قال المسيح الموعود عليه السلام عن التدخين: “لو كان في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم لكرهه ولما أحبه لأصحابه“. وقال أيضا: “لا شك أن الشرع لم يذكر شيئا عن التبغ ولكننا نعد استعماله مكروها إذ لو كان في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم لمنع من استعماله“. وقال عليه السلام عن التدخين: “إنه عمل سخيف ولا فائدة منه“.

لا شك أن عادة التدخين تنضوي تحت بند اللغو الذي أمرنا كمؤمنين أن نعرض عنه، ولا شك أن الإقلاع عن أي عادة ومنها التدخين يحتاج إلى عزيمة وتوفيق من الله تعالى ولو اتقى المرء ربه حق تقاته لجعل له مخرجا ولخلصه من عاداته السيئة ولرفعه ورقاه. أورد هنا مترجما من الإنجليزية ما ذكره إمام مسجد فضل سابقا- بشير أحمد رفيق- عن قصة إقلاعه عن التدخين التي كتبها في سيرة حياته، سائلا المولى عز وجل أن يعين كل من ابتلي بهذه العادة السيئة أن يقدم بعزم على التخلص من هذه العادة المضرة، وشهر رمضان المبارك الذي نحن فيه هو فرصة مواتية تماما لذلك:

كانت لفافة التبغ الأولى تلك أساس عادة تدخيني التي استمرت لعشر سنوات متتالية. لقد نشبت تلك العادة السيئة أظفارها بي وما استطعت على محاولاتي العديدة التخلص منها. وتدريجا تصاعد تدخيني إلى 40 لفافة يوميا. وفي أيام الكلية أصبحت تكلفني بما يفوق مصروف جيبي، ولتغطية نفقاتي الزائدة كنت بعذر أو بآخر أطلب من والدي المزيد من المال. وقد استمرت هذه العادة السيئة ما بين عامي 1945 و1958. وكما الأرضة أخذت هذه العادة تقرض روحانياتي وبالوقت نفسه تضر بصحتي. وفي عام 1953 أثناء فرض قانون الطوارئ في لاهور حُصرنا في أبنية الكلية، وعندما كان حظر التجول يرفع لساعة كان الطلاب الآخرون يُهرعون خارجا للتموُّن بالغذاء ولكني كنت أعنى فقط بمئونتي من التبغ. وفي عام 1948 خدمت متطوعا في جبهة كشمير. كنا نقصف طول النهار وفي الليل كنا نكلف بالحراسة. كان الطعام شحيحا ولكني ما كنت مهتما بالطعام إذ كان همي الوحيد هو كيفية حصولي على لفافات التبغ. وقد دفعت في ساحة المعركة أحيانا ما يقارب 5 روبيات مقابل عبوة لفافات تبغ التي ما كان ليزيد ثمنها عن روبية واحدة في لاهور أو بيشاور. وبذلك كان مالي المجني بشق النفس يبذَّر على مادة مضرة. واستمررت في تلويث ذهني بالدخان وبمرور الزمن تعاظم تدخيني.

في عام 1958 أخبرني سكرتير أمير المؤمنين الخاص أن خليفة المسيح الثاني يرغب في رؤيتي. كنت على دراية بحدة حاسة الشم عند الخليفة الثاني ولذلك قمت قبل مقابلته بتنظيف طبقة القطران الصفراء من على أصابعي وغسلت يدي بالصابون والمعطرات وارتديت ثيابا غُسلت مؤخرا وتعطرت أيضا وحرصت على ألا يكشف الخليفة أي أثر للتبغ منبعثا من ملابسي أو جسدي. في تلك الأيام كان الخليفة يستقبل الزائرين في مكتبه الكائن في الطابق الأول. فصعدت الدرج وأُخلت. أعطاني الخليفة بلطفه بعض التوجيهات العامة، وفي نهاية اللقاء وبعد أن صافحته وكنت على وشك المغادرة طلب مني أن أنتظر قليلا؛ فجلست. وفجأة سألني:

كم لفافة تدخن في اليوم؟

للحظة ظننت أن عطوري قد تبخرت من جسدي، وكنت قلقا جدا. فبعد الجهود الجبارة كلها التي بذلتها لأخفي سري صدمت أن ما خلته سرا ما عاد سرا. وما كنت لأتصور أن أنكشف بهذه الطريقة. فقلت:

“سيدي، إني أدخن كثيرا”

فسألني عن عددها فأجبت أني أدخن منها 40 يوميا. فدهش بشدة وأخذ يكرر مرتين أو ثلاث مرات:

هل تدخن فعلا 40 لفافة يوميا؟!

غارقا في خجلي مطرقا رأسي خجلا، قلت: “نعم”.

فقال: “إنك تحمل شهادة ثانوية وشهادة شاهد وأحسبك شابا ذكيا، فمن المؤكد أنك وجدت بعض المنافع في التدخين، فأرجو أن تخبرني عن بعضها كي أزداد معرفة بها.

فأجبت مطرقا رأسي بخزي:

“سيدي، لا فائدة فيه البتة.”

