عندما أنبأ النبي صلى الله عليه وسلم ببعثة المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام، والتي جاءت في صيغة نزول المسيح، قال عنه صلى الله عليه وسلم:
{لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ} (صحيح البخاري, كتاب أحاديث الأنبياء)
وبهذا حدد النبي صلى الله عليه وسلم هذه المهام وهي؛ كسر الصليب أي مقاومة المسيحية التي ستبدأ تهاجم الإسلام بصورة شرسة في وقت من الأيام وإبطالها، وقتل الخنزير الذي يعني القضاء على الصفات الخنزيرية والإعلاء من شأن الأخلاق الرفيعة التي تقود إلى الربانية، وثالثا وضع الجزية أي أنه سيصلح عقيدة الجهاد الإسلامي التي تتضمن فرض الجزية على غير المسلمين دون شروط. وبالطبع للموضوع تفاصيل لا حاجة إلى الخوض فيها هنا. وقد ورد في مسلم أيضا أنه سيقتل المسيح الدجال، وهذا معنى آخر لكسر الصليب، إذ إن استعلاء الصليب هو المسيح الدجال عينه.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الوقت الذي سينزل فيه المسيح إذ قال إنه وقت ترك القلاص، إذ قال صلى الله عليه وسلم:
{لَيَنْزِلَنَّ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَادِلًا فَلَيَكْسِرَنَّ الصَّلِيبَ وَلَيَقْتُلَنَّ الْخِنْزِيرَ وَلَيَضَعَنَّ الْجِزْيَةَ وَلَتُتْرَكَنَّ الْقِلَاصُ فَلَا يُسْعَى عَلَيْهَا} (صحيح مسلم, كتاب الإيمان)
وبهذا فقد ربط النبي صلى الله عليه وسلم بين هذه العلامة الواضحة التي تعني أن وسائل مواصلات ستصبح بديلا عن الإبل، والتي وردت في القرآن الكريم، ليبين بأن العلامات الأخرى الواردة في سورة التكوير أيضا تخص هذا الزمن كنشر الصحف وتزويج النفوس الذي يعني التواصل بكثرة وغير ذلك من العلامات.
وبهذا فقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم مهمات المسيح الموعود وعلامات وقت نزوله أيضا بصورة عجيبة!
وبالعودة إلى مهام المسيح الموعود نجد أن واقع الحال يؤكد أن هذه هي المصائب التي صبت على الإسلام في هذا الوقت الذي هو وقت نزوله حتما؛ ألا وهي أن الإسلام أصبح ضعيفا وخاصة أمام الشبهات التي تثيرها المسيحية خاصة، حتى أصبح المسيحيون يستهزئون بالإسلام وأصبح المشايخ عاجزين عن رد شبهاتهم بل بجهلهم أكدوا عليها في كثير من الأحيان، وكذلك نجد أن الفساد الأخلاقي المستشري بين المسلمين يشكل داءً أدى إلى ضياع جهودهم وثرواتهم وتفرق شملهم، ثم هنالك عقيدة الجهاد العدواني التي أدت إلى موجة الاضطراب والتمرد والإرهاب وعملت على تشويه صورة الإسلام والمسلمين في العالم. وكل مسلم شريف لا شك أنه يتأوه لأجل هذه المصائب التي صبت على الإسلام، ويريد حلا لها.
وببعثة المسيح الموعود والإمام المهدي، حضرة مرزا غلام أحمد القادياني عليه الصلاة والسلام، كانت هذه المهام تلقائيا هي المهام التي قام بها، بل وحقق نجاحا عظيما فرح لأجله كل غيور على الإسلام وتحرَّق كل حاسد غيظا وكمدا. فقد كسر العمود الذي تقوم عليه المسيحية -ألا وهو موت المسيح على الصليب إذ قدَّم الأدلة على نجاته منه حتما- وأبطل كل شبهاتهم في كتاباته وكتبه ومناظراته بصورة مذهلة، ورد على شبهاتهم ضد الإسلام والنبي صلى الله عليه وسلم، وما زالت جماعته تقوم بهذه المهمة في كل ميدان يبرز فيه الدجال. و يذكر العرب أنه في البلاد العربية، عندما بدأ بعض المسيحيين بمهاجمة الإسلام بهذه الشبهات، لم يجد العرب أحدا قام للرد أو قدر عليه سوى الجماعة الإسلامية الأحمدية، وقد عبر كثير منهم عن سرورهم بالعثور على الجماعة بعد إحباطهم من المسلمين الآخرين الذي كانوا يقفون عاجزين، وكان هذا من أهم ما جذب الغالبية العظمى من الأحمديين الجدد في البلاد العربية إلى الجماعة وأدى إلى إنشاء الجماعة وترسخها هناك.
أما الإعلاء من شأن الأخلاق، فهو مرتبط ارتباطا وثيقا بالروحانية والربانية، وقد جاء المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام لينشئ العلاقة مع الله تعالى ويقدم الآيات والأدلة على أن الله تعالى حي وموجود ويؤيد أنبياءه وأصفياءه وأولياءه، ولذلك تحدث في كتبه عن الآيات التي حدثت معه، وعن تأييد الله له في تحدياته مع ليكرام الهندوسي وعبد الله آثم المسيحي وأقاربه الملحدين وغير ذلك من خصوم الإسلام المختلفين وكيف أن الله تعالى نصره عليهم. وبهذا يشعر المسلم بأن الله حي قيوم ويتجدد الإيمان في القلوب فتنصلح الأخلاق.
أما إبطال فكرة الجهاد العدواني وتركيز حضرته عليها، فقد كانت ولا زالت أهم الأفكار التي تحتاجها الأمة، ولا يخفى على أحد الضرر الذي أصاب الأمة بسبب هذا الخلل في هذه العقيدة. والعجيب أن الأمة أصبحت الآن تتقبل أفكار حضرته وتقترب منها كثيرا مضطرة، بعد أن كانت تعارضها بشدة. فلو تبناها المسلمون منذ ذلك الوقت وآمنوا بحضرته لنجوا من هذه الويلات التي يعيشونها.
هذا ما جاء به المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام، وهو ما أنبأ به النبي صلى الله عليه وسلم من قبل، وما ثبت أنه اللازم لهذا الوقت تماما، وما ثبت أن حضرته قد أداه على خير وجه بفضل الله. أما ظن أحد بأن المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام جاء ليقدم بعض التفاسير الجميلة وأن هذه التفاسير هي التي جذبت الناس إلى الجماعة، أو حاول أن يوحي بهذا الأمر خلاف الحقيقة، أو أخذ يفكر من عنده بمهام كان يجب على المسيح الموعود أن يقوم بها فهو واهم هو واهم يتبع هواه، ولم يعرف الجماعة يوما.