تعود بداية تاسيس الجماعة الإسلامية الأحمدية في إندونيسيا إلى العام 1925 في عهد الخليفة الثاني للمسيح حضرة مرزا بشير الدين محمود أحمد رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الذي أرسل الداعية والمبشر الأحمدي حضرة “رحمة علي” رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (1958-1893) والذي كان أحد صحابة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام أرسله إلى إندونيسيا حيث حطَّ الرِحال في جزيرة سومطرة، وقد انضمَّ للجماعة الإسلامية الأحمدية 13 مواطن إندونيسي فقط في الأيام الأولى. ثم ازداد العدد بشكل لافت حين دخل جميع مصلّي أحد المساجد إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية فتحول المسجد تلقائياً إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية وسُمّي بمسجد “بيت الرحيم” الذي يظهر في الصورة.

أما اليوم فيُقدَّرُ عدد المسلمين الأحمديين في إندونيسيا بأكثر من 400,000 (أربعمائة ألف) مواطن إندونيسي وفق إحصائيات 2014 (1)،

ووفق إحصاء المؤرخ الأمريكي “بروس ڤون” فإن عدد الأحمديين في إندونيسيا يُقدَّرُ بـ 500,000 (خمسمائة ألف) مواطن إندونيسي في العام 2014 (2).

قام حضرة رحمة علي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ببناء أول مسجد للجماعة الإسلامية الأحمدية في إندونيسيا في عام 1937، وكان خليفة المسيح الرابع ؒ هو أول خلفاء المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام الذي يزور إندونيسيا حين زار البلاد في يوليو من عام 2000 حيث وضع حجر الأساس لمسجد ومدرسة ثانوية جديدتين، والتقى حضرته بالرئيس الإندونيسي لقاء ودّياً للغاية ثم وجَّهَ حضرته خطاباً إلى الحشود الغفيرة من الشعب الإندونيسي عبر التلفاز، ونقلته الصحافة ومحطات الإذاعة الإندونيسية، وبعدها عقد حضرته مؤتمراً صحفياً حضره شخصيات مرموقة من ساسة وأطباء ومفكرين إندونيسيين.

يقول المؤرخ “أحمد نجيب برهاني” أنَّه ومنذ بداية تأسيس الجماعة الإسلامية الأحمدية في إندونيسيا بدأت شوكة المسلمين تشهد قوة ولأول مرة أمام موجات التنصير التي كانت مسيطرة قبل ذلك في البلاد حينما كان التنصير يبتلع المسلمين بسبب ضعف الفكر الديني في البلاد، فاستطاع المسملون بعد مناظرات الجماعة الإسلامية الأحمدية مع المُنصِّرين وهزيمتها لهم استطاع باقي المسلمين مواجهة حملات التنصير بحجة الاحمدية القوية المُفحِمة للمُنصّرين (3).

يقول المؤرخ B.J. Boland بأن قوة حجج الجماعة الإسلامية الأحمدية أثّرت كثيراً على التراث الديني الإندونيسي لدرجة أن أفكار وبراهين الجماعة الإسلامية الأحمدية خاصة في مواجهة التنصير بالحجج الدامغة أصبحت هي الأساس والمورد للفكر الديني العام في البلاد الذي أخذت تنهل منه جميع الفِرَق والجماعات الإسلامية بلا استثناء لتكوين منهجها في نشر رسالة الإسلام ومواجهة التنصير (4).

لهذا الموقف الشجاع كانت الجماعة الإسلامية الأحمدية تحظى بالإعجاب عند مسلمي إندونيسيا حتى أن الرئيس الأول للبلاد بعد الاستقلال السيد “سوكارنو” امتدح فكر الجماعة الإسلامية الأحمدية وعملها وطريقتها المثلى في إشاعة الإسلام ودحر الهجمات التنصيرية ضد الإسلام (4).

