وُلد المرحوم محمد حلمي الشافعي في 21 مارس/آذار سنة 1929 لأب أزهري. انضمّ إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية في ستينيات القرن الماضي إثر نقاشات طويلة مع الأستاذ مصطفى ثابت، حيث كانا يعملان في حقول البترول في سيناء. وقد أوقف المرحوم الشافعي حياته بعد التقاعد لخدمة الإسلام، فجعل جلّ وقته يترجم كتب الجماعة وخطب الخليفة، ويرد على الاعتراضات ويقوم بالجولات التبليغية في أوروبا وأفريقيا، ويحرر مجلة “التقوى”، ويترجم كلام الخليفة الرابع – رحمه الله- في البرنامج الشهير “لقاء مع العرب” الذي كان يجيب فيه أمير المؤمنين على الأسئلة الواردة.
علاقة المرحوم محمد حلمي الشافعي مع الخلفاء
التقى المرحوم بالخليفة الثالث -رحمه الله- حين شارك في الجلسة السنوية في ربوة، وكان الخليفة في ذلك الوقت مريضا، فيقول المرحوم عن مرض حضرته ومشاعر الأحمديين: “كنت أراهم يجتمعون للدعاء ويجمعون التبرعات للصدقة، عسى الله أن يشفيه ويعيده إليهم سالما …. لأول مرة أرى أناسا يبكون عندما عرفوا أن إمامهم مريض، وكانوا يدعون له بحرارة وبشدة. هذه العلاقة لا يجدها الإنسان حتى في أقربائه؛ ربما أبكي لأبي أو لأخي أو لابني .. كان الإمام أحبُّ إليهم من أولادهم وأهليهم.”
لقاؤه بالخليفة الرابع رحمه الله
يقول وهو يتحدث في حوار في قناتنا الفضائية عن استقراره في بريطانيا لخدمة الجماعة: “قابلت الخليفة الحالي- أطال الله عمره- فكلفني ببعض الأعمال. فكانت عندي فرصة أن أقابله وأجلس إليه. فعرفتُ ما هي الأحمدية حقيقةً، وتصورت المجتمع الإسلامي في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – … رأيت الجسد الواحد، ورأيت المسلمين في توادهم وتراحمهم …. في كل يوم أدخل في الأحمدية من جديد، لأني أجد شيئا جديدا يقربني من الأحمدية …. إن رداء الخلافة يضفي على الإنسان صفات لا يحس بها قبل ذلك. ومنذ بيعته وقع حبه في قلبي بوصفه الإمام وبوصفه خليفة سيدنا الإمام المهدي، ولشخصيته الرقيقة والطيبة … كان ملاكا طيبا وودودا. كلماته رقيقة وإن كانت هيبته موجودة على وجهه. وإني أتشرف بلقائه، وفي كل يوم يعلم الله كيف أزداد حبا له. وأتمنى أن يذوق المسلمون جميعا هذا الحب، لأن هذا الحب هو الذي يجمع المسلمين ويجعلهم جسدا واحدا.”
الخليفة الرابع يرثيه
وقد توفي الأستاذ حلمي على باب مكتب أمير المؤمنين بعيْد وصوله هناك لمقابلة حضرته في 23 رمضان الموافق 12 – 2 – 1996 بعد أن رجع من مصر إثر نوبة قلبية. وقد رثاه الخليفة الرابع -رحمه الله- أثناء درس القرآن في رمضان بتاريخ 14شباط/فبراير،فقال: “انتقل إلى رحمة الله أخ حبيب وإنسان فدائي، هو حضرة الأستاذ حلمي الشافعي، وسوف نصلي عليه صلاة الجنازة بعد قليل عندما أرجع لأصلي بكم صلاة الظهر.”
لقد شاهده كثير من الإخوة من خلال برنامج “لقاء مع العرب” على قناتنا الفضائية. كان الإخوة من كل أنحاء العالم يكتبون إليّ في رسائلهم أن الأستاذ إنسان رائع محبوب جدا، والحق أن هذا البرنامج يكتسب بهاء وحيوية بوجوده فيه، فالنفس ترتاح برؤية وجهه وإخلاصه، وحديثه وترجمته، وفصاحته وبلاغته. ولم يكن الإخوة الأحمديون وحدهم يثنون عليه خيرا، بل كنت أتلقى رسائل مدح وثناء من عرب غير أحمديين.
