قصة ذو القرنين في سورة الكهف

مما لا شك فيه أن بعض الكتّاب المعاصرين قد ألقى الضوء على هذا الموضوع ورفض الرأي القائل بأن الإسكندر المقدوني هو ذو القرنين. كما قال البعض الآخر إن ذا القرنين مَلِكٌ اتسع ملكُه في البلاد الشرقية والغربية. وفوق ذلك فإن المستشرق الألماني الدكتور هربيلات مؤلف “Bibelia Oriental” كاد يصيب كبدَ الحقيقة حين قال إن ذا القرنين ملِكٌ من ملوك الفرس الأوائل (تفسير القرآن للقسيس “ويري”).

وكان أستاذي المكرّم نور الدين ؓ يبني بحثه على ما ورد في الكتاب المقدّس ويقول: لقد ورد في الكتاب المقدس رؤيا لدانيال النبي حيث قال: “رأيت في المنام كبشًا ذا قرنين واقفًا عند النهر. رأيت الكبش ينطح غربًا وشمالاً وجنوبًا، فلم يَقِفْ حيوانٌ قُدّامَه، ولا مُنقِذ مِن يده، وفعَل كما شاء” (دانيال 8: 3 و4). ثم يقول دانيال: لقد أخبرني الله تعالى بتأويلها وقال: أما الكبش الذي رأيتَه ذا القرنين فالمراد منه ملوكُ ميديا وفارس (دانيال 8: 20). وبناءً على هذه الرؤيا كان أستاذي المحترم يقول إن ذا القرنين هذا هو ملِكٌ من ملوك ميديا وفارس، وأن ذلك الملك هو كيقبادØ. (فصل الخطاب لمقدمة أهل الكتاب، ص 207 – 208)

Ø علمًا أن حضرة المولوي نور الدين ؓ قد قال في كتاب لـه آخر إن اسم هذا الملك هو “كورش” و”خورس” (تصديق البراهين الأحمدية ص 66).

الحكمة من قصة ذو القرنين

أود أن أبيّن هنا الحكمة من ورود قصة ذي القرنين في القرآن وفي سورة الكهف بالتحديد عَقِبَ إسراء موسى ؏.

إن سورة الكهف تتحدث عن الصراع بين الإسلام والمسيحية، ولاسيما ذلك الصراع الذي هو شبهُ دينيٍّ.. بمعنى أنه وإن كان صراعًا دينيًّا فإنه ذو صلة بسياسة الديانتين. فقد حكت لنا هذه السورة أوّلاً قصّةَ أصحاب الكهف لتبين لنا كيف بدأت المسيحية، وكيف دبّ في أهلها الفساد. ثم بعدها تناولت إسراءَ موسى ؏ لبيان أن قومه سيحرَمون من الرقي الروحاني بعد الوصول إلى حد معين، فيَظهرَ عندها نبي آخر من عند الله تعالى. كما أوضح إسراؤه أن المراد من قوم موسى في هذا المقام هو القسم الأخير منهم أي الأمة المسيحية، لأن القسم الأول منهم -أي اليهود- كانوا قد ماتوا مِيتةً روحانيّةً قبل ذلك بزمان. وبالفعل أكّدت الأحداثُ صدقَ النبأ القرآني بكل قوة وجلاء، حيث انتهى الدور الأول لرقي المسيحية بظهور محمد ﷺ؛ مما زاد المؤمنين إيمانًا على إيمانهم. ذلك أن التنبؤ خلال الفترة المكّيّة الحرجة بغلبة المسلمين على المسيحيين لنبأ عظيم منقطع النظير.

ثم بعد ذكر إسراء موسى ؏ ذكرت سورة الكهف قصةَ ذي القرنين إشارةً إلى الدور الثاني لنهضة الأمة المسيحية.

ولو قيل: ما الداعي لاختيار هذا الأسلوب غير العادي؟ لماذا لم يشر القرآن ببساطة إلى الرقي المسيحي بأجمعه مرة واحدة؟ فالجواب أنه مما لا شك فيه أن هذا الأسلوب القرآني يبدو طفيفًا في نظر أهل الدنيا، ولكن الذي يدرك أهمية الدين لا بد أن يعدّه صحيحًا بل ضروريًّا. ذلك أن الأمم -من حيث الدين- أربعٌ وِفقًا للسنة الإلهية الجارية منذ بدء الزمان، وهذه الأقسام هي:

  1. الأمم التي تؤمن بنبي زمانها، وتحرز الرقي الديني والمادي متمسكين بالإيمان.
  2. الأمم التي تؤمن بنبيها، ولكنها تقع فيما بعد في المعاصي والشرور، فتبوء بغضب من الله تعالى؛ ورغم ذلك يمكنها أن تُصلح حالها وتستنـزل فضلَ الله ورحمته ثانيةً مع انتمائها إلى دينها ومن دون أن تبدِّل هيئتها القومية. كل ما عليها أن تصلح أعمالها، لأنها تؤمن بنبي زمانها، ولكن أعمالها لا تتفق مع إيمانها.
  3. الأقوام التي تجترح السيئات بعد نبيها وتفسد، وحين يظهر نبي آخر زمن فسادها تُحرَم الإيمانَ به. ومهما سعى هؤلاء القوم لإصلاح حالهم، فإن الله تعالى لا يرضى عنهم حتى يبدّلوا هيئتهم القومية ويؤمنوا بالنبي الجديد.
  4. الأقوام التي لا تؤمن بأي نبي، ويكون رقيها كله مادّيًّا محضًا. ولكي تتوطد بينهم وبين الله تعالى علاقة روحانية لا بد لهؤلاء من أن يؤمنوا بنبي الوقت ويعملوا بوصاياه.

