بسم الله العلي الودود
الحمد لله ولي النعمات، ومجير العثرات، الحمد لله ولي حمده والعلي عرشه والذي لا تطال سماواته، الحمد لله الذي أنار القلوب بعد العتمة وقلب ضعف الاجساد الى همة وحول قلب عبده المفتون بدنيا المنون الى جوهر مكنون اضاء به من دار وبارك بكلمته الأبرار وجعله هاديا بعد الضلال ومهديا بعد العلال، الله العظيم الفعال منتهى الأقوال ونهاية الأفعال الولي بمداراته والجليل بشانه الكبير باحاطته العليم بقدرته المجيد بكرمه. الحمد لله الذي له الأسماء والنعوت والحمد لله الذي لا تغيب عنه ما تضمره النجوى أو يلفه السكوت.
والصلاة والسلام على إمام الثقلين وواصل الحرمين المحمود في السماء المطلوب في البلاء والمرتجى عند باب الودود في السراء والضراء، الخاتم بلا انقضاء والموحى اليه بلا انقطاع سر أسرار العارفين ومنتهى الطالبين إمام الملة وهادي الملة قمرها المنير وسراجها المجير، منارة الهدى وصولجان العُلى الشجرة الغناء والصخرة الصماء التي تكسرت عليها يراع الكافرين وسيوف الحاقدين وسهام المنافقين.
أما بعد فإن الله استعمرنا في هذه استعمارا وأوجدنا أجيالا ليرى ما نقدم من أفعال وما نضمر من أسرار وكانت قصة الايمان متكررة في كل البلدان ففيها يكرم المرء أو يهان أو ينكسر كالعود الجاف أو يعلي شأنه الإيمان فأفهم من أم القرآن قصة أبيك وتعلم منها ما تعلمه الديك وانسج إيمانك بخيوط الحرير ولا تقيم بيت العصيان فهو أهون البيوت وتذكر في هذا مثال العنكبوت الذي ضربه الله بين المثالات
مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ۖ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ ۖ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ
فأفهم قبل أن تداس وتمسك بسفينة نوح قبل الطوفان فمن سنة الله أنه لا يقيم إلا للحق فسطاطا واحدا وللهداية سلما فريدا فطريق الحق مستقيم واحد وما دونه الزيغ والهلاك فلا مهادنة مع المنافقين
وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون
ولا ركون الى الظالمين ولا تكن كالتي نقضت العهود والإيمان فتكون ممن أشار اليه القرآن
وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ ۚ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ ۚ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ
ولا تكن كبني اسرائيل الذين لم يرتضوا بالسبيل الواحد والنبي الواصل فطالبوا بالمزيد فقالوا فيما ذكره احسن البيان
وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ
فرضوا بنبات الأرض بعد أن كانت ترزقهم السماء
وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ ۖ كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ۖ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
فما رضوا بالنازل من السماء وجابوا يبحثون في دقائق التراب عن جيف العلوم وفساد الفهوم، فكان مصيرهم الهبوط لا الطيران يقول المولى الديان بعد أن رضوا بالتربان
اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ ۗ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ۗ
فيا ربي لطفا بقلبي الذي هلك على آثارهم وبخع نفسه على تفلتهم فهي والله بذرة العصيان التي تمزج ببني الإنسان فالويل لمن سقاها والعاقبة لمن عصاها فقال المولى في كتابه الكريم عن أول العصيان في الشريرين
ثم أبى وأستكبر ولم يكن مع الساجدين فكان هذا هو الكفر الأول بخليفة الديان ومن بعده يعقبه كفر ونفاق وفسوق وتفلت في الأخلاق وهو ينشئ بتربة الإيمان وقد يسقى من ماء السماء كما تسقى نباتات الأرض من الأشواك من فيض السماء فهو كفر الساجدين وعدم اصطبارهم على ان يكونوا بين الطائعين فقال محذرا النفس من التطلع الى غير الجماعة
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا
فالله يورد اتباع الهوى وسلطان الدجى موارد الهالكين ويكلهم الى اتباع امام الغافلين ابليس زمانه حتى ينفرط أمرهم ويتفتت عودهم وتذهب ريحهم فهذا ابليس يوقد ناره بين الساجدين ويزين لهم السيح والتوهان والشطح والهيمان فمالوا وان نالوا وخسروا وان هاموا واعوجوا بعد العدلان واتبعوا كل شيطان مريد وشقوا الصف بحجة التحرر والركون وعدم التسرع وابعاد الظنون فاتبعوا من لم يرزقه الله حسن البيان وصنعة اللسان وشيع عنه سيء الطباع واصحابه أشبه بالضباع فما عرف إليهم الاخلاص طريقا ولا الوحدة مصيرا فكانت معيتهم معية الكافرين فقلوبهم شتى وارائهم ما طالت الزبى
تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ
فما لهم من الفتيا دليل ولا رأي ولا تبصير فهم ينعقون كالغربان ويتهافتون على القصعة كالعميان فما أقام الله لهم راية ولا سدد لهم رواية ولا حقق لهم غاية فكانوا في الركب كالعليل وفي السير كالهزيل فأراد الله إخراجهم وكره انبعاثهم فطردوا من السفينة بعد الركوب وارتضوا الضيق على السهوب وهذا مآل الخاسرين الذين عصوا إمام الزمان وبخسوا العلى ورضوا بالهوان فأقام الله لهم صرحا موقوتا وصيتا مضمورا ارصادا وتفهيما وتعبيرا وتعليما
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ ۚ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ ۖ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
فهؤلاء الضرار الذين في ركاب المؤمنين ينسلون وبين احشائهم يتربون فيظهرهم الله باظهار نواياهم وباخراج خبائثهم فيقول
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ
فيظهر الله في جماعة المؤمنين المنافقين ويعلي شأنهم إلى حين لميز ما خبث من الزرع وطاب ويحق القول على الكلاب ويؤجلهم إلى أجل معلوم حين تقوم الساعة فلا تغني ما تقدم من عملهم ولا تزجى لهم بضاعة وسيكونون كعصف مأكول بعد أن يرميهم بالأبابيل ومن قبله بالشهاب الثاقب فاذكر ما قيل من زمان قبل أن يفوتك الزمان وتأتي على أرضك الجرذان فتكيون صيدا للطاغين وفريسة للغاوين
هذا والله بياني وليس لي بك من الله غاية إلا إنك كسرت ما اتصل وقطعت ما أنوصل واثرت البعد بعد أن كنت القريب