من الذي يحق له الحكم على الحديث الشريف؟
لا شك أن مبدأنا نحن الجماعة الإسلامية الأحمدية هو أن الحديث الشريف يجب أن يُعرض على القرآن الكريم، فما وافق منه القرآن يؤخذ، وما لم يوافق يُترك، ولكن من الذي يحكم في موافقته أو عدم موافقته؟ وهل هذا من صلاحيات كل فرد في الجماعة؟
أولا، يجب أن يكون واضحا، أنه لا يجوز لأحد في الجماعة أن يحكم في هذا الأمر، بل يجب أن يرفع رأيه في حديث ما، لا يراه صحيحا، ويراه يتصادم مع القرآن الكريم، إلى خليفة الوقت، والخليفة هو الذي سيحكم بصحة موقفه من عدمه. وهذه هي الوحدة التي تمتاز بها الجماعة الإسلامية الأحمدية والتي تخلو من غيرها من الجماعات والفرق.
وثانيا، إن الفقه واستنباط الأحكام ليس في وسع عامة الناس، وهذا أمر معروف، وقد شدد عليه المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام وذكره مرارا. فقد يكون إنسان بارعا في فنٍّ ما، ولكنه لا حظَّ له إلا قليلا في فنٍّ آخر، وهذا معروف بسبب اختلاف طبائع الناس ونشأتهم وتكوينهم. فما قد يرفضه شخص بناء على وجهة نظره يكون صحيحا ولا مشكلة فيه. فيجب أن يتمتع الجميع بسعة الصدر، وألا يتخذ أحد موقفا حديا تجاه حديث ما، بل يجب أن يحاول فهمه ما استطاع وفقا للقرآن الكريم، فإن عجز عن ذلك فليتركه ولا يعلق عليه ويفوض أمره إلى الله.
عدم الإساءة لأقوال رسول الله
والواقع أن المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام قد حذر من إساءة الأدب مع الحديث الشريف، وقال بأننا يجب أن نحترم كل حديث نُسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقد يكون بالفعل هذا الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم، وإن كان فيه بعض الإشكاليات الناجمة عن الخلط والخطأ في الرواية، فهذا لا يعني أنه يجب تركه نهائيا أو مهاجمته، بل سيُستخلص منه ما يفيد ويُترك ما لا يُفهم أو ما هو غير مناسب. فمقام الأدب والحكمة يتطلب التأني وعدم التطاول على الحديث بتسرُّع. وليتذكر كل واحد أنه كيف سيقف أمام النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة إذا كان قد هاجم كلاما لحضرته كان قد قاله كله أو جزءًا منه بالفعل؟ هذا موقف يجب أن يخشاه كل متقٍ قبل أن يتكلم عن حديث أو يهاجمه أو يرفضه.
وهذا لا يعني أنه لا يحق لأحد التفكر في الحديث أو استخلاص العبر منه، بل المقصود أنه فيما لو اختار أحد من الإخوة حديثا وحاول عرضه أو فهمه أن يتكاتف الإخوة في محاولة استخلاص ما هو حسن فيه ويتركوا مهاجمة الحديث أو التعليق عليه فيما لو لم يروه موافقا للقرآن حسب ظنهم. ويمكن أن يحتفظوا بأفكارهم وآرائهم الشخصية في صدورهم، كما يمكن أن يرسلوها إلى خليفة الوقت إن رأوا ذلك ضروريا. ولكن إلى أن يحكم فيها حضرته، فيجب أن ينسوها ولا يحدثوا بها أحدا.
لقد تبرأ المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام من الذين يتسرعون في مهاجمة الحديث الشريف والذين يستهينون به، وقال إن هذا يناقض تعليمه، وبيَّن ذلك واستنكره في مواضع كثيرة. لذلك فإن ردَّ أي حديث من قبل أي أحمدي لا يكون مشفوعا بموافقة الخليفة نصره الله لا يُعتبر موقفا رسميا للجماعة الإسلامية الأحمدية بل موقفه الشخصي، الذي ما كان ينبغي عليه أن يصرح به أصلا خلافا لنظام الجماعة.
نسأل الله تعالى أن يهدينا إلى سبيل الحق، وإلى حُسن اتباع المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام والخلافة، آمين.