بعد استيعاب أقسام الأمم هذه لا يصعب على المرء أن يدرك أن الأمة المسيحية أثناء الفترة الأخيرة من زمن رقيها الأول كانت تندرج في القسم الثاني من هذه الأقسام، إذ كانوا قد ابتعدوا عن الدين بلا شك، ولكن كان بإمكانهم أن يصالحوا الله تعالى من دون أن يبدّلوا هيئتهم القومية أي من دون أن يدخلوا في دين آخر، إذ كانوا مؤمنين بنبي زمانهم المسيحِ ؏. ولكن بعد ظهور محمد رسول الله ﷺ، وفقًا للنبأ الوارد في الإسراء الموسوي، خرج القوم المسيحي من القسم الثاني ودخل في القسم الثالث… إذًا فالترتيب الذي اتبعه القرآن الكريم لبيان فترتي الرقي المسيحي لم يكن ضروريًّا فحسب، بل يشكّل دليلاً على إعجاز القرآن أيضًا.

وأوجز الكلام مرة أخرى فأقول: لقد ذكر الله تعالى أولاً قصة أصحاب الكهف الذين جاءوا في فترة كان المسيحيون فيها صالحين، أو كانوا فاسدين ولكنهم كانوا مؤمنين بنبي زمانهم، ومن ثم لم يكن لزامًا عليهم -من أجل الصلح مع الله تعالى- التخلي عن قوميتهم وسياستهم. ثم ذكر الله إسراءَ موسى الذي نبّأ فيه عن ظهور محمد ﷺ وعن تغيُّر حالة الأمة المسيحية بعد ظهوره ﷺ، حيث بيّن أنهم سيحققون بعدها أيضًا النهضة والازدهار المادي، ولكن سيستحيل عليهم معه أن يكونوا على صلح مع الله تعالى، لأنهم سيتجاوزون نبيَّ زمانهم دون الإيمان به؛ وأن رقيهم سيظل ماديًّا محضًا من دون أن يكون فيه أي نصيب للآخرة حتى يرجعوا على آثارهم قَصَصًا وينضموا إلى موكب نبي ذلك الزمان. فبما أن الأمة المسيحية في الفترة الثانية تكون مختلفةً عما كان عليه المسيحيون الأوائل دينًا وسياسةً، لذا ذكر القرآن الكريم حالتها في الفترة الثانية منفصلةً عن الفترة الأولى.

وبقي هنا أمر آخر يحتاج الشرح وهو:

لماذا ذكر القرآن قصة ذو القرنين بين قصة أصحاب الكهف وبين إسراء موسى ؏؟

فجوابه أن الكتب السماوية قد أطلقت على فترتَي الرقيِّ المسيحي اسمين مختلفين، حيث تسمَّى الفترة الأولى بدور أصحاب الكهف.. أي حين كان المسيحيون متحلّين حقًّا بصفات أصحاب الكهف، أو ما كانوا صالحين بالفعل ولكن كانت عندهم الكفاءة لأن يكونوا صالحين مثل أصحاب الكهف. أما الفترة الثانية من الرقي المسيحي فتسمَّى في الكتب السماوية بدور يأجوج ومأجوج.. أي حين لن تبقى فيهم كفاءةُ الصلاح أصلاً، ولن يستطيعوا -بسبب ظهور نبي جديد- الوصالَ إلى الله تعالى إلا بعد التخلي عن هيئتهم القومية. وهذا الدور الثاني من الرقي المسيحي ذو صلة بذي القرنين لأن بعض أعماله تسببت في ظهور هذا الدور. وفيما يلي بيان ذلك. إن يأجوج ومأجوج إسمان للشعوب التي كانت تقطن في شمال آسيا وشرق أوروبا، وكانت تُغِير على البلاد الآسيوية الخصبة (الموسوعة اليهودية كلمة Gog  Magog).

ولو أنها نجحت في غاراتها لانتشرت في هذه البلاد وانصهرت في الشعوب الآسيوية الأخرى، واعتنقت الأديانَ المختلفة الموجودة في هذه البلاد، ولم تجتمع على دين واحد كما هي حالها الآن، بل لكان شأنها شأن الشعب الآري الذي هاجر إلى الهند، وانصهر في الأقوام القديمة القاطنة فيها فاقدًا كيانه الخاص. ولكن شاءت الأقدار أن ذا القرنين -وسيأتي ذكره مفصَّلاً بعد قليل- صد بكل شدة وقوةٍ حملاتِ هذه الشعوب الشمالية الغربية، حتى انحصرت في شمال وغرب آسيا وفي شرق أوروبا؛ وذلك بعد أن وضع ذو القرنين سدًّا حال بين هذه الشعوب وبين دخولها آسيا، حتى أصبحوا وكأن آسيا كلها قد فرضت عليهم مقاطعة كاملة. وكانت النتيجة أن أخذت هذه الشعوب تنتشر في أوروبا. ولما كانت الوثنية سائدة في أوروبا ولم يوجد فيها من الديانات المعروفة إلا المسيحية، دخلت هذه الشعوب كلها في الديانة المسيحية تدريجيًّا، مما شكّل كُتلةً دينية هائلة تواجه العالم كله؛ وهكذا زُرعت بذرةُ العداوة الدينية.

