كتبَ الْمَسِيحُ الموعودُ عَلَيهِ السَلام في القرن التاسع عشر سرداً لعدد من الرؤى والكشوف التي تلقاها حضرته فكانت كلّها آيات معجزة للمبصرين، وكان من بينها الرؤيا التالية بحقِّ الصحابي مفتي مُحَمَّد صادق رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، حيث يقول عَلَيهِ السَلام:
“رؤيا أخرى رأيتُها في 21 تشرين الأول 1899؛ … رأيتُ فيها حبّي وأخي في الله مفتي مُحَمَّد صادق المحترم. وقبل أن أُفَصِّلُ الرؤيا، فإنه لا يخلو من الفائدة البيانُ أنَّ مفتي مُحَمَّد صادق من جماعتي ومن أحبائي المخلصين … إنه محبٌّ صادقٌ مثل اسمِه. … هو عاكفٌ دائماً بحماسٍ شديدٍ على نصرتي في الخدمات الدينية، فجزاه الله خيرا. وتفصيل الرؤيا أنني رأيتُ مفتي مُحَمَّد صادق ووجهُه منوَّر ومشرقٌ جداً، وعليه لباسٌ أبيضٌ ناصعٌ وفاخرٌ، وكِلانا جالسٌ في عربة. وكان مستلقياً فوضعتُ يدي على ظهره. وألقى اللهُ تعالى في قلبي تفسيرها أنَّ الصِدق الذي أُحبُّه سيظهر بلمعان، وسيُشرق وجهي كإشراق وجه مفتي مُحَمَّد صادق الذي رأيته. وقد قرب الوقت الذي سأُعَدُّ فيه صادقاً ويحيطُ لمعانُ الصِدق بالناس.” (إعلان 22/10/1899. وكذلك في “ترياق القلوب”، الملحق الرابع)
تُرى كيف تحقّقت رؤيا المسيحِ الموعود عَلَيهِ السَلام حول خادمه وصاحبه حضرة المفتي مُحَمَّد صادق رَضِيَ اللهُ عَنْهُ التي تختصرها كلمات حضرته التالية:
“رأيتُ مفتي محمد صادق ووجهُه منوَّر ومشرقٌ جداً، وعليه لباسٌ أبيضٌ ناصعٌ وفاخرٌ، وكِلانا جالسٌ في عربة. وكان مستلقياً فوضعتُ يدي على ظهره. وألقى اللهُ تعالى في قلبي تفسيرها أنَّ الصِدق الذي أُحبُّه سيظهر بلمعان، وسيُشرق وجهي كإشراق وجه مفتي محمد صادق الذي رأيته.” أهـ
ما هو السِر في رؤيا (الشروق والإشراق) لوجهَي مفتي مُحَمَّدٍ صادق ووجه المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام؟ وما علاقة (شروق) وجه المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بالإسلام؟
بداية نُعرِّف المفتي مُحَمَّد صادق رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بأنه كان صحابياً وخادماً مخلصاً للمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام وُلِدَ في قاديان ودرس وتخرج من جامعات عديدة منها “جامعة لندن University of London” بدرجة دكتوراه في مجال تاريخ وفلسفة اللغات متخصصاً بدرجة خبير في اللغتين العربية والعبرية إلى جانب إجادته لسبع لغات أخرى. كذلك حصلَ المفتي مُحَمَّد صادق رَضِيَ اللهُ عَنْهُ على 6 درجات دكتوراه في تخصصات مقاربة. كذلك تخرج المفتي مُحَمَّد صادق من كلّية “أورينتل كولج” في مدينة لاهور الهندية آنذاك وعمل فيها أستاذاً أيضاً، وكان يشغل منصب زعيم “أنجمن حماية الإسلام” في لاهور، وهو أيضاً سكرتير “منظمة مستشار العلماء” إلى جانب رئاسة تحرير مجلة إسلامية وكاتب في صحيفة “النيويورك تايمز The New York Times” الأمريكية المرموقة.
كان المفتي مُحَمَّد صادق رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أول داعية إسلامي إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث تأثر به المجتمع الأمريكي وتأسست الجمعيات المسلمة ولا زالت تتأسس وتنتشر تأثراً بما قام به المفتي مُحَمَّد صادق رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كأوّل داعية حقيقي في القارة الأمريكية. ومن إنجازات المفتي مُحَمَّد صادق الدعوية في غضون ثلاث سنوات فقط من إقامته بإمريكا إدخاله أكثر من 700 أمريكي بصورة مباشرة و1000 أمريكي بصورة غير مباشرة إلى الإسلام، وكان أسلوب الدعوة لدى المفتي مُحَمَّد صادق عن طريق الكتابة الأكاديمية والمحاضرات حيث قام بتأسيس أول مجلة إسلامية بعنوان “شروق شمس الإسلام Moslem Sunrise” وهي أول مجلة إسلامية دعوية في الولايات المتحدة والأطول صدوراً هدفها نشر الإسلام في أمريكا والرد على المطاعن الموجّهة ضد الإسلام والمنشورة في الصحف الأمريكية، وهذا يذكّرنا برؤيا المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام حول الشروق في وجه المفتي مُحَمَّد صادق ووجهه هو عَلَيهِ السَلام، فتحقّقت الرؤيا حول شروق وجهيهما في شروق الإسلام في الغرب، فكان شروق الشمس وطلوعها من مغربها أي الغرب مصداقاً لرؤيا شروق وجه المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام وخادمه المفتي مُحَمَّد صادق رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. وكان صدور أول عدد من مجلة “شروق شمس الإسلام” في 1921 أي بعد رؤيا المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بعشرات السنين.
