هل يعقوب هو إسرائيل؟
“حدثنا هشام بن القاسم، حدثنا عبد الحميد، حدثنا شهر، قال: قال ابن عباس: حضرت عصابة من اليهود نبي الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: حدثنا عن خلال نسألك عنهن، لا يعلمهن إلا نبي، قال: سلوني عما شئتم، ولكن اجعلوا لي ذمة الله، وما أخذ يعقوب على بنيه، لئن أنا حدثتكم شيئاً فعرفتموه، لتتابعني على الإسلام. قالوا: فذلك لك، قالوا: أخبرنا عن أربع خلال: أخبرنا أي الطعام حرم إسرائيل على نفسه؟ وكيف ماء المرأة وماء الرجل؟ وكيف يكون الذكر منه والأنثى؟ وأخبرنا كيف هذا النبي الأمي في النوم؟ ومن وليه من الملائكة؟ فأخذ عليهم العهد لئن أخبرهم ليتابعنه، فقال: أنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى، هل تعلمون أن إسرائيل مرض مرضاً شديداً، وطال سقمه، فنذر لله نذراً لئن شفاه الله من سقمه، ليحرمن أحب الطعام والشراب إليه، وكان أحب الطعام إليه لحمان الإبل، وأحب الشراب إليه ألبانها ؟ فقالوا: اللهم نعم: قال: اللهم اشهد عليهم . وقال: أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، الذي أنزل التوراة على موسى، هل تعلمون أن ماء الرجل أبيض غليظ، وماء المرأة أصفر رقيق، فأيهما علا كان له الولد والشبه بإذن الله، إن علا ماء الرجل ماء المرأة، كان ذكراً بإذن الله، وإن علا ماء المرأة ماء الرجل، كان أنثى بإذن الله؟ قالوا: نعم. قال: اللهم اشهد عليهم. وقال: أنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى، هل تعلمون أن هذا النبي الأمي تنام عيناه، ولا ينام قلبه؟ قالوا: اللهم نعم. قال: اللهم اشهد» قالوا: وأنت الآن فحدثنا من وليك من الملائكة؟ فعندها نجامعك ونفارقك، قال: وإن وليي جبريل، ولم يبعث الله نبياً قط إلا وهو وليه» . قالوا: فعند ذلك نفارقك، ولو كان وليك غيره لتابعناك، فعند ذلك، قال الله تعالى: {قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ} [البقرة: 97].”
(طريق أخرى) قال أحمد: حدثنا أبو أحمد الزبيري، حدثنا عبد الله بن الوليد العجلي، عن بكير بن شهاب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: أقبلت يهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا أبا القاسم، إنا نسألك عن خمسة أشياء، فإن أنبأتنا بهن، عرفنا أنك نبي، واتبعناك، فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على بنيه.. الحديث (وقد رواه الترمذي والنسائي، من حديث عبد الله بن الوليد العجلي به نحوه، وقال الترمذي: حس غريب)
وقال ابن جريج والعوفي عن ابن عباس: كان إسرائيل عليه السلام ـ وهو يعقوب ـ يعتريه عرق النسا بالليل، وكان يقلقه ويزعجه عن النوم، ويقلع الوجع عنه بالنهار، فنذر لله لئن عافاه الله لا يأكل عرقاً، ولا يأكل ولد ما له عرق، وهكذا قال الضحاك والسدي، كذا رواه. وحكاه ابن جرير في تفسيره، قال: فاتبعه بنوه في تحريم ذلك استناناً به، واقتداء بطريقه، قال: وقوله: {مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ ٱلتَّوْرَاةُ} أي: حرم ذلك على نفسه من قبل أن تنزل التوراة، قلت: ولهذا السياق بعدما تقدم مناسبتان (إحداهما): أن إسرائيل عليه السلام حرم أحب الأشياء إليه، وتركها لله، وكان هذا سائغاً في شريعتهم، فله مناسبة بعد قوله: {لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ}. (تفسير القرطبي)
كون يعقوب هو إسرائيل مسألة مجمع عَلَيْهِٰا في الإسلام وقال بها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم في الحديث والصحابة رضوان الله عليهم كابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة وآخرون من السلف والخلف من أهل التفسير والحديث. فلا شك في ذلك.