هذا من جهة، ومن جهة أُخرى فإن آسيا -التي كانت حينذاك تحت نفوذ ذي القرنين وعاملةً بحسب إستراتيجيته السياسية- قامت بطرد هذه الشعوب إلى المناطق الشمالية التي كانت أردأ بقاع الأرض في ذلك الزمان؛ مما ولّد في قلوب هؤلاء رغبةً عارمة للدخول في آسيا والبلاد الشرقية، وهذه الرغبة الجامحة قد توارثَها أولادُهم جيلاً عن جيل؛ وهكذا بُذرت بذرةُ العداوة السياسية.

إذًا فإن ذا القرنين كان -على هذا النحو- سببًا في ظهور فتنة يأجوج ومأجوج، أو بتعبير آخر فتنة الدجال، ولذلك أورد الله تعالى هنا قبل ذِكر الدور الثاني للرقي المسيحي قصةَ ذي القرنين، وخاصة إنجازَه الذي هيأ الأساس لأن تكون ليأجوج ومأجوج قوميتهما المستقلة وسياستهما الخاصة.

وهناك حكمة أُخرى في ذكر ذي القرنين هنا: بما أن ذا القرنين كان يحكم بلاد ميديا وفارس، فعليه يمكن القول إن رجلاً فارسي الأصل هو الذي تسبب في وجود يأجوج ومأجوج. ومن سنة الله المستمرة في عباده الصالحين أنه إذا أدى عملٌ صالح لأحد منهم إلى نتيجة ثانوية سيئة ولو بغير قصد منه فإنه تعالى يزيل ذلك السوء بواسطة أحد من أولاده أو أبناء وطنه أو مثيل من أمثاله، كيلا يُعزَى إلى هذا العبد الصالح عيبٌ ما ولو من بعيد. وقد جيء بذكر ذي القرنين في هذا المقام للغرض نفسه.. أي للتنبؤ عن ظهور ذي القرنين الآخر، الذي يكون أيضًا فارسي الأصل، وسيصمد في وجه يأجوج ومأجوج ويكسر قوتهم؛ وهكذا يدفع عن ذي القرنين الأول ما نُسب إليه من العيب.

وسيُمنَح هذا الشخصُ الموعود لقبَ “ذي القرنين” لسببين: الأول لأن الله تعالى سيجعله وارثًا للقوتين: القوة المهدوية والقوة المسيحية؛ فيسمَّى مهديًّا لكونه وارثًا لعلوم محمد المصطفى ﷺ، وسيسمَّى مسيحًا لكونه متحليًّا بصفات المسيح ابن مريم عليهما السلام، كما يشير إلى ذلك الحديث الشريف: “لا المهديّ إلا عيسى” (ابن ماجة: كتاب الفتن، باب شدة الزمان).

والسبب الثاني هو أنه يرى قرنين من القرون كما ورد في بعض النبوءات، بمعنى أنه يتلقى الوحي من الله تعالى عند نهاية قرنٍ، ويُتوفى في أوائل القرن الآخر بعد تكميل المهمة التي عُهدت إليه.

وفي بعض الروايات الأُخرى أن بعض الصحابة -رضوان الله عليهم- سأل رسول الله ﷺ عن قول الله تعالى في القرآن الكـريم (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) (الجمعة: 4) قائلاً: يا رسول الله، مَن هم هؤلاء الآخرون الذين ستُبعث فيهم وتعلّمهم القرآنَ؟ أي كيف تقوم بعملية تعليمهم وقد تُوِفِّيتَ؟ فوضع رسول الله ﷺ يدَه على منكب سلمانَ الفارسي وقال: “والذي نفسي بيده لو كان الإيمان معلَّقًا بالثريا لناله رجالٌ أو رجلٌ من هؤلاء” (البخاري: التفسير، سورة الجمعة). وروى ابن مردويه عن سعد بن عبادة بلفظ “رجالٌ مِن فارس“.

والنظرة الشاملة في هذه الروايات تكشف لنا أن النبي أنبأ عن ظهور موعود خاص من أبناء فارس يعود بالإيمان بعد أن يكون قد ارتفع إلى السماء في آخر الزمان، وأن رجالاً آخرين ذوي أصول فارسية سيؤيدونه في مهمته.

ما علاقة المسيح الموعود بزمن يأجوج ومأجوج؟

فجوابه أن القرآن الكريم والحديث الشريف يؤكدان أن الإسلام سيؤول إلى هذه الحالة في آخر الزمان عند ظهور يأجوج ومأجوج وظهور الدجال؛ وأنهما أهل دين واحد، حيث إن يأجوج ومأجوج لقبٌ يرمز إلى فتنهم السياسية، بينما الدجال لقبٌ يشير إلى فتنهم الدينية.