كتب المفتي مُحَمَّد صادق أكثر من 20 مقالة علمية إسلامية نشرت في مجلات وصحف شهيرة في الولايات المتحدة ومنها النيويورك تايمز. وكان المفتي مُحَمَّد صادق قد قام بشراء قطعة أرض في “شيكاغو” ليبنيها داراً له ثم سرعان ما قام بتحويلها إلى مسجد للدعوة والصلاة، وتمكّنَ أيضاً من إدخال ألف وسبعمائة أمريكي إلى الإسلام وكذلك تمكّن من تحويل أكثر من 40 مقبرة مسيحية إلى مقبرة للمسلمين عن طريق نشر دعوة الإسلام حسب المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام، ومن بين مئات الداخلين الجدد إلى الإسلام القسيس الشهير “الأب ساتن Reverend Sutton” الذي أصبح اسمه لاحقاً “عبد السَلام” وغيره من الشخصيات البارزة.
شروق الإسلام والأحمدية أنجح فرقة إسلامية في أمريكا
فيما يلي مقتبس من قول البروفيسور “ويليام مانينغ مارابل William Manning Marable” أستاذ التاريخ والدراسات الأفروأمريكية في “جامعة كولومبيا Columbia University” ومؤسس “معهد الدراسات الأمريكية الأفريقية”، والحاصل على “جائزة بوليتيزر للتاريخ Pulitzer Prize for History” عام 2012. حيث يقول الأستاذ “مارابل” في كتابه الذي ألفه حول سيرة الناشط والداعية الأمريكي الشهير “مالكوم أكس Malcolm X” ما يلي:
“على صعيد الفكر الديني، كانت الطائفة الأكثر نجاحاً في أميركا هي الجماعة الإسلامية الأحمدية التي أسسها حضرة مرزا غلام أحمد (1835-1908) في البنجاب. … وقد كان أوّل إنجاز للجماعة الإسلامية الأحمدية في أمريكا بين عامَي 1921 و 1925 حينما تمكَّنَ المبشر الأحمدي الأول من قاديان “المفتي محمد صادق” تمكَّنَ مِن إقناع أكثر من ألف أميركي بين البِيض والسود بالانضمام إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية في شيكاغو وديترويت. وفي يوليو 1921 قام المفتي محمد صادق بتأسيس أول صحيفة إسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية وهي “شروق شمس الإسلام”.” (كتاب: Malcolm X: A Life of Reinvention)
ونقرأ ما قاله المؤلف والمؤرخ الأمريكي ريتشارد برينت:
“الجماعة الإسلامية الأحمدية هي أقدم جماعة مسلمة في الولايات المتحدة الأمريكية لا زالت موجودة إلى الآن. يُعتبر المسلمون الأحمديون من أوائل المبلّغين بالإسلام في أميركا، وكان الأول هو المفتي مُحَمَّد صادق، حيث تمكّن بين عامي 1921-1925 من تحويل أكثر من 1000 أميركي إلى الإسلام. على الرغم من أنَّ الجهود الأحمدية كانت تشمل عرقيات مختلفة واسعة، إلا أنَّ إدراك الأحمدية لحجم التوتّر بين العرقيات والتمييز العنصري المتأصل في أميركا آنذاك جعل مبشّري الأحمدية يركزون جهود التبليغ على الأمريكيين الأفارقة والأقلية المهاجرة من المسلمين، فأصبح دعاة الجماعة الإسلامية الأحمدية وجمهورها من المُنظّّرين والدعاة الأقوياء لحركة الحقوق المدنية للإنسان.” (كتاب: الإسلام في تاريخ الأمريكيين الأفارقة، للمؤلف ريتشارد تيرنر برينت، الصادر عن جامعة إنديانا الأمريكية. Islam in the African-American Experience By Richard Brent Turner pg.124-5, 130.)
وأخيراً لنقرأ ما نشرته إحدى الصحف الأمريكية المعروفة بتاريخ 1922 وهي ترتعد من دخول الإسلام عبر الجماعة الإسلامية الأحمدية إلى الولايات المتحدة الأمريكية فقامت بنشر صورة لحضرة “مفتي محمد صادق ؓ” الذي أرسله المُصْلِحُ المَوْعود الخليفة الثاني للمسيح رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لنشر الإسلام في أمريكا، حيث كتبت الصحيفة في خبرها الرئيس ما ملخصه:
“انهضي يا أمريكا المسيحية فقََدْ زحفَ عليك المُحَمَّديون (أي أتباع مُحَمَّدٍ ﷺ) بكلّ عزمٍ وقوّة لتحويلكم إلى الإسلام ! على الرغم من تخصيص ملايين الدولارات من ميزانية الأمة الأمريكية سنوياً لنشر الأناجيل ألا إنَّ المُحَمَّديين عازمون في حملة عدوانية على تحويلكم إلى الإسلام وبناء المساجد مكان كنائسكم !” (The Ogden standard-examiner. Ogden, Utah, June 25, 1922, The Standard – Examiner Sunday Feature Section, Page 8, Image 36)
إذاً أشرق الإسلام في أمريكا بالفعل وتحقّقت رؤيا المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام مثل فلق الصبح وبالذات في صحابيه المحترم مفتي مُحَمَّد صادق رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عبر مجلة اسمها “شروق شمس الإسلام” ! فهل هذا صدفة ! وهل يحقّق الله تعالى إلا رؤى الصادقين الذين بشَّرَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بأنهم سيرون الرؤى الصالحة الصادقة في آخر الزمان فلا تكذب وتتحقّق بوضوح كقوله ﷺ: “إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ تَكْذِبُ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ، وَأَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثًا، وَرُؤْيَا الْمُسْلِمِ جُزْءٌ مِنْ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ.” (رواه مُسْلِم).
واللبيب تكفيه الإشارة
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