شهدت مدينة “بالتيمور” أكبر مدن ولاية “ماريلاند” الأمريكية الأميركية مؤخراً إضطرابات أمنية واحتجاجات ومواجهات كثيرة وكبيرة مع الشرطة وقوات الأمن بعد قتل الشرطة لعدد من المواطنين ذوي البشرة السمراء بلا مبرر مما أجّج الاحتقان المتزايد وفجّر اخيراً الوضع ليخرج عن حيّز الإستياء والغضب إلى مواجهات دامية وأعمال شغب وانفلات أمني فضيع انتهى باستدعاء الحرس الوطني الذي ضرب حظراً ليلياً على المدينة المضطربة.
وقد دعت الجماعة الإسلامية الأحمدية الطرفين المتنازعين في مدينة بالتيمور إلى السلام والعدالة الاجتماعية لسكان البلدة واحترام القانون وممثليه من قوات الشرطة والأمن والحفاظ على الممتلكات العامة وضربت مثل النبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم في الحلم والصبر وحب الوطن واحترام القانون والعدل في كل شيء.
في هذا الجو المحتقن ومشاعر الإحباط لدى سكان المدينة من تصرفات رجال الشرطة المعنيين بحفظ الأمن والعنصرية والكراهية التي تسود المكان، قرر مسجد “بيت الكريم” وهو أحد مساجد الجماعة الإسلامية الأحمدية في مدينة “بالتيمور” أن يبادر إلى رسم الفرح على قلوب أطفال المدينة الذين لا ذنب لهم فيما يرونه من تخريب وعنف بأي شيء يمكن أن يفرح قلوبهم ويرسم البسمة على وجوههم الصغيرة. لذلك جرّب شباب الجماعة الإسلامية الأحمدية أن يبدأوا بحملة بسيطة لتوزيع الآيسكريم (المثلجات) مجاناً في منطقة المسجد. وكان الإقبال كبيراً منذ البداية، حيث اصطف الصغار طوابير للحصول على المثلجات وارتفعت الضحكات وتجمع الأهالي كباراً وصغاراً ومسنين ناسين لوهلة الأوضاع الأمنية وتزايدت الطلبات على الأنواع المختلفة من الآيسكريم والشوكولا وطرق تزيينها. وتحولت المشاعر الكئيبة في المدينة إلى فرح وأمل واكتست الشوارع المخربة بالألوان والضحكات.
انتهى اليوم الأول بنفاذ مئات من قطع الآيسكريم والحلوى مما شجع متطوعي الأحمدية على المضي قدماً وتوسيع رقعة العمل لتشمل جولات في شاحنة الآيسكريم حول المدينة كلها. وهكذا انطلق العشرات من خدّام الأحمدية في مهمتهم الجميلة. وكان كل يوم يمضي تنتشر فيه قصة شاحنة الحلوى والآيسكريم المجانية في الآفاق حتى صار الأطفال في كل مكان يترقبون هذه الشاحنة السعيدة ويتجمعون بانتظارها بدل أن تبحث هي عَنْهُم. وصارت شاحنتين بدل الواحدة.
بعد ذيوع الأمر صار الناس يتجمعون والصحافة تصور وتنقل الخبر. ولدى توجيه بعض الأسئلة التي تدور في ذهن الجميع حول سبب قيام الشباب المتحمس بهذا العمل وما الذي يجنوه من العمل بلا كلل ليل نهار لتلبية طلبات الأطفال والكبار معا، جاء رد الشباب الأحمدي بأن الأوضاع المؤسفة في المدينة دفعت الجماعة الإسلامية الأحمدية كجزء من هذه المدينة إلى التفكير في ما يحتاجه أهل المدينة في هذه الظروف، وكان الجواب هو “الحب”. فالحب هو الذي يحتاجه المسحوقون من الناس، ولا أفضل من رسم البهجة على وجوه الأطفال الذين وصفهم نبي الإسلام محمد المصطفى ﷺ بـ”عصافير الجنّة” ووصفهم القرآن الكريم بـ”زهرة الحياة” لبراءتهم وجمال أرواحهم. ولذلك، فهذا هو الدافع الحقيقي والوحيد للقيام بهذا العمل والمقابل هو زرع الأمل. ِإنَّ رسم الفرح على وجوه المئات من الصغار يعطي الأمل للجميع بمن فيهم الشباب المتطوعين لمواصلة أعمال الخير ونشر الحب وَالسَلام في المجتمع، ولذلك تجد الأشرطة الملونة والبالونات البراقة تحمل عبارات “الحب للجميع ولا كراهية لأحد” لنشر رسالة السَلام المنبثقة من دين السَلام الإسلام الذي دفع العشرات من الشباب الأحمدي المسلم إلى ترك الراحة والسهر على خدمة مدينتهم وبوجه خاص أطفال مدينتهم. فليست المثلجات هي التي تكافئ الناس بقدر ما هو الأمل الذي يبث في نفوسهم ويبثوه بدورهم لمن حولهم.
ويواصل الشباب الأحمدي الإجابة بقولهم أنهم شعروا بمحبة عظيمة أثناء خدمة الأطفال تفوق محبة الأم لأولادها وهي تراقب فرحتهم وهم يتلقون علب وقطع الآيسكريم الملونة كل يوم. هذه المحبة لا يمكن وصفها لأنها في الحقيقة محبة الله ﷻ التي تشمل الجميع. ويقول الشباب الأحمديون في ختام اللقاء بأنهم قد وقعوا بالفعل في حب هؤلاء الأطفال مما أشعرهم بحب الله تعالى الإله الودود الرحمن الرحيم فهتفوا قائلين : سبحانك ربي لَا إِلَهَ إِلَّا أنت رب العالمين”.
نترككم اخيراً مع بعض الصور من رحلة سيارات الآيسكريم والمثلجات حول المدينة لنشر السرور والسعادة على وجوه الأطفال.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
مسلم لله