يروي لنا المؤرخ والرحالة المعروف ابن بطوطة رحمه الله بأنه قد زار جزر المالديف أثناء رحلاته الشهيرة وتطرق لها في كُتبه، بل حتى أنه عمل قاضيا فيها لفترة بلغت 14 سنة. يقول ابن بطوطة في حديثه عن المالديف:

حدثني الثقات من أهلها؛ كالفقيه عيسى اليمني، والفقيه المعلم علي، والقاضي عبد الله، وجماعة سواهم: أنّ أهل هذه الجزائر كانوا كفارا، وكان يظهر لهم كل شهر عفريت من الجن يأتي من ناحية البحر كأنه مركب مملوء بالقناديل، وكانت عادتهم أنهم إذا رأوه أخذوا جارية بِكرا فزينوها وأدخلوها إلى بيت الأصنام، وكان مبنيا على ضفة البحر، وله طاق ينظر إليه منها، ويتركونها هنالك ليلة، ثم يأتون عند الصباح فيجدونها مفتضة البكارة ميتة! ولا يزالون كل شهر يقترعون بينهم، فمن أصابته القرعة أعطى بنته.

ثم إنه قدم عليهم مغربي يسمى بأبي البركات البربري، وكان حافظا للقرآن العظيم، فنزل بدار عجوز منهم، فدخل عليها يوما وقد جمعت أهلها وهن يبكين كأنهن في مأتم، فاستفهمهنّ عن شأنهن، فلم يفهمْنَ، فأُتـِيَ بترجمان فأخبره أن قرعة الشهر وقعت على العجوز، وليس لها إلا بنت واحدة يقتلها العفريت، فقال لها أبو البركات: “أنا أتوجَّهُ عوضا من بنتك بالليل”، وكان أمرد الوجه، فاحتملوه تلك الليلة فأدخلوه إلى بيت الأصنام وهو متوضئ، وأقام يتلو القرآن، ثم ظهر له العفريت من النافذة، فاستمر يتلو، فلما اقترب منه وسمع القراءة، غاص في البحر، وأصبح المغربي وهو يتلو على حاله، فجاءت العجوز وأهلها وأهل الجزيرة ليستخرجوا البنت على عادتهم فيحرقوها (ظنا منهم أن العجوز وضعت بنتها هناك)، فوجدوا المغربي يتلو القرآن، فمضوا به إلى مَلِكِهم، وكان يسمى (شنورازة)، وأعلموه بخبره، فعجب منه، وعرض عليه المغربي الإسلام ورغّبه فيه، فقال له الملك: أقم عندنا إلى الشهر الآخر فإن فعلت كذلك ونجوت من العفريت أسلمتُ !

ثم أقام عندهم وشرح الله صدر الملك للإسلام فأسلم قبل تمام الشهر، وأسلمَ أهله وأولاده وأهل دولته، ثم حُمِل المغربي لما دخل الشهر إلى بيت الأصنام، ولم يأتِ العفريت، وجعل يتلو حتى الصباح. وجاء السلطان والناس فوجدوه على حاله من التلاوة، فكسروا الأصنام، وهدموا بيتها، وأسلم أهلُ الجزيرة، وبعثو إلى سائر الجزر، فأسلم أهلها، وأقام المغربي عندهم معظَّما وتمذهبوا بمذهبه؛ مذهب الإمام مالك رحمه الله، وهم إلى هذا العهد يعظمون المغاربة بسببه، وبَنَى مسجدا معروفا باسمه، وقرأتُ على مقصورة الجامع منقوشا في الخشب: أسلَم َ السلطان أحمد شنورازة على يد أبي البركات البربري المغربي. وجعل ذلك السلطان ثلثَ مجابي الجزائر صدقة على أبناء السبيل إذْ كان إسلامه بسببهم.» (من رحلة ابن بطوطة ،ج 4، ص 62 طبعة التازي، 1417هـ )

وهكذا كان دخول الإسلام الحنيف إلى جزر المالديف وكان هذا الداعية سبباً في إسلام ملك الجزر الذي كان يُدعى “شَنورازة” وتسمّى باسم محمد بن عبد الله، وأسلم بعده كلّ أهل الجزر، فلم يبق أحدٌ من سكّانها إلا ودخل الإسلام. قام السلطان ببناء مسجد عرف باسمه. وقد طلب الملك الملديفيُّ من أبي البركات أن ينقش على لوحة تذكارا يُشير فيه إلى تاريخ إسلام الملك على يده، و هي اللوحة التي لازالت محفوظة إلى حد الآن، وتعتبر اقدم خط عربي في منطقة المحيط الهندي، وجعل ثلث ما يجبيه من سكان الجزر صدقة على أبناء السبيل، لأن إسلامهم كان عن طريقهم. وعاشت تلك الدولة العديد من المراحل الهامة بعد أن أسلم سلطان تلك البلاد على يد أبو البركات رحمهم الله، ولم يكتف السلطان بذلك، بل أمر بإنشاء المساجد والمدارس الإسلامية في جميع أنحاء الدولة ولان الناس على دين ملوكها كما يقال، فقد اعتنق أهل البلاد الإسلام وأصبح هو دينهم الوحيد حتى يومنا هذا.

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد