بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وخاتم النبيين محمد المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
لقد ألقى سيادة الرئيس محمود عباس رئيس دولة فلسطين كلمته في افتتاح المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية البارحة في 14 يناير 2018 التي ظهر منها حرقته وألمه من حجم المؤامرة ضد القضية الفلسطينية وكرر في خطابه قائلا: “…وين نروح وين نروح بعد ان ذكر عن 86 قرارا اتخذ بحق فلسطين في الامم المتحدة و705 قرار في الجمعية العامة. ولم ينفذ منها ولا قرار واحد ولا قرار مشي. إذا لمين نشكي؟! .. إذا مجلس الامن بعطناش والجمعية العمومية وين نروح؟! فكروا فيها وين نروح؟! وقال وأنا معنديش حل بس لازم نفكر فيها…“.
بدأت من الحاضرين بعض الأصوات تقول: للشعب للشعب! فكرر سيادة الرئيس وقال: “أنا معنديش حل ولا قرار نفذ ولا قرار مشي. لمين نشكي طبعا بنشكي لله نحنا.. بس تحت ما في حدا؟! فكرولنا فيها…“
إخوتي وأخواتي لا يخفى عليكم بأن الأمة الإسلامية اليوم تمر في ابتلاء عظيم. والعرب اليوم في حالة يرثى لها لا حول لهم ولا قوة، هم في ضعف وهوان، حيث تحقق ما قاله المصطفى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : {يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا فَقَالَ قَائِلٌ وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ قَالَ بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ} وليس هذا فحسب بل وصل بهم الأمر إلى أنهم ارتموا في أحضان الغرب وأمريكا وكأنهم هم المخلّص ناسين الحل القرآني الأمثل حيث أمرهم الله تعالى أن لا يسمحوا للغريب بأن يتدخل في إصلاح ذات بينهم وشؤونهم بل أمرهم: {وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}. ولم يتعلموا الدرس من حرب الخليج ولم يستمعوا لنصيحة إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية آنذاك الخليفة الرابع رحمه الله الذي قال لهم بأنكم بانضمامكم إلى القوى غير الإسلامية لتدمروا بلدًا إسلاميا سترتكبون ظلما عظيما وسوف يُضربُ سلامُ المنطقة كلها إلى الابد… وأكد لهم أنهم لن يكونوا قادرين على العودة إلى الماضي وأنهم سوف ينزلقون من سيئ إلى أسوأ ولن يعود السلام إلى المنطقة مرة أخرى. وها نحن اليوم نرى العرب ينزلقون من سيئ الى أسوء ويجتمعون اليوم لبيع القضية الفلسطينية بثمن بخس دراهم معدودة.
{فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} … {وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} حُطَّ عنا ذنوبنا! يا الله حُطَّ عنا ذنوبنا يارب!.. تعالوا معًا ندعوا الله تعالى بكل حرقة وببكاء وتضرع أن يعفو عنا تقصيراتنا لأننا اتكلنا على أسباب الدنيا الدنية الزائلة. وتركنا باب الله تعالى وعتباته وتوجيهاته وتوجيهات نبيه محمد صلى الله عليه وسلم حيث أمرنا وأكدا علينا “بالوحدة” {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}. قال النبي صلى الله عليه وسلم : {مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى}.
