رغم أن الله تعالى قد أرسل الأنبياء لاجتثاث الشرك وإقامة التوحيد والقضاء على المعتقدات والسلوكات الباطلة، إلا أن الله تعالى كان يرسلهم دوما بمنهج متكامل فيما لو آمن به الناس والتزموا به فسيتخلصون من شركهم ومن انحطاطهم السلوكي تلقائيا. فلم يأتوا ليقولوا للناس اكفروا بما لديكم وتخلصوا من سوء سلوككم وعندها ستفلحون، بل قالوا لهم تعالوا إلى الحق إلى الهدى وآمنوا بالله حق الإيمان وتعالوا إلى الفضيلة والتقوى؛ أي كانوا يقدِّمون البديل الصحيح بدلا من التركيز على نقض الحال الفاسدة. وبهذا كانوا يخلِّصون الناس من شرككهم ومن حالهم البائسة بالإيمان والاتِّباع.
وبالمقابل، فقد سجَّل الله تعالى أن سمة الشيطان هو أنه يدعو إلى الكفر، ولا يقدِّم للناس شيئا بعد ذلك، بل يقول لهم اكفروا، ثم يتبرأ منهم ومن تصرفاتهم ويبرِّئ نفسه من مصيرهم بعد أن تركهم في ضلال وتشتت. وهذه إحدى العلامات الواضحة التي جعلها الله للتمييز بين الشيطان ودعوة الأنبياء والخلفاء من بعدهم، التي سجلها في قوله تعالى:
{كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ } (الحشر 17)
ولهذا، فمن الطبيعي أن نجد أن معارضينا ليس لديهم أي بديل يقدمونه، بل يبذلون كل ما في وسعهم عسى أن تزل قدم أحد الأحمديين فيفرحوا بزللـه، لأن هذا هو هدفهم الحقيقي لا أكثر، وهو أن يضلَّ الناس ويتركوا الهدى.
أما أن يتنكر الشيطان في ثياب الواعظين المواسين الناصحين للناس الراغبين في خيرهم، فهذا أيضا قد سجله القرآن الكريم، إذ قال تعالى:
{وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ } (الأَعراف 22)
{فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى } (طه 121)
فهذا ليس غريبا على الشيطان، الذي يخجل من إظهار وجهه الحقيقي ودعواه الحقيقية التي مغزاها ومختصرها هي أنه يريد إضلال الناس فحسب حسدا وحقدا بعدما طرده الله تعالى نتيجة استكباره وفساد طويته. فهل يمكن أن يعترف الشيطان الكذوب بهذا ويقول: يا جماعة! اكفروا فإنني أريد أن أنتقم من هذه الجماعة لأنها طردتني، أو لأنني أحسدها وأبغضها لحسدي وحقدي على أقاربي ومعارفي من الأحمديين، أم سيغلِّف هدفه هذا دجلا بغلاف النُصح وحب الخير للناس؟ فلا يستطيع الشيطان إلا أن يقول هذا ليجعل لنفسه شيئا من المصداقية، ولكنه يعترف بحقيقته التي يعرفها الله تعالى أمامه إذ يقول:
{قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (17) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } (الأَعراف 17-18)
باختصار، الحق والهدى هو ما جاء به الأنبياء والمبعوثون الذين يدعون إلى الإيمان وبذلك ينقذون الناس. أما الصوت الذي يدعو إلى الكفر بدعوة من يدَّعي أنه نبي أو مبعوث، بحجة بطلان هذه الدعوى وبحجة أنه يريد الخير للناس ولا يقدِّم لهم بديلا ويتركهم ويتبرأ منهم، فهو صوت الشيطان الذي يقول “اكْفُرْ”. فلو كان هذا الصوت صادقا لكان يحمل البديل الذي ليس مجرد فكر محض فحسب وإنما منهج متكامل فكرا وتطبيقا مما لا يقدِّمه عادة إلا الأنبياء والمبعوثون.
لقد شاء الله تعالى أن يكون الأنبياء والمبعوثون وأتباعهم يعلنون معتقداتهم قولا وفعلا ولا يخشون في ذلك لومة لائم، بينما نجد الشيطان يخشى من إعلان هدفه الحقيقي المخزي الذي ليس سوى الإضلال والانتقام حسدا وبغضا وكمدا، ويخشى الناس ويرغب أن يكون خنَّاسا يرغب في التخفي والإخفاء. لذلك ليس من العجيب أن يكون من أعوانه من يلجأون إلى الشخصيات والأسماء المستعارة لكي يقولوا ما يخشون قوله في العلن، وبسبب أنهم يشعرون بخزي بالغ نتيجة موقفهم الذي هم عليه.
ويكفي الشيطان خزيا أنه هو بنفسه يعرف أنه يكذب على الناس ويخادعهم، وأنه يغلِّف دعواه الحاقدة القائمة على الحسد بالدجل والتمويه، فهذا سيكون أول أسباب إدانته أمام الله تعالى.