من بين الشخصيات الإندونيسية المهمة في التاريخ والتابعة للجماعة الإسلامية الأحمدية الموسيقار الإندونيسي الشهير “رودولف سوبراتمان” المولود في 1903، وكان دارساً للتراث الإندونيسي والتاريخ الأوربي بشكل خاص. كان “سوبراتمان” قد ألّفَ العديد من المقطوعات الموسيقية المعروفة في تاريخ إندونيسيا ولعب دوراً سياسياً ناجحاً في الثقافة الإندونيسية حتى أصبحت صوره رمزاً وطنياً تُنشَر في الطوابع الحكومية والأوراق النقدية، كما أنه هو مؤلف النشيد الوطني الإندونيسي الذي أقرَّته الدولة عام 1944 في عهد الرئيس “سوكارنو”، ولا زال إلى اليوم هو النشيد الوطني الرسمي للبلاد. وقد منحت الحكومة الإندونيسية لقب “البطل القومي” للموسيقار “رودولف سوبراتمان” نظراً لخدماته للبلد وهو اليوم أشهر شخصية في تاريخ إندونيسيا. توفي السيد “سوبراتمان” عام 1938 فتمت مراسم الدفن بموكب حكومي فخم وتم تخصيص مبنى رسمي ليضم جثمان الرمز الوطني الكبير وأطلق عَلَيهِ “مقام سوبراتمان البطل الوطني” حيث يزوره الإندونيسيون اليوم لتقديم الاحترام والتبجيل لأهم شخصيات بلدهم، وكذلك خصص له تمثال في حديقة العاصمة للتعريف بفنه ومواقفه الوطنية. (5).

كما يمكن الاستماع إلى النشيد الوطني الإندونيسي الذي ألَّفه وقام بتلحينه المسلمُ الأحمديُّ الراحل سوبراتمان رحمه الله من هنا.

منشورنا حول المرحوم سوبراتمان ضمن سلسلة شخصيات أحمدية تجدونه هنا.

بعد تعافي موقف الفرق الإسلامية في إندونيسيا بسبب مواجهة الجماعة الإسلامية الأحمدية للتنصير والتسبب في انحسار تأثيره عزف مشايخ الفرق والجماعات التي كانت تحتمي بالأحمدية بالامس عزفوا عن الاهتمام بالجماعة الإسلامية الأحمدية بل وبدأت سلسلة الاضطهاد ضدها تتصاعد يوماً بعد يوم وتصدر فتاوى التكفير والإخراج من الإسلام منذ ثلاثينيات القرن الماضي لغاية يومنا هذا وبدأت معها سلسلة حرق مساجد الجماعة الإسلامية الأحمدية ومنع الناس من الانضمام إليها ومعاقبتها وطرد الأحمديين من مساكنهم لدرجة أن وزارة الأوقاف والشؤون الدينية ووزارة الخارجية أصدرت بياناً قانونياً يمنع بموجبه نشر فكر الأحمدية في البلاد، والمخالف مُعرَّض لعقوبة السجن لمدة لا تقل عن 5 سنوات ! (6).

كان من أبرز الاعتداءات التي تعرّض لها المسملون الأحمديون هو الاعتداء الذي حصل يوم 6 فبراير عام 2011 حين هاجم حشدٌ يبلغ تعداده 1500 من المسلمين المتشددين حيّاً يسكنه بعض الأحمديين وقاموا بضرب الأحمديين وتخريب ممتلكاتهم قُتِل على أثرها ثلاثة أحمديين وجُرح خمسة آخرون فيما ترك الباقون منازلهم خوفاً من العنف عليهم وَعَلَى أطفالهم والحشد المسلح بالهراوات والحجارة وقناني النار يطاردهم ويهتف “اقتلهم اقتلهم !” ! (7).

 

لقد تعرّض المسملون الأحمديون ولا زالوا يتعرضون لأعمال عنف شبه يومية في عموم إندونيسيا ويُمنَعون من ممارسة حياتهم اليومية ويُطردون من منازلهم بأوامر من شيوخ المساجد المتشددين، وقد سُجّلَ أحد الخبراء الغربيين لافتة على أحد الطرق في العاصمة جاكارتا تقول “ممنوع على الأحمديين سلوك هذا الطريق” في خطوة غير مسبوقة للعنف والكراهية والتفرقة الدينية (8).