إذًا فالربط بين هذه الروايات بنوعيها يكشف لنا أن إشاعة الكفر التي ستتم في زمن يأجوج ومأجوج سيقاومها رجل فارسي الأصل، وأن رجالاً آخرين من بني فارس سيساعدونه في ذلك؛ وهكذا بذكر أحوال ذي القرنين بالتفصيل رد الله تعالى الاعتراض الذي كان يَرِدُ على فعل ذي القرنين الأول الفارسي الأصل. كما أنبأ ﷻ بتسجيل قصته في القرآن أنه سيظهر في آخر الزمان ذو القرنين الآخر الذي سيدفع هجمات يأجوج ومأجوج الدينية ضد الإسلام، مثلما صدَّ ذو القرنين الأول غاراتِهم المادية في الماضي.

والجدير بالذكر هنا أنه كما قيل عن ذي القرنين الثاني بأنه ليس فارسيَ الأصل في الحقيقة حيث نزح آباؤه إلى الأراضي الفارسية من إحدى الولايات الصينية، كذلك ورد في التاريخ أن ذا القرنين الأول كان في الأصل من منطقة ميديا، وإنما سمِّي فارسيًّا لعلاقاته المؤقتة بفارس.

رد شبهة البهائيين

هذا، وأود في هذا المقام دفع شبهة أُخرى. يحاول بعض البهائيين عبثًا تطبيق هذه الأنباء على زعيمهم “بهاء الله” لكونه فارسي الأصل؛ ولكنها محاولة باطلة. ذلك أن الأحاديث النبوية تصرح بأن الموعود المذكور هنا سيعلّم القرآن الكريم، وسيكون نائبًا وخليفة لمحمد رسول الله ﷺ، ذلك أن ما قاله رسول الله ﷺ في تفسير آيةٍ من سورة الجمعة يؤكد بكل جلاء أن محمدًا ﷺ كما يعلّم الأُميّين أي العربَ القرآنَ، كذلك سيعلّمه مرة أخرى قومًا آخرين لم يأتوا بعد. إذًا فإن هذا النبأ لا يمكن أن ينطبق على أحد إلا الذي:

  1. يكون فارسي الأصل.
  2. ويعلن أنه تلميذٌ لمحمد رسول الله ﷺ، ولا يعلّم إلا القرآن.
  3. أنه يكون ذا القرنين أي يرى قرنَين من السنين، علمًا أن هذا الأمر مستنبَط بالجمع بين آيات القرآن المختلفة الواردة في هذا الموضوع.
  4. وأنه سيقضي على فتنة يأجوج ومأجوج التي أعظم أُسسها عزوُ صفات الله إلى العباد وتأليههم.

والواضح الجلي أنه لم يتوافر في “بهاء الله” من هذه الشروط إلا كونه من فارس. فلم يكن تلميذًا لمحمد رسول الله ﷺ؛ كما لم يَدْعُ الناسَ إلى القرآن الكريم؛ ولم يجد زمن قرنين من القرون؛ ولم يقضِ على فتنة يأجوج ومأجوج؛ بل على النقيض شبَّ نارَها وأفحلَ شرَّها بقوله عن نفسه أنه إله…

هل كان ذو القرنين نبي؟

لقد ذكرتُ من قبل أنني أرى مع بعض المفسرين السابقين والباحثين الأوروبيين، وكما بيّن أستاذي المكرم المولوي نورُ الدين الخليفةُ الأول لسيدنا المسيح الموعود ؏، أن ذا القرنين لقبٌ لأحد ملوك الفرس، وكان أستاذي المكرم يرى أن اسم هذا الملِك كيقباد.

وقال البعض الآخر إنه كان داريوس الأول. (بيان القرآن مجلد 2 ص 842). وعندي أن علينا أن ننظر قبل كل شيء في صفات ذي القرنين التي ذكرها القرآن الكريم، وهي كالآتي:

  1. أنه كان يتلقى الإلهام أو يرى رؤى صادقة من الله تعالى.
  2. أنه خرج من بلاده يفتح الممالك متجهًا إلى الغرب حتى وجد الشمس تغرُب في عينٍ حَمِئَةٍ.
  3. ثم توجّهَ إلى الشرق وفتح الممالك الشرقية.
  4. ثم ذهب إلى منطقة متوسطة حيث كان يأجوج ومأجوج يُغِيرون ويهاجمون، فجعل هناك سدًّا.

لا بد لنا أن نرى هل توجد هذه الأمور الأربعة في الرجل الذي نظنه ذا القرنين، ولا سيما فيما إذا كان ملهَمًا من الله تعالى ومقبولاً عنده أم لا؟

مما لا نقاش فيه أن ذا القرنين هذا ملِكٌ من ملوك ميديا وفارس، لأن رؤيا دانيال النبي تدل جليًّا على أنه واحد منهم. إنما بقي علينا أن ننظر أيًّا من هؤلاء الملوك كان يتحلى بهذه الصفات.

