في مجلس للأسئلة والأجوبة في إحدى الزيارات لمراكز الجماعة في مالي سألني أحد الحضور وقال:
لماذا لم يرسل الله تعالى نبيا في الأفارقة؟ أليس هذا يعني أننا منبوذون ولا يمكن أن نحظى بمراتب روحانية عالية؟ ألا يدل لوننا وهيئتنا على ذلك أيضا؟
فأجبت قائلا:
أولا من الخطأ الظن أن الله تعالى لم يبعث في الأفارقة نبيا، بل وفقا لإيماننا الإسلامي نحن نؤمن أنه لا بد أن يكون الله تعالى أرسل الأنبياء في كل الأقوام إذ يقول تعالى: “وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ“، فهذه الفكرة ليست من الإسلام في شيء، بل هي فكرة يهودية مسيحية مصدرها عنصرية اليهود الذين يدَّعون أن الله اختصهم فقط بالوحي والنبوة، ولذلك جاء في الكتاب المقدس أن حام ابن نوح اكتسب اللون الأسود لأنه منبوذ. وللأسف، فقد انضم المسلمون إلى اليهود والنصارى في اعتقادهم أن النبوة كانت فقط في السلالة الإبراهيمية ولم تكن في الشعوب الأخرى، وهذا خطأ فادح يدحضه القرآن الكريم.
وعلى كل حال، فلو كان مبدؤهم صحيحا، فهذا يعني أن الله تعالى لم يبعث في الأوروبيين نبيا أيضا، ومعلوم أن المسيح عيسى بن مريم لم يكن أوروبيا، بل هو من بني إسرائيل الذين هم في الحقيقة قبيلة عربية، فليس المسيح كما يظهرونه الأوربيون ويصورنه كأنه أوروبي متناسين هذه الحقيقة، بل إن ملامحه عربية كملامح أهل بلادنا، فهذا الفكرة ترتد عليهم أيضا.
أما الإسلام الحق، فقد أعلن أن الاختلافات في الألوان بين البشر ليس دليل أفضلية جنس على جنس، بل هي من باب التنوع الذي هو آية من آيات الله تعالى والذي به تصبح الحياة أفضل. والواقع أنكم لم تحرموا أيضا من نصيب من الجمال، فقد تغيرت معايير الجمال حاليا، وأصبح العالم يعترف بالجمال الأسود ويقدّره، والواقع أن الله تعالى قد خصكم أيضا ببعض المزايا في هذا المجال، فالمرأة الأوروبية مثلا تحسد الأفريقية على جسدها ويلزمها أن تقضي حياتها في النادي الرياضي لتحظى بجسد كجسد المرأة الأفريقية التي تبيع الفاكهة على قارعة الطريق. وكذلك فإن مواصفات رجالكم البدنية هي من أفضل المواصفات في الجنس البشري. فيجب ألا تنظروا إلى أنفسكم بدونية.
أما من ناحية العقل والفهم والعزيمة، فمن منة الإسلام عليكم أن الله تعالى قد جعل لكم مثالا وأسوة في صحابي أفريقي ضرب مثلا عظيما في الفهم والعزيمة والثبات، وهو سيدنا بلال رضي الله عنه (وعندما بدأت بذكره أخذتني الرقة). فقد عرف الحق وآمن قبل أن يعرفه سادة قريش الذين كانوا يعتزون بفهمهم وحكمتهم، وتحمَّل في سبيل إيمانه التعذيب الشديد الذي كاد يفضي إلى هلاكه، ولم يزحزحه ذلك عن دينه، بل كان يصرخ “أحدٌ.. أحد” مؤكدا ثباته وإصراره على إيمانه وعزيمته. فهذا يدل على أن الأفريقي ليس أقل من غيره في هذا النطاق. وبسبب هذه العزيمة فقد كان كبار الصحابة بما فيهم الخلفاء يقدرونه كثيرا، فكان سيدنا عمر رضي الله عنه الذي كان يتذكر دوما أنه قد سبقه في الإيمان يقول عنه “مولانا وسيدنا بلال“. ومما يدل على المكانة التي حظي بها هو أن عمر رضي الله عنه اختاره مبعوثا له في مهمة من أخطر المهمات، وهذا لأنه كان الرجل الأنسب لذلك، وهي مهمة إبلاغ خالد بن الوليد بقرار الخليفة بعزله من قيادة الجيش في بلاد الشام في أثناء ظرف عصيب وخطير. وبما أن خالد بن الوليد رضي الله عنه كان يقدِّر بلالا كثيرا أيضا بسبب سبقه في الإسلام وتأخر خالد، فقد خضع لقرار الخليفة وأظهر هذا الخضوع أمام مبعوثه. فلولا المكانة التي كان يحظى بها بلال رضي الله عنه لما اختاره سيدنا عمر رضي الله عنه لهذه المهمة التي لعلها من أهم المهام في ذلك التاريخ.
وقلت لهم: إن منة بلال عليكم عظيمة، لذلك يجب أن تدعو له كثيرا، فصرخاته “أحدٌ.. أحد” في شوارع مكة هي التي دوت في أنحاء أفريقيا وأدت ولا زالت تؤدي إلى نشر الإسلام، وقد رفع عنكم بموقفه ومكانته في الإسلام وصمة النبذ التي حاول اليهود والنصارى إلحقاها بكم وبجنسكم واستغلوها لاستعبادكم وسلبكم. ولا شك أن هذا كله بفضل الإسلام الذي هو الدين الحق الذي أنزله الله تعالى لخير البشر جميعا.
