وعد العصمة والحفاظة من القتل ثم تحققه آية قاطعة مبينة على صدق المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام
في كتاب “تذكرة الشهادتين” المنشور عام 1903 يقول المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام:
(ليكن معلوما أنه قد وردت في الصفحتين 510 و511 من كتاب “البراهين الأحمدية” النبوءات التالية:
“وإن لم يعصمك الناس، يعصمك الله من عنده. يعصمك الله من عنده وإن لم يعصمك الناس، شاتان تُذبحان. وكل مَن عليها فانٍ. ولا تهنوا ولا تحزنوا. أليس الله بكاف عبده. ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير. وجئنا بك على هؤلاء شهيدا. وفى الله أجرك. ويرضى عنك ربك. وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم. وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم. والله يعلم وأنتم لا تعلمون”.
أي أن الله تعالى سيحفظك من القتل وإن لم يحفظك الناس. ليحفظنَّك الله من القتل وإن لم يحفظك الناس. ففي ذلك إشارة إلى أن الناس سيسعون ليقتلوك سواء بأنفسهم أو بخداع الحكومة، ولكن الله تعالى سيخيِّبهم في جميع مكائدهم، ولقد قدّر الله ذلك، فمن سنّته أن هناك نوعين من الرسل لا يُقتلون، وإن كان القتل يُنيل المؤمن مرتبة الشهادة:
(1) الأنبياء الذين يأتون في بداية السلسلة، كمجيء موسى عليه السلام في بداية السلسلة الموسوية، وسيدنا ومولانا محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم في بداية السلسلة المحمدية.
(2) الأنبياء والمبعوثون الذين يأتون في نهاية السلسلة، مثل مجيء عيسى عليه السلام ومجيئي أنا.
والسر في ذلك – وإذ وردت في القرآن الكريم بشارة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – بقوله: {وَاللهُ يَعْصِمُكَ}، كذلك وردت في وحي الله الذي نزل عليّ بشارة لي بقوله: “يعصمك الله”- أن عصمة المرسَل في بداية هذه السلسلة ونهايتها كانت من مقتضى حكمة الله تعالى، لأنه لو استُشهد المرسَل في بداية السلسلة لوقع الناس في شبهات كثيرة، وذلك لأنه يكون بمنزلة لَبِنة أولى لتلك السلسلة. فلو أُبيد أساسُ السلسلة في مهده لكان الابتلاء فوق احتمال الناس، ولوقعوا في الشبهات حتما، ولاعتبروا المؤسس مفتريا، والعياذ بالله؛ فمثلا لو قُتل موسى في نفس اليوم الذي مثُل فيه أمام فرعون، أو استُشهِد النبي صلى الله عليه وسلم على يد الكفار في نفس اليوم الذي حاصروا فيه بيته لِقَتْله في مكة، لقُضي على الشريعة والإسلام في الحين، ولَمَا آمن بعد ذلك أحد. فبناء على هذه الحكمة لم يُستشهد موسى عليه السلام ولا نبينا صلى الله عليه وسلم رغم آلاف الأعداء العطاشى لدمهما. ولو استُشهد المرسَل في نهاية السلسلة لكان ذلك وصمة خيبة وخسران في نظر الناس. في حين يريد الله تعالى أن تكون نهاية السلسلة على الفتح والانتصار، لأن الأمور بخواتيمها. ولم يرد الله قط أن يفرح العدو الملعون عند نهاية السلسلة، كما لم يرد أن تُكسَر اللبنةُ الأولى لأساس السلسلة فيقفز العدو الملعون فرحا. لذا فقد أنقذت الحكمة الإلهية عيسى عليه السلام المبعوث في نهاية السلسلة الموسوية من الموت على الصليب. ولقد تمت المحاولات لهذا الغرض في نهاية السلسلة المحمدية حين رُفعت ضدي قضية زائفة بتهمة القتل كي أُعلق على الصليب. ولكن رحمة الله تعالى تجلت على هذا المسيح بوضوح أكثر من المسيح الأول، وأنقذته من عقوبة الإعدام، بل من كل عقوبة أخرى.
فباختصار، إن المرسَلان في بداية السلسلة ونهايتها يكونان بمنزلة الجدارينِ أو السدَّينِ، لذا فقد جرت عادة الله أن يحفظهما من القتل. مع أن الأشرار والخبثاء يبذلون كل ما في وسعهم لقتلهما، ولكن يد الله تعالى تكون معهما.)