لا جَرَمَ أن صفة الإلهام هي أهمّ هذه الصفاتِ. وحين نتصفح التاريخ من هذا المنظور نجد بين ملوك فارس ملِكًا كان ملهَمًا من الله تعالى، وقد أثنى عليه الأنبياء الآخرون أيضًا لبِرِّه وتقواه؛ وذلك الملِك هو “كُورش” ويسمى بالإنجليزية “Cyrus” يقول إشعياء النبي عنه ما نصه: “هكذا يقول الرب لمسيحِه لكُورشَ الذي أمسكتُ بيمينه لأدوسَ أمامه أُمـمًا وأَحْقاءَ ملوكٍ، لأفتح أمامَه المِصراعينِ والأبوابُ لا تُغلَق. أنا أسيرُ قُدّامَك، والهِضابَ أُمهِّدُ. أُكسِّر مِصراعَي النُّحاسِ، ومَغاليقَ الحديدِ أقصِف، وأُعطيك ذخائرَ الظلمة وكنوزَ المخابئِ، لكي تعرِف أني أنا الربُّ الذي يدعوك باسمك إلهُ إسرائيل. لأجلِ عبدي يعقوبَ وإسرائيلَ مختارِي دَعَوتُك باسمك. لقّبتُك وأنت لستَ تعرِفني” (إشعياء 45: 1-5).

يظهر من إلهام إشعياء هذا أن كورشَ ملِكَ ميديا وفارس قد بورك من قبل الله تعالى حيث سمّاه الله ﷻ المسيحَ -مع الملاحظة أنه كما لُقِّب كورش، الذي هو ذو القرنين، بالمسيح، كذلك سُمِّيَ المسيح الموعود ذا القرنين. ويتضح أيضًا من هذا الإلهام أن الله تعالى قد منح كورشَ الحُكمَ بفضل خاص منه. وهذا ما يقوله القرآن أيضًا عن ذي القرنين حيث ورد فيه: (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا) (الكهف: 85).

كما نقرأ في كلام إشعياء: “أنا أسير قُدّامَك، والهِضابَ أُمهِّدُ.” وفيه إشارة إلى كثرة أسفاره كما قال القرآنُ الكريم.

ونقرأ في إلهام إشعياء: “أني أنا الرب الذي يدعوك باسمك، إلهُ إسرائيل.” ويماثله قولـه تعالى في القرآن: (قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ) (الكهف: 87).. أعني أن الله تعالى دعاه بذكر اسمه “ذي القرنين”.

ثم ورد في إلهام إشعياء: “دعوتُك باسمك، لقّبتُك وأنت لستَ تعرِفني.” وفيه إشارة إلى أنه ما كان يعبد الله تعالى بأسمائه المذكورة في التوراة بل بأسماء أُخرى. والثابت من التاريخ أن كُورش كان من أتباع زردشت النبي.

والكتب التاريخية كلها تذكُر كُورشَ ذكرًا حسنًا، حتى ورد فيها أن أعداءه أيضًا كانوا يحبّونه، وأنه كلما هاجم بلدًا فتح أهله لـه الأبواب والتحقوا به ضد ملكهم، وذلك لما سمعوه من بِرِّه وعدلِه. وهذا ما يؤكده أيضًا إلهامُ إشعياءَ النبيِّ حيث ورد فيه: “القائل عن كُورشَ راعِيَّ، فكُلَّ مَسرّتي يُتمِّم” (إشعياء 44: 28).

فمما سجّله المؤرخون القدامى عن حسن أخلاقه ما قاله دنيوفين المؤرخ الشهير وتعريبه: ذات مرة تدبرتُ في الفطرة الإنسانية فتوصلت إلى أن من السهل على الإنسان بفطرته أن يحكم على الحيوانات الأُخرى، ولكن من الصعب جدًّا أن يحكم على بني جِلدته. فكم مِن سيدٍ يوجد في بيته قليل أو كثير من الخدَمَ، ولكن ليس بوسعه أن يجعلهم يطيعون طاعة صادقة. فاستنتجتُ من ذلك أنه لا يوجد في الدنيا رجل واحد قادر على أن يحكم على الإنسان، وإن كان كثير منهم يحكمون على الحيوانات الأُخرى. وبينما أنا هائم في تفكيري هذا إذ تذكّرتُ كُورشَ الملِكَ، الذي جعلني أعدِّل رأيي هذا، فقلت: نعم، ليس صعبا أن يحكم أحدٌ الناس، إذ وجدتُ الناس قد قبلوا حكم كورش عليهم عن طواعية، مع أن بعضهم كانوا يسكنون على مسيرة شهرين منه، وبعضهم مسيرة أربعة أشهر؛ وبعضهم لم يروه قط، وبعضهم ما كانوا ليتوقعوا حتى رؤيته.

ثم يستطرد قائلاً: لقد ولّد كورشُ في قلوب الناس رغبةً شديدة في أن يُرضوه، وأن يدوم حكمُه عليهم. لقد حكَم شعوبًا كثيرة يصعب إحصاؤها حيث كان ملكه ممتدًّا من الشرق إلى الغرب.

(Historian’s History Of the World: the History of Persia Vol. 2p. 596-597)).

ثم لخّص هذا الكتاب آراء المؤرخين المعاصرين بما تعريبه: إذا كانت العظمة تعني القتالَ دفاعًا عن العدل وكونَ الإنسان مستعدًّا لفداء النفس في هذا السبيل فلا شك أن كورش كان ملكًا عظيمًا.