لننظر في الحديث التالي الذي ورد بطريقين:
- “حدثنا هشام بن القاسم، حدثنا عبد الحميد، حدثنا شهر، قال: قال ابن عباس: حضرت عصابة من اليهود نبي الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: حدثنا عن خلال نسألك عنهن، لا يعلمهن إلا نبي، قال: سلوني عما شئتم، ولكن اجعلوا لي ذمة الله، وما أخذ يعقوب على بنيه، لئن أنا حدثتكم شيئاً فعرفتموه، لتتابعني على الإسلام. قالوا: فذلك لك… الحديث“.
- (طريق أخرى للحديث) : “قال أحمد: حدثنا أبو أحمد الزبيري، حدثنا عبد الله بن الوليد العجلي، عن بكير بن شهاب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: أقبلت يهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا أبا القاسم، إنا نسألك عن خمسة أشياء، فإن أنبأتنا بهن، عرفنا أنك نبي، واتبعناك، فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على بنيه.. الحديث“. (رواه الإمام أحمد في مسنده، ورواه أحمد أيضاً عن حسين بن محمد، عن عبد الحميد به.)
فقد ورد في الأولى يعقوب وفي الثانية إسرائيل مما يدل على وحدة الهوية.
وقد ورد في التوراة ذلك أيضا ولم يرد في الإسلام ما ينافيه بل ما يثبته كما سلف ذكره.
“فَقَالَ: «لاَ يُدْعَى اسْمُكَ فِي مَا بَعْدُ يَعْقُوبَ، بَلْ إِسْرَائِيلَ (وَمَعْنَاهُ: يُجَاهِدُ مَعَ اللهِ)، لأَنَّكَ جَاهَدْتَ مَعَ اللهِ وَالنَّاسِ وَقَدَرْتَ».” (التكوين 32:28)
يعقوب هو إسرائيل من كتب المسيح الموعود
كذلك ذكر المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام في غير موضع بأن يعقوب عَلَيهِ السَلام هو إسرائيل، ومنها ما جاء في كتاب المسيح الناصري في الهند:
“وأما الدكتور Wolff الذي ظل يجوب لمدة طويلة بحثا عن القبائل الإسرائيلية العشر الضالة، فيرى أن الأفغان إذا كانوا من بني يعقوب فانهم من قبيلتي “يهوذا” و “بنيامين”.” (المسيح الناصري في الهند، ص ١٠٥، الباب الرابع، الفصل الثالث)
وكذلك ذكر عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام في الصفحة ١٠٧ من نفس الكتاب مقتبسا من كتاب تاريخي بأن يهودا هو أكبر ابناء يعقوب ثم يعدد ابناءه وأخيرا يقول بأن هؤلاء هم بنو إسرائيل. وايضاً ورد نص صريح في الصفحة ١١١ من نفس الكتاب يستشهد حضرته عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام من كتاب قال عَنْهُ عَلَيهِ السَلام في الحاشية بأنه من الكتب الموثوقة، وقد وردت فيه عبارة صريحة وهي “بيان تاريخ يعقوب الذي هو إسرائيل” !
فالدليل ثابت على أن يعقوب عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام هو إسرائيل كما فهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم والصحابة والتابعون وكذلك المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام. أما قوله عليه السلام في الصفحة ٥٨ من كتاب مواهب الرحمان:
” ثم بعد ذلك نقل النبوة من وِلْد إسرائيل إلى وِلْدِ إسماعيل”
فعبارة “من وِلْدِ إسرائيل” هي أكثر صواباً من “من وِلْدِ إسحاق” إذا ما نظرنا إلى المناسبة التي قيلت بها، فإن الوعد الذي قطعه الله تعالى لإسحاق كان في بني إسرائيل أي أنهم المقصودون والذين سوف يقولون وهم لا زالوا يفعلون إلى اليوم ويدّعون بأن النبوة انحصرت في بني إسرائيل فلا نبي من خارج بني إسرائيل، وهذا قول اليهود والنصارى على حد سواء، فأراد المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام أن يرد على هذا الإدعاء أن النبوة انتقلت من بني إسرائيل إلى بني إسماعيل ولا تقتضي المقابلة بل المناسبة للرد على زعم جاء فيه لفظ بني إسرائيل حيث لا يوجد في بني إسماعيل من قيل في حقه نهاية النبوة كما قال ويقول بنو إسرائيل.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