(تذكرة الشهادتين)
==========================================
ونعلم أن المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام عاش بعد هذا الإعلان خمس سنوات كاملات، وكان هذا الإعلان بمنزلة دعوة لأعدائه من الهندوس والمسيحين والمشايخ المعارضين ليبذلوا مزيدا من الجهود لقتله لإثبات كذبه بكل بساطة، وهذا ما تبيَّن أنهم بذلوه مرارا وبجهود حثيثة، ولكن الله تعالى قد خيبهم وأفشلهم، فلم يتمكن العدو من قتله، بل مات ميتة طبيعية بين صحابته معززا مكرما، ثم دفن بكل إجلال وتعظيم ونشأت بعده سلسلة الخلافة الراشدة الثانية وتثبَّتت جماعته وخطت أولى خطواتها نحو الازدهار والتمكين. وقد علل حضرته السبب وراء وعد عصمته حتما من القتل في النص أعلاه، كما أنه ادعى أن الله تعالى هو من وعده بهذا الوعد.
والسؤال الآن للعقلاء الذين لديهم شيء من الإيمان بخالق مطَّلع مدبر للكون: كيف يمكن أن يترك الله تعالى متقوِّلا موعودا أصلا بالهلاك بالقتل على يد أعدائه أو بالهلاك بآفة سماوية تجتثه وتجثت جماعته إن كان كاذبا ليدعي فوق ذلك أن الله تعالى سيعصمه من القتل ثم لا يقتله الله تعالى خاصَّة؟!
لا شك أن من لديه ذرَّة من الإيمان سيرى في هذه الآية آية قاطعة على صدقه عليه الصلاة والسلام، تكون سببا للاطمئنان، وتكون سببا لنبذ كل الشكوك والشبهات الواهية والأباطيل والأكاذيب التي يحاول المعارضون نسجها حول حضرته عليه الصلاة والسلام. فهذه الآية تنسخ ما قبلها وما بعدها من أباطيل أرادوا إلصاقها بحضرته كما كانت آية فتح مكة للنبي صلى الله عليه وسلم التي أبطل الله بها كل ما تقدَّم من شبهات وأكاذيب أرادوا إلصاقها بالنبي صلى الله عليه وسلم من قبلها ومن بعدها، ولذلك قال الله تعالى له:
{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا } (الفتح 2-4)
فالذنب هنا هو ما أرادوا نسبه للنبي صلى الله عليه وسلم من أكاذيب وشبهات لا ذنبا ارتكبه حضرته بنفسه والعياذ بالله. ومعلوم أن هذه الآية كانت سببا لفتح أعين أهل مكة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم فآمنوا جميعا بسببها، لأنهم أدركوا أن الله الذي وعده قد أنجز وعده بينما خذلتهم آلهتهم التي لم تعدهم بشيء أصلا، ولم يعد ممكنا الآن طرح أية شبهة أو تهمة باطلة بحق النبي صلى الله عليه وسلم لأنه قد ثبت بطلانها تلقائيا.
ومن فضل الله تعالى أنه قد جعل هذه الآية للمسيح الموعود عليه الصلاة والسلام لتجبَّ ما قبلها وما بعدها من أراجيف وأكاذيب وشبهات بحيث يستدل بها المؤمن العاقل مهما كان بسيطا أو غير مطَّلع، وذلك وفقا لسنَّته مع أنبيائه ومبعوثيه وخاصة من يكونون في بداية سلسلة أو نهايتها أو من يكون تكذيبهم مدعاة لفتنة كبيرة بين الناس. وينبغي أن تكون هذه الآية كافية لكي لا يلتفت أحد إلى أية شبهة أو كذبة أو أُبطولة يماحك بها المعارضون أو يحاولون تقديمها متهربين من الآيات القاطعة التي على رأسها هذه الآية، لأن شمس صدق حضرته قد تلألأ، ليس بسبب هذه الآية فحسب بل بسبب أن الله تعالى قد أكمل وعوده مع حضرته وأقام جماعته ونشرها ولا زال ينشرها في العالم ولم يجتثها ويمحقها كما هو حال جماعات المتقوِّلين التي وعد باجتثاثها وأنجز وعده دوما.
لا شك أن هذه الآية واضحة تمام الوضوح، وغير قابلة للمماحكة والمجادلة، ولا يجادل فيها إلا ملحد لا يؤمن بالله تعالى ذلك الإله الحق القادر الذي يحقق وعوده كما ينتقم ممن يتقوَّل عليه. فهذه الآية فرقان مبين بين الحق والباطل.
والحمد لله رب العالمين