عندئذ سأل أحدهم:
إذا كان بلال رضي الله عنه قد حظي بهذه المكانة العظيمة، فكيف يمكن أن نفعل مثله؟
فقلت لهم:
إن واجبكم أن تظهروا عزيمة وثباتا كعزيمته. فما حاول الأوروبيون نشره وما يعتقد به بعض المسلمين أيضا للأسف أن الأفارقة ضعاف العقل والعزيمة وليسوا من الناس الذين يتمسكون بالدين، بل هم أناس لا وزن للدين عندهم، فمن السهل أن يؤمنوا ومن السهل أن يكفروا. أما إذا أظهرتم تمسكا بالإسلام الحق وبالخلافة الأحمدية – وهذا ما أراكم تفعلونه بفضل الله- فإنكم بذلك ستؤكدون أن هذه الفكرة المنتشرة عنكم خاطئة. لقد قلت لكم إن الله تعالى لم يحرمكم مما منَّ به على البشر جميعا من القدرات العقلية والبدنية، ولا تنقصكم العزيمة أيضا ولكم في مثال بلال رضي الله عنه أسوة حسنة، بل قد أظهر بعض سابقيكم أيضا في هذا الزمان هذه العزيمة بفضل الله كالأستاذ عمر معاذ الذي كان الأحمدي الأول وصاحب القصة الشهيرة التي تظهر عزيمة مميزة وفقه الله تعالى لها. ما ينقصكم هو العلم والنظام الذي يوفره لكم انضمامكم للجماعة الإسلامية الأحمدية وخلافتها ونظامها، إذ إن انضمامكم للجماعة سيعلمكم هذا النظام وسيعلمكم علم الدين الصحيح وعلوم الدنيا أيضا، وسيؤدي إلى نهضة كبيرة في أفريقيا بإذن الله تعالى.
وقد استمع إلى هذا المستمعون في جميع أنحاء البلاد بسبب البث الموحد في محطات الراديو، وفي مكان آخر قال أحد المتحدثين في إحدى الزيارات:
إن الخليفة نصره الله قد أرسل إلينا مبعوثا عربيا، وليس عربيا يعيش في الخارج بل يعيش في بلاد عربية، فهذا يدل على أن هذه الجماعة جماعة عالمية لا تمييز فيها؟
فكنت قد قلت: إن مثال بلال رضي الله عنه يبين أنه كان يحظى بمكانة عظيمة بين الصحابة، ولم يكن يشعر بأي تمييز بسبب عرقه، وأنتم الآن في زمن النشأة الثانية للإسلام التي تماثل ذلك الزمان، وستجدون أن هذه الجماعة لا تمييز فيها بفضل الله، بل إن إخوانكم من القارة الهندية يحبونكم ويسعون لخدمتكم، وهذا ما لاحظته أنا وإخواني العرب، إذ حظينا بحب ورعاية وتعاون إخواننا من القارة الهندية وعشنا الأخوة الإسلامية بحق دون تمييز بالصورة التي كنا نسمع بها في صدر الإسلام. لقد رأينا أنه ما إن يأمر الخليفة نصره الله بشيء إلا وهب هؤلاء الإخوة لتلبية نداء الخليفة وتوفير كل ما يلزم لنا، فبارك الله فيهم، وأرجو أن تدعو لهم.
أما فقد يحدث أن يبدر من أحد ما تصرف غير لائق فيه شائبة من العنصرية، وهذا قد حدث في صدر الإسلام أيضا، ولكنه لم يؤثر مطلقا في حقيقة انعدام التمييز بل كان مناسبة للتأكيد عليه. فذات مرة تخاصم أبو ذر الغفاري رضي الله عنه مع بلال رضي الله عنه فقال له جملة عنصرية، فلما بلغ الأمر النبي صلى الله عليه وسلم وبخه بشدة وقال له فيما قال: “إنك امرؤ فيك جاهلية“، فندم أبو ذر بشدة وأخذ يبكي ويرجو بلالا أن يطأ على رأسه، ولكن بلال رفض ذلك وقال له إنه قد سامحه. فهذه الحادثة لم تؤثر في شعور بلال بالمساواة والأخوة مع الصحابة بل بمكانته العظيمة بينهم، إذ إنه قبيل موته وهو في سكرات الموت كان ينشد: “غدا ألقى الأحبة، محمدا وصحبه“، فهذا يعني أنه كان يعد الصحابة جميعا أحبته الذين ينتظر اللحاق بهم مع النبي صلى الله عليه وسلم (وكانت الرقة قد أخذتني أيضا وتأثر الحضور أيضا). وقلت لهم: لذلك عليكم أن تعلموا أنه في زمن النشأة الثانية للإسلام فإن الخلافة لا يمكن أن تسمح بأي تصرف عنصري أو غير ملائم فيما لو بدر من أحد، وسيكون عقاب من يقوم بذلك شديدا عند الخلافة، كما أن من قام بذلك لا بد أن يندم ندما شديدا بنفسه. إن الخليفة يحبكم ويحب شعوب الأرض جميعا وهو خليفة الأحمديين من كل الأجناس والأعراق، بل هو خليفة الإنسانية أيضا.
خي الكريم في بعض الروايات ذكر ان هناك نبي من السودن وسيدنا لقمان الحكيم كان اسود وفي وصف سيدنا موسي في احاديث الرسول صلى الله عليه وسلم انه من رجال الزط وهم رجال سود وطوال من السودان ولسوادهم سمى جناً في القران الكريم
سفراء الاحمدية القدوة الحسنة