أنسينا أم تناسينا التحذير الإلهي {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ (أي فلسطين) يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ* إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ}؟! ألم ننتبه إلى التنبيه الرباني {وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا}؟! وها هو قول الله تعالى تحقق منذ 70 عاما وجاء بنو إسرائيل من جميع أنحاء المعمورة.. ألا يكفي سبعون عاما من التجارب النضالية عسكرية كانت أم سياسية التي باءت بالفشل الذريع؟ فقد وصف رسول الله عن هذه القوى بقوله: {لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ}. وقد قال خادم رسول الله سيدنا الإمام المهدي مرزا غلام أحمد القادياني ؏: “… إن الحرب نهبت أعمارهم، وأضاعت عسجدهم وعقارهم، وما صلح بها أمر الدين إلى هذا الحين، بل الفتن تموجت وزادت، وصراصر الفساد أهلكت الملة وأبادت، وترون قصر الإسلام قد خرَّت شَعَفاته، وعفِّرت شُرَفاته، فأي فائدة ترتّبت من تقلّد السيف والسنان، وأي مُنية حصلت إلى هذا الأوان، من غير أن الدماء سُفكت، والأموال أُنفدت، والأوقات ضُيِّعت، والحسرات أضعفت. ما نفعكم الخَميس، ووُطِئتم إذا حمِى الوطيسُ…“
لو أنهم يجربون العلاج الحقيقي الذي لم يستعمل من قبل بشكل صحيح (أي فحَرِّزْ عبادي إلى الطور، أي عُودوا إلى عَظَمة المصطفى – صلى الله عليه وسلم -، واعتصموا بتعاليم المصطفى صلى الله عليه وسلم، الجأوا إليها واستمدوا مواقفكم منها) إذا فعلتم ذلك وابتهلتم إلى الله ؏ فسيكون دعاؤكم قد غُذِيَ من عظَمته، فلا يضيع أبدًا، وتنالون نصيبًا من عظَمته، كما تأخذ دعواتكم قسطًا منها. تعالوا معا نلزم جماعة المسلمين وإمامهم، هذا الإمام الذي أرسله الله تعالى والذي سيقوم أمام ربه الجليل ويدعوه في الليل الطويل، بالصراخ والعويل، ويذوب ذوبانَ الثلج على النار، ويبتهل لمصيبة نزلتْ على الديار، ويذكُر اللهَ بدموع جارية وعبرات متحدّرة، فيُسمَعُ دعاؤه لمقامٍ له عند ربه، وتنْزل ملائكة الإيواء، فيفعل الله ما يفعل، وينجي الناس من الوباء. فالدعاء هو وحده القوة التي تؤدي إلى الفوز على هذه الأمم. أيها المسلمون، هذا وقت الدعاء والابتهال إلى الله تعالى؛ لأنه السبيل الوحيد للنصر على الأعداء. عليكم أن تتضرعوا إلى الله تعالى بلا انقطاع، لأن هذه الآلام سوف تستمر إلى زمن طويل، وللموقف تقلبات كثيرة، وسوف يدخل في مراحل متجددة. إذًا فلا تؤخروا الدعاء الحار، فلم يفت الوقت بعد، ونحن القوم الذين دَعَوْا من قبل واستجاب الله تعالى دعاءنا في أحلك الظروف ونصرنا الله تعالى على أعتى عتات العالم. فالله الذي نصرنا في الماضي ونحن أذلة ينصرنا اليوم {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} و {كذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ} نحن يا ربنا جماعةٌ من الضعفاء الذين لا حول لهم إلا بك. ونحن يا ربنا أمة تضطهد؛ فإننا نسجد بين يديك، ونتوسل بك وإليك بمذلة وحرارة وإلحاح أن تنزّل رحمتك على العرب عامة والفلسطينيين خاصة.. بني جنس سيدنا المصطفى، وأن ترحم جميع بني البشر. أَنقِذْهم ياربَّنا من المشاكل العالمية.. ما كان منها من أخطاء البشر.. وما كان منها بقضائك الذي لا نستطيع فهمه. ومهما يحدث يا ربنا.. إن كان هناك نصر فاجعَلْه يا ربنا من نصيب الإسلام؛ وإن كان هناك فوز فقَدِّرْه يا ربنا فوزًا للإنسانية.. ولتلك القيم الأخلاقية التي اختفت من الشرق والغرب. دَعْها يا ربنا تنهَضْ وتَقُمْ في الدنيا ثانية.. ولتنتصرْ في العالم مرة أخرى. اللهم حَقّقْ وعدك الذي أنزلته في القرآن وقلت فيه: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ}.