ثم يقول: لم يعمل كورش شيئًا خالصًا لنفسه. لما تحالفت حكومات ميديا وبابل ومصر ضده وهاجمته، لم يرفع سيفه خلافهم إلا من أجل الدفاع. وفوق كل شيء إنه كان رحمةً متجسدةً. لم تقع على تُرسه قطرةُ دم سفَكها حرامًا، ولم يصبغ يديه بالانتقام المخيف والاعتساف الغاشم. ولم يحرّق البلاد كما فعل ملِكُ مقدونيا. ولم يكسِر أيدي الملوك المنهزمين وأرجلَهم كما فعل الملوك الفاتحون الآخرون، ولم يسحَبهم على الحيطان كما فعل ملوك اليهود، ولم يشنقهم كما فعلت الروم؛ ولم يسفك الدماء كالإسكندرِ إلهِ اليونان المجنونِ.

بالرغم من أنه كان آسيويًّا لكنه كان من أُولئك الرجال الذين يظهرون قبل أوانهم بكثير. كان أكثر الناس حِلمًا. سبَق قومه خارجًا على تقاليدهم وعاداتهم؛ وبلغ قمة الرقي الإنساني قبل أن يبلغها أحد بأمد بعيد. كانت مملكته القوية تتأسس على مبدأِ رفعِ مستوى الممالك المفتوحة ومنحِ أهلها الحقوقَ على قدم المساواة. لم تستسلم مدينة “تائر” لنبوخذ نصّر ولا للإسكندر إلا بعد مقاومة شديدة وحصار طويل، ولكنها فتحت أبوابها لكُورش عن طيب نفس…

وفوق كل شيء إن الشعب الصغير الذي يسمّى اليهودَ استقبلوه على نهر بابل بحماس لم يستقبلوا به أحدًا من الغابرين…لم يخلُقه الزمان بل إنه خلق الزمانَ وكان أباه. كان، ولا ريب، ملكًا فريدًا لا مثيل لـه في التاريخ الإنساني.

 (Historian’s History Of the World: the History of Persia Vol. 2 p. 597-600))

هل كان ذو القرنين يتلقى الوحي؟

والآن أثبت لكم أن كورش كان يدعي تلقِّي الرؤى الصادقة من الله تعالى.

نجد في المرجع المذكور أعلاه أنه خرج ذات مرة في مهمة عسكرية، فرأى في المنام أن “داريوس” -الذي كان ابن أخيه- له جناحان أحدهما منبسط على أوروبا والآخر على آسيا. وفي الصباح أرسل كورش إلى أبي داريوس الذي كان يرافقه في السفر، وقال لـه: يبدو أن ابنك يدبر المؤامرة ضدي. والدليل على ذلك أني رأيت البارحة في المنام كذا وكذا. ومن سنة الله معي أنه تعالى، لشدة حبه إياي، يخبرني سلفًا عن كل حادث لـه تأثير عميق في ذاتي (المرجع السابق ص 594-595).

لا شك أن رؤياه كانت صادقة، وإن كان قد أخطأ في تفسيرها حيث فهِم منها أن داريوس يكيد له كيدًا، بينما كان لها في الحقيقة تفسير آخر ظهر في موعده بكل جلاء. ذلك أنه لما مات كورش اعتلى ابنُه العرشَ، فقتَله بعض الناس. فأخذ داريوس معه بعض رجال العائلة الملكية وقتَل الشخصَ الذي اغتصب المُلكَ. فاتفقوا على اختيار داريوس ملِكًا عليهم. فقام داريوس بغزو قسم كبير من أوروبا وآسيا، وهكذا وسّع رقعة المملكة الفارسية كثيرًا (المرجع السابق ص 600-609).

كما يتضح من الكتاب المقدس أيضًا أن كورش كان يتلقى الإلهام الإلهي حيث يقول عزرا النبي ما نصه: “وفي السنة الأولى لكُورش ملِكِ فارسَ عند تمام كلام الربِّ بفمِ إرميا نَبَّهَ الربُّ روحَ كورش ملِكَ فارسَ، فأطلقَ نداءً في كل مملكته وبالكتابة أيضًا قائلاً: هكذا قال كورشُ ملكُ فارس: جميعُ ممالك الأرض دفَعها لي الربُّ إلهُ السماء، وهو أوصاني أن أبنيَ لـه بيتًا في أورشليم التي في يهوذا. مَن منكم مِن كل شعبه لِيَكُنْ إلهُه معه ويَصعَدْ إلى أورشليم التي في يهوذا، فيبنيَ بيتَ الربِّ إلهِ إسرائيل” (عزرا 1: 1 -3).

وهذا يعني أن الله تعالى اصطفاه، وآتاه الحكم والبلاد، ثم أمره بإلهام منه ببناء البيت المقدس في أورشليم وإطلاقِ سراح اليهود من بلاد السبي.

والعلامة الثانية التي ذكرها القرآن الكريم لذي القرنين هي أن فتوحاته بدأت أوّلاً إلى المغرب حيث ما برِح يفتح مُلكًا بعد ملك ويمضي قُدُمًا حتى وصل حيث وجَد الشمسَ تغرُب في عين حَمِئةٍ.. أي كان لونُ مائها أسودَ، والمراد منها البحر الأسود الذي اسمه بالإنجليزية (Black sea).