كذلك قامت السلطات الإندونيسية بإغلاق “مسجد النور” التابع للجماعة الإسلامية الأحمدية في العاصمة “جاكرتا” صباح يوم الأربعاء من شهر يوليو 2015 وذلك بعد خروج حشود من الأهالي والمشايخ قبل ذلك بأسبوعين في مظاهرة بالهراوات لمنع الأحمديين من إقامة صلاة الجمعة في المسجد المذكور مما حدا بالأحمدين إلى الصَلاة في ناصية الشارع. وأعرب مجلس العلماء والفتوى في إندونسيا عن ارتياحه وسعادته لقرار الحكومة بغلق المسجد بعد جهود طويلة لتحقيق هذا الهدف مبينين أن الجماعة الإسلامية الأحمدية غير مرحب بها في إندونيسيا.

ومن بين هذه الاضطهادات إغلاق المشايخ لمساجد الجماعة الإسلامية الأحمدية حيث حاول الأحمديون مناشدة الحكومة لإعادة فتح مساجدهم لأداء صلاة الجمعة على الأقل ولكن الحكومة كانت تحت تأثير الجو الديني السائد والمعادي للجماعة الإسلامية الأحمدية. وبدأ الأمر عندما حاول المشايخ وأتباعهم وبعض المتأثرين بهم من السكان المحليين في “جاكرتا” العاصمة حاولوا التصدي للمصلين الأحمديين والوقوف أمام أي محاولة منهم لفتح المسجد للصلاة وخاصة أيام الجمعة مدججين بالهراوات والعصي لضرب كل من تسول له نفسه أداء الصَلاة داخل حرم “مسجد النور” التابع للجماعة الإسلامية الأحمدية مما أجبر المصلين من الرجال والنساء والصغار إلى الصَلاة في العراء في أكثر الحوادث تناقضاً مع روح الإسلام الحنيف.

وكان مشايخ إندونيسيا في كانون الثاني من 2016 قد صرَّحَوا بالقول: “يجب على الأحمديين أن يعودوا إلى مذهب السُنَّة وإلا فسيُطرَدوا من العاصمة جاكارتا وإندونيسيا كلها، وبخلافه فسوف يتحملون العواقب.”. وكانت جموع من الأهالي قد احتشدوا في جزيرة سوماطرا الإندونيسية وقاموا بحرق منازل الأحمديين في أكثر الأحداث عنفاً بإندونيسيا في محاولة لإخافة أتباع الجماعة الإسلامية الأحمدية لترك معتقدهم والعودة إلى مذهب السنة.

وقد وصل الحد باضطهاد الأحمديين وظلمهم إلى درجة أن أحد الساسة في البرلمان اقترح أن يتم ترحيل الأحمديين من إندونيسيا إلى جزيرة نائية لكي لا يحتكوا بباقي المواطنين (9).