فقال: “إذن لماذا لا تزال متورطا في عادة باطلة كهذه، التي إضافة إلى كونها سخيفة ودون فائدة هي واضحة الأذى. أنى لنا تصوُّر شاب مثقف يرتكب عمدا فعلا غريبا كهذا مدمرا به صحته؟

ثم قال:

لقد قرأت مؤخرا مقالا في مجلة “ريدرز دايجست” أن عضوا في فريق متسلقي الجبال الأوروبيين الذي عزم على بلوغ قمة جبال الهيمالايا قد مات فقط لأن مدخراته من لفائف التبغ قد نفدت وما استطاع تحمل تلك الصدمة.

ثم أضاف:

لقد فكرت كيف أن شخصا بارعا في تسلق الجبال وكان يحاول أن يبلغ قمة الهيمالايا، قد لقي حتفه لمجرد عدم توفر لفافات التبغ.

وقال أيضا:

إن التدخين بالإضافة إلى تدمير صحة المرء يزيد من نسبة السرطان. التدخين يعطب القلب والعقل، كما إنه يفرض عبئا ماليا. لو أن المرء صرف عُشر ما يصرفه على التبغ في تغذية متوازنة لحفِظ ماله ولتحسنت صحته أيضا.

وبعد هذه المحادثة سألني أمير المؤمنين: “هل أنت مستعد بجد للإقلاع عن هذه العادة؟

فقلت: “سيدي إني راغب بجد في الإقلاع عن التدخين. لقد حاولت جاهدا أن أقلع عن هذه العادة المضرة لكني فشلت.” وذكرت بيتا من الشعر في الأردية أن هذا الكفر (العادة السيئة) صعبٌ التخلي عنه وأن عزمي قد خار مرارا. فقال أمير المؤمنين: “إن عزمت بصدق، مع الدعاء، ووعدتني أن تقوم بما أقوله لك فإن شاء الله ستتمكن من الإقلاع عن هذه العادة السيئة.”

فوعدت أن أنفذ تعليماته. فقال:

إن الذين يقررون ترك التدخين غالبا ما يظنون أنه بإمكانهم التخلص من هذه العادة إن امتنعوا عن التدخين بعد أن ينهوا العبوة التي في جيبهم أو بالتقليل التدريجي لما يستهلكونه من اللفافات يوميا. ولكن هذه الطرق غير ناجعة البتة. أنصحك عندما تنزل أن تسحق تحت قدمك عبوة لفافاتك التي قد تكون خبأتها في مكان ما. عليك أن تنزل من هنا بعزم صميم ألا تلمس لفافة بعدها أبدا. والجزء الثاني من نصحي ألا تذهب لمدة أربعين يوما قرب مكان شرائك التبغ عادة، عليك ألا تمر من جنبه أيضا. والجزء الثالث من نصحي أن تمتنع إن أمكنك من لقاء أصدقائك المدخنين، وإن تعذر ذلك فعليك أن تذهب اليوم وتعلن أنه وفقا لتعليماتي فإنك أقلعت عن التدخين، وقل لهم أن من يحاول منهم إقناعك بالعودة للتدخين سيكون مذنبا بعصيانه أوامري وأنك بنفسك ستذكر لي اسم هذا الصديق. والجزء الرابع من نصحي أنه عادة ما تمس الحاجة للتدخين بعد الوجبات أو بعد أكلة ما، فعليك أن تبقي في جيبك بعض الحبوب المحمصة؛ فعندما تشعر برغبة في التدخين كلْ من الحبوب وبذلك تخف الرغبة في التدخين.

وفي النهاية قال أمير المؤمنين: “عليك أن تتبع هذه التعليمات مدة 40 يوما. وبعد 40 يوم جئني وأخبرني بصدق ما حدث.

قبل مغادرتي وعدت أن أنفذ تعليمات الخليفة بحذافيرها.

أصبحت حالتي مزرية في الأيام الأولى؛ إذ غدوت ضجرا وعصبيا كل الوقت، وما كنت أستطيع التركيز على أي مسألة، ولكني بقيت مصمما على المحافظة على وعدي. وبعد 10 أو 12 يوما خفت تدريجا رغبتي في التدخين. وبعد 40 يوما كنت قد نسيت تماما أني كنت مدخنا. وفي اليوم 41 ذهبت لأمير المؤمنين، وفور دخولي سألني:

هل كانت وصفتي ناجعة؟

فأجبته قائلا: “سيدي، نعم مئة بالمئة”

فقال بصوت عال: “الحمد لله!”

وسألني عن شعوري بعد تركي التدخين، فقلت بأني كسبت بعض الوزن ولكني لا أعرف سبب ذلك. فقال: “لما كان التبغ ينقص حاسة الذوق قل طعامك، والآن بعد أن أقلعت عن التدخين تحسنت حاسة ذوقك. فزيادة واردك من الطعام تسبب في زيادة وزنك وهذا أمر طبيعي تماما.

(من سيرة حياة بشير أحمد رفيق، إمام مسجد لندن سابقا، الفصل 11)

About وسام علي البراقي

View all posts by وسام علي البراقي