وهذا ما حصل بالضبط مع كورش. فلما مكّنه الله تعالى في الأرض تحالفَ ضده ملوكُ البلاد الغربية وحملوا على مُلكه، وكانت هذه بداية فتوحاته خارج ملكه إلى الجانب الغربي حتى فتَح بابل ونينوى والمستعمرات اليونانية الواقعة في شمال آسيا الصغرى حتى بحر مَرمَرة، وهكذا وصَل كورش إلى العين التي كانت في الجانب الغربي من ملكه، والتي كان ماؤها أسود اللون. والثابت تاريخيًّا أنه فتَح هذه المناطقَ كلها.

(Historian’s History Of the World: the Persia Vol. 2 p. 607-609)  History of الموسوعة اليهودية مجلد 4 ص 403 كلمة Cyros

والعلامة الثالثة التي يبينها القرآن الكريم هي أن ذا القرنين توجَّهَ إلى الشرق بعد فتح ممالك الغرب. ويؤكد التاريخ أيضًا أن كورش بعد فتح البلاد الغربية قام بغزو البلاد الشرقية حتى وصلت حدود دولته إلى أفغانستان وبُخارى وسمرقند.

(Historian’s History Of the World: the History of Persia Vol 2 p. 593).

من هم يأجوج ومأجوج؟

والعلامة الرابعة المذكورة في القرآن هي أن ذا القرنين توجَّهَ بعد ذلك إلى بعض المناطق المتوسطة، وبنى هناك سدًّا للحيلولة دون حملات يأجوج ومأجوج. والثابت من التاريخ أن كورش حاربَ يأجوج ومأجوج، ليحمي بعض ولايات مملكته من حملاتهم. ولاستيعاب هذا الأمر لا بد أن نعرف أوّلاً: ما هي القبائل التي أُطلق عليها اسم يأجوج ومأجوج؟

إن التوراة تساعدنا في معرفة هذه القبائل حيث ورد فيها وحيُ الله تعالى إلى حزقيال النبي: “يا ابنَ آدم اجعَلْ وجهَك على جُوجٍ أرضِ ماجوجَ رئيسِ رُوشٍ ماشِكَ وتُوبالَ، وتَنبَّأْ عليه” (حزقيال38:2).

هذا يوضح أن التوراة -وهي أول مصدر عَرَّفَنا عن يأجوج ومأجوج- تطلق على سكّان مناطق الشمال اسمَ يأجوج ومأجوج، وتخبر أن مسكنهم روش (روسيا) وماشك (موسكو) وتوبال (توباسك)؛ وهي كلها مناطق شمالية.

كما يتضح من كتاب حزقيال النبي أن ملِكًا من فارس سيقاوم شعوبَ يأجوج الذين يكون معهم فارسُ وكورش وفوط (حزقيال 38: 5). وهذا يعني أن يأجوج كانوا مسيطرين على بعض المناطق الفارسية حين الإدلاء بهذا النبأ؟

تعالوا الآن لنرى ماذا تقول الكتب التاريخية في يأجوج ومأجوج؟ يقول يوسيفوس، وهو من المؤرخين القدامى، إن يأجوج ومأجوج اسم لقبائل سيدين Scythians”“.

ونجد التوراة تصدّق ما قاله يوسيفوس حيث ذكرتْ بين أسماء بني يافث اسم جومر وماجوج ومادي (تكوين 10: 2).

علمًا أن جومر اسم يطلق على الكِيمَرِيّين (Cimmerian) الذين كانوا يسكنون في الجانب الشرقي لآسيا الصغرى، وأما مادي فهو اسم لأهل ميديا. ويقول جيروم إن مسكن مأجوج هو بجبل القوقاز وراء البحر الأخضر (بحر قزوين). وهذه البقعة أيضًا واقعة في الشمال التي يسكن فيها سيدين. (الموسوعة اليهودية مجلد 6 ص 19)

لقد علمنا من قبل من الكتاب المقدس أن يأجوج ومأجوج استولوا على فارس. فإذا كانوا هم شعب سيدين فتعالوا ننظر هل يؤكد التاريخ أن سيدين استولوا على فارس؟

والجواب: نعم، حيث نقرأ في التاريخ ما تعريبه: وكما قلنا من قبل فإن فارس وقعتْ في أيدي سيدين، أو بلفظ آخر استولى عليها ملِكُ ميديا -لأن سيدين كانوا حينذاك حكامًا على ميديا- وهو المَلِك الذي كانت عاصمته أكباتانا Ecbatana)) التي خلّصها من يديه كورشُ الأعظمُ.

Historian’s History Of the World vol. 2 p. 589))

لقد ثبت من هذا أن يأجوج ومأجوج استولوا على فارس، كما ثبت أيضًا أن كورش الملك هو الذي حرّر فارس من قبضتهم. وكذلك يؤكد التاريخ أن يأجوج ومأجوج كانوا يؤذون الشعوب الجنوبية بغاراتهم المتكررة، حيث كتب هيرودوتس بأن سيدين كانوا يشنّون الغارات على بلاد الجنوب من مناطق الشمال من بين جبل القوقاز وبحر قزوين عن طريق دربند. (المرجع السابق).