كان أسلوب بيانه جميلا جدا، وكنت أقول له: إنني أجد في ترجمتك لكلامي متعة لا أجدها في تراجم الآخرين، لأنني أشعر بأنك تترجم كلامي غائصا في نفسي. كان يبكي ببكائي ويضحك بضحكي، وكان يُخيّل إليّ كأن قلبينا يعزفان على وتر واحد. كان يترجم كلامي بنفس الطبيعة والمزاج اللذيْن كنت أتحدث بهما، فكان صوته يرتفع أو ينخفض بحسب عواطفي، وكانت أمارات الحزن بادية في وجهه عند حديث حزين، كما كان وجهه يتهلل فرحًا عند أمر سار. لقد وهبه الله ملكة خاصة في هذه الأمور. لقد فتح المرحوم بذلك بابا جديدا في حقل الترجمة. لم أعرف إلى اليوم مترجما ينسجم مع المتحدث تمامًا بأمارات وجهه، واختيار كلماته، وأسلوب كلامه. هناك مترجمون بارعون في جماعتنا بألمانيا، ولكن هذه الأمور خاصة بالمرحوم، ولأجل ذلك كان محبوبا جدا لدى جميع الإخوة في العالم“.
وأضاف حضرته: “لقد سافر الأستاذ في الفترة الأخيرة إلى وطنه مصر لبعض المهام، حيث أصيب بنوبة قلبية شديدة للغاية، ولكنه أصر على الأطباء بأن لا بد له من العودة إلى لندن، فرفض الأطباء طلبه بكل صرامة، وقالوا: لا يمكن ذلك؛ فصحّتك لا تسمح. ولكن يبدو أنه ألح في طلبه كثيرا حتى رضوا له بالسفر كارهين.
وأثناء وجوده في مصر ما كان يشاهد برنامج لقاء مع العرب إلا ويجهش بالبكاء، ويقول: يا ليتني أرجع مرة أخرى إلى لندن، وأجالس أمير المؤمنين لأترجم له. كان يعشق هذا العمل، وكان يحب خدمة الدين حبا جما، كان في مجال تراجم الكتب مثل التفسير الكبير وغيره من أنصار الله الفدائيين المخلصين من الطراز الأول“.
وبعد درس القرآن الكريم وصل أمير المؤمنين إلى دار الضيافة المجاورة لمسجد الفضل، حيث جثمانه الطاهر، فقبَّل وجهه في حب ورقة، ودعا له بضع دقائق، ثم حمل مع الإخوة التابوت إلى فناء المسجد، وصلى عليه الجنازة.
وقد دفن المرحوم -حسب رغبته- في المقبرة الأحمدية في “بروك وود” بغرب مدينة ووكنغ. (الفضل العالمية، 22 شباط/فبراير 1996)
أتذكر أنه حين وصل المرحوم من مصر إلى “إسلام آباد” بعد مرضه، بعث إليه الخليفة -رحمه الله- طبيبًا أحمديًا ليفحصه، فلما رفع الطبيب تقريره عن صحة المرحوم وصف له أميرُ المؤمنين أدوية وبعث له معي سلة جميلة من الثمار مع رسالة يقول فيها حضرته: “إنني أودّ عيادتك في بيتك، ولكن الأشغال الكثيرة المكثفة في رمضان لا تسمح بذلك، فاسترحْ في بيتك، إلى أن أزورك هناك بعد رمضان بإذن الله تعالى، وعندما تنتقل إلى بيتك الجديد بالقرب من مسجد الفضل فسأقوم بمعالجتك تحت رعايتي“. عندما قدمتُ له هدية أمير المؤمنين مع الرسالة بدأ يبكي ويقول: لماذا يحبّني أمير المؤمنين هكذا، هذا ما يقتلني.
إن معظم ما نُشر في مجلة التقوى منذ سنة 1990 وحتى وفاته كان بقلمه أو من تراجمه.
يروي عنه الأستاذ نصير أحمد قمر: قال لي مرة: “لقد أضعتُ معظم عمري في مشاغل الدنيا، ولا أدري كم بقي لي من العمر، لذلك أحب أن تصل هذه الكنوز الروحانية إلى يد العرب بأسرع ما يمكن … كان المرحوم يعمل 18 – 20 ساعة يوميا أثناء ترجمة التفسير الكبير وخطب أمير المؤمنين. وكان ينسى تناول الطعام مرارا، ويقول: لا أريد إضاعة الوقت في الأكل، بل أريد استغلاله في العمل.”