مع كل هذا الاضطهاد الظالم فإن الجماعة الإسلامية الأحمدية لم تنسى واجبها الإنساني تجاه البشر ومنهم الإندونيسيين، فقد وقفت الجماعة الإسلامية الأحمدية عبر مؤسستها الإنسانية “الإنسانية أولاً” التي أسستها الجماعة بأمر من خليفة المسيح الرابع رحمه الله، وأرسلت بعثات النجدة والإغاثة والمساعدات إلى الشعب الإندونيسي باستمرار. ومن بين ذلك الحملة التي أطلقتها الجماعة الإسلامية الأحمدية لنجدة وإنقاذ أهالي مدينة “آشه” بدار السَلام في إندونيسيا لليوم الرابع على التوالي بعد الزلزال المدمر الذي ضرب البلدة قبل أيام مخلَّفاً ضحايا وخراب في الممتلكات والمساجد والمؤسسات المختلفة. وقد أرسلت الجماعة الإسلامية الأحمدية فرع إندونيسيا 16 فريقاً طبياً لإسعاف الناجين مستقبلين لحد الآن أكثر من 550 مُصاباً يتلقون العلاج اللازم فيما يتم توزيع المساعدات الإنسانية الأساسية مع توفير غرف مدفأة للمبيت إلى جانب تقديم وجبات الطعام والشراب والمستلزمات الصحية ريثما يتم إصلاح الدور المتضررة. ولم تنس الجماعة الأطفال الذين شهدوا هذا الحال المخيف فخصصت لهم يومياً أوقاتاً للّعب والمرح مع أعضاء الفريق للتخفيف من الصدمة النفسية عن الأطفال الأبرياء. وتعمل الجماعة عبر مؤسستها “الإنسانية أولاً” لتقديم العون والمساعدات لكل المحتاجين حول العالم لوجه الله تعالى ورفع اسم نبيه رحمة العالمين مُحَمَّد المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم الذي تشوهه العصابات الإرهابية كداعش والقاعدة والشباب وغيرها من العصائب باسم الدين. ويذكر أن مواساة الخلق هي شرط أساسي في تعاليم الإسلام الحنيف وقد ثبّته المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام ضمن شروط البيعة الواجبة على كل مسلم ينضم للجماعة الإسلامية الأحمدية.

وهذا دأب الجماعة الإسلامية الأحمدية بلا توقف ولله الحمد والفضل.

من المؤسف أن سلسلة الزلازل المرعبة بدأت تعصف بإندونيسيا بكثرة مطردة منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وهذا ليس بصدفة، إذ بدأت في هذه السنين تحديداً تصدر فتاوى التكفير ضد الجماعة الإسلامية الأحمدية من قِبل مشايخ الفرق الإسلامية، لتتجاوز أكثر من 64 زلزالاً في غضون أربعين إلى خمسين سنة فقط، منها أعنف زلزال مُسَجَّل في تاريخ البشرية بلغ أعلى من 9.3 على مقياس ريختر، وذلك بعد أن كان زلزال واحد يضرب كل مائة أو خمسين سنة أو ما يقارب ذلك، كما ثارت في هذه الفترة البراكين بعدد وصورة غير مسبوقة ! (10).

فليعتبر الذي كان من المبصرين

نسأل الله تعالى العفو والعافية لأهل إندونيسيا جميعا اللهم آمين

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ


المصادر:

1- Indonesia. The Association of Religious Data. Retrieved April 26, 2014.

2- Bruce Vaughn. Indonesia: Domestic Politics, Strategic Dynamics, and American Interests. Diane Publishing Co. p. 20. Retrieved February 22, 2014..

3- Ahmad Najib Burhani December 18, 2013. “The Ahmadiyya and the Study of Comparative Religion in Indonesia: Controversies and Influences”. Islam and Christian–Muslim Relations. 25. Taylor & Francis. p. 145.

4- Ahmad Najib Burhani December 18, 2013. “The Ahmadiyya and the Study of Comparative Religion in Indonesia: Controversies and Influences”. Islam and Christian–Muslim Relations. 25. Taylor & Francis. p. 150-151 & 147.

5- scout.org/node/34000 .

6- Indonesia to ban Ahmadi activities”. September 6, 2008. Archived from the original on July 24, 2009. Retrieved March 29, 2015.

7- Tom Allard 27 April 2011. “Trial begins after shocking mob violence ends in slaying”. The Sydney Morning Herald. Retrieved March 29, 2015.

8- Anthony Deutsch February 18, 2011. “Religious tensions grow in Indonesia”. Financial Times. Retrieved March 29, 2015.

9- Ahmadis should live on isolated island: Legislator”. Jakarta Post. February 17, 2011. Archived from the original on April 2, 2015. Retrieved March 29, 2015.

10- Volcano Data Criteria”. Global Volcanism Program. Smithsonian Institution. Retrieved 14 June 2015.

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد