عجائب المعترضين
من عجائب ما جاء به المعترض المرتد عن الجماعة، عندما كان يواجهه بعض الإخوة بالآية الكريمة:
{ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ } (غافر 29)
تلك الآية التي جاءت على لسان مؤمن فرعون- والتي يقول فيها أن عليكم ألا تبحثوا في كذب موسى الذي تفترضونه بل انظروا في صدقه الذي ثبت بالنظر في آياته التي سترون تحقق بعضها ولن تتمكنوا من رؤية أو فهم بعضها الآخر، لأن هذه هي طبيعة الآيات – تراه يقول بأن مؤمن فرعون لم يدعُ قومه إلى الإيمان بموسى بل حاول أن ينقذه من القتل، والدليل عنده هو أنه هو بنفسه يكتم إيمانه فكيف سيدعو غيره إلى الإيمان؟!!
دعوة المؤمن بشجاعة
ولا أقول إلا أنه يكفي أن يقرأ أي شخص هذه الآية وما بعدها ليدرك بطلان هذا القول وليرى أن مؤمن فرعون لم يدعُ قومه إلى الإيمان دعوة خجولة، بل قد شدَّد عليهم وأطال في الحديث وحذَّرهم من الكفر، وذكَّرهم بموقفهم تجاه يوسف عليهم السلام من قبل، وأمرهم بأن يتبعوه ويؤمنوا كمثله، وتأسف على أنه يدعوهم إلى الإيمان والنجاة وهم يدعونه إلى الكفر وإلى النار، وكانت حجته بالغة حتى إن فرعون عجز أمامها ومارس ديكتاتوريته وقال:
{قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ } (غافر 30)
ودليل عجز فرعون عن الرد على منطق هذا المؤمن نراه أراد أن يبطل فرعون برهان هذا الرجل عمليا بأن يأمر هامان بأن يبني له صرحا لعله يطَّلع إلى إله موسى!
وفي النهاية نجد هذا المؤمن يتأسف على قومه ويقول إنهم سيذكرون قوله:
{فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} (غافر 45)
أما أنه كان يكتم إيمانه، فهذا يعني أنه إلى ذلك الحين لم يجد مناسبة لدعوة قومه بهذه الصورة، فعندما حانت فرصة الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة استغلَّها ودعاهم بكل قوة، ولم يكن قد تغيَّر شيء في ظروفه من قبل أو من بعد، إذ لو كان يخاف فرعون لما قال كل هذا أمامه، بل إن هذا الظرف الذي اختاره كان أخطر ظرف يمكن أن يعترض له على الإطلاق.
فهل بقي لهذا المعترض المرتد من حجة؟
الجبن شيم المنافقين
والأعجب أن هذا المعترض المرتد لم يكتف بفهمه المنحرف لهذه الآية بل تراه شبَّه بقاءه في الجماعة لسنوات يبطن الكفر ويظهر الإيمان بحالة مؤمن فرعون!! فلا ردَّ على هذا القول إلا أن مؤمن فرعون لم يكن خائنا حتى لقومه الكفرة، وواضح أنه لم يكن يسجد لآلهتهم أو يقرُّ بألوهية فرعون، بل كان ناصحا أمينا لهم كما ينبغي أن يكون المرء حتى وإن خالفوه في الدين، وقدَّم صورة رائعة للمؤمن في قوم ليسوا بمؤمنين. أما حالته هو فهي الحالة التي لا تسمية لها إلا النفاق ومن ثمَّ الخيانة بارتكاب السرقة وإساءة الائتمان ثم التمادي في شهادة الزور باستخدام موادَّ مزورة ومحرَّفة ومقطوعة من سياقها يقدِّمها كأنها مسلَّمات عقلية قطعية تثبت كذب من كان يعلن إيمانه به إماما مهديا ومسيحا موعودا إلى سنوات طويلة، وبذلك يسيء لنفسه إذ يقدِّم نفسه أنه كان مخدوعا بالمسلَّمات كما يدَّعي، مما يعني أنه كان يجمع السذاجة إلى الخيانة.
لا شك أن هذا المعترض قد تحققت فيه نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال عنه وعن أمثاله:
{يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ} (صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن)
ولقد أخطأ خطأ فادحا بمحاولته الاستدلال بالقرآن الكريم، لأن القرآن الكريم ليس لن يسعفه فحسب، بل إنه سيثبت كذبه وكذب كذاب وجانٍ في كل حين، وصدق المسيح الموعود والإمام المهدي عليه الصلاة والسلام إذ قال في وصف القرآن الكريم:
يسكِّت كلَّ مَن يعدو بضغنٍ … يبكّت كلَّ كذّاب وجاني