون الفرصة التي يريدها هؤلاء ساعين لإهانة المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام وإيذائه وإيذاء المؤمنين. هؤلاء المعارضون لن يتمكنوا مما يصبون إليه، والله تعالى قد تأذن أن يعذب هؤلاء ويهينهم بنفسه؛ إذ يقول تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا }
(الأحزاب 58)
وهذا ما وعد به الله تعالى المسيحَ الموعود عليه الصلاة والسلام أيضا في وحيه:
”إني مهين من أراد إهانتك“
فهذا وعد الله المتحقق الذي هو مستمر في التحقق، وهذا ما شهدناه وما سنشهده دوما.
أما المؤمنون المتورطون في مجالسة هؤلاء ومحادثتهم ومبادلتهم الود والمجاملات فيجب أن يخشوا من أن يحقَّ عليهم كتاب الله تعالى ويصبحوا في عداد الذين يعدُّهم الله مساهمين في إهانة الأنبياء وإيذائهم. وهذا موقف غاية في الخطورة كما قلت سابقا.
أما الرد على شبهات المعارضين، دون مجالستهم، فهذا واجب، كنا ولا زلنا نقوم به، بفضل الله تعالى وبرحمته.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحبُّ ويرضى، ويرحمنا ويحمينا من الشيطان الرجيم وكيده، آمين.