سد ذو القرنين

والشق الثاني للعلامة الرابعة الواردة في القرآن الكريم أن ذا القرنين بنى جدارًا يصدّ حملات يأجوج ومأجوج. تعالوا نبحث الآن:

هل وجد في هذه البقعة من الأرض جدار أو سد؟

والجواب أنه في نفس المكان الذي يخبر عنه هيرودوتس المؤرخ أنه كان طريقًا لحملات سيدين وُجد جدارٌ يُعرَف بين الناس بجدار دربند. وعندي أنه سمِّي في الأغلب باسم دربندØ لأن سيدين كانوا مُنعوا من الغارات بذلك الجدار. ونقرأ في دائرة المعارف البريطانية عن دربند أنه كان فيها جدار بلغ ارتفاعه عند بنائه 29 ذراعًا وعرضُه 10 أذرع، وكانت فيه أبواب حديدية وأبراج للرصد والحراسة. كان يمتد من بحر قزوين إلى جبال القوقاز على طول خمسين ميلاً. بناه الإسكندر، ورمّمه قبادُ الملِكُ الساساني. (الموسوعة البريطانية مجلد 8 ص 64 كلمة Derbend)

Ø علمًا أن “دربند” يعني حرفيًّا بابٌ مغلَق (المترجم)

ولقد تبيّن من هذه الشهادات أنه كان في هذا المقام جدار، ولكني لم أعثر بعد على شهادة تاريخية تدل على أن كورش الملك هو الذي بنى هذا الجدار. بيد أني أرى من غير المعقول أن يكون الإسكندر هو باني هذا الجدار. ذلك أن الإسكندر، كما يظهر من التاريخ، هزَم داريوس آخرَ مرة في صيف سنة 330 قبل الميلاد حيث وقع داريوس صريعًا (الموسوعة البريطانية مجلد 1 ص 568-569 كلمة Alexander the Great)، ومع ذلك لم يتمكن الإسكندر من الاستيلاء على بلاد فارس كلها، إذ كانت جيوش الولايات الفارسية العديدة جاهزة لمقاومته، لذلك كان عليه أن يتقدم إلى الأمام من دون توقف، وفي أثناء تقدمه حصلت الثورة فيما ترك وراءه من الممالك، فاضطر للعودة. وبعد أن أخمد نار الثورة تقدّمَ الإسكندر إلى كابول حيث بدأت جنوده تتمرد عليه. وفي رأي المؤرخين أنه تقدم إلى الهند في شتاء سنة 329 قبل الميلاد. ولقد قام بهذا السفر بسرعة جعلت المؤرخين يشكّون حتى في سفره هذا. وعلى كل حال إنه لمن الثابت المحقق أن الإسكندر لم يتوقف في طريقه، بل لم يزل يحارب ويتقدم إلى أن توجهَ إلى الهند، ورجع منها بطريق البحر في السفن، ووصل إلى إيران في سنة 324 قبل الميلاد. ومكث هناك مدة قليلة اضطر فيها مرة أُخرى لإخماد نار التمرد في جيوشه، ثم توجّهَ عائدًا إلى وطنه، وتُوفِّي وهو في الطريق في 13 يونيو عام 323 قبل الميلاد. (الموسوعة البريطانية مجلد 1 ص 549 كلمة Alexander the Great).

تؤكد هذه الأحداث بكل جلاء أنه ما كان بوسع الإسكندر، والحال هذه، أن يجد وقتًا كافيًا لبناء مثل هذا الجدار الطويل. ويبدو أن قول بعض المفسرين المسلمين أن ذا القرنين هو الإسكندر المقدوني (الكشاف، والقرطبي) جعَل الكُتّابَ المسيحيين ينخدعون، فظنوا أن الإسكندر هو الذي بنى هذا الجدار.

ولكن مجرد الإثبات بأن الإسكندر لم يبن هذا السد ليس بكاف، بل يحتاج الأمر إلى شهادة تؤكد -ولو على الأغلب لا على سبيل اليقين- أن كورش الملِكَ هو الذي بنى هذا الجدار.

وبما أنني لم أجد بعد شهادة من التاريخ تثبت على وجه اليقين أن كورش بنى هذا السد فلذلك لم يبق أمامنا طريق آخر غير القياس. فاستنتجت قياسًا ببعض الوقائع التاريخية بأن كورش كان بانيَ الجدار. وفيما يلي أدلتي:

1- يظهر من التاريخ أن داريوس -الذي اعتلى العرش بعد ابن كورش والذي رأى عنه كورش في الرؤيا أن حكومته ستكون في المشرق والمغرب- كان قد ذهب إلى أوروبا مرورًا باليونان ليهاجم سيدين.

Historian’s History Of the World vol. 2 p. 610)).

ومن غير المعقول تمامًا أن يذهب داريوس إلى أوروبا عن طريق اليونان للهجوم على سيدين مع أنهم كانوا قاطنين في جواره في الشمال! هناك تفسير واحد -كما يقضي القياس- لذهابه إلى أوروبا لهذا الغرض، وهو أن طريق دربند كان مسدودًا لأن كورش كان قد أقام هناك الجدار، والهجوم على سيدين بجيش كبير من خلال أبواب الجدار الضيقة لم يكن خاليًا من الخطر، أما هدم الجدار فكان أكثر خطورة، لذلك لم يجد داريوس بدًّا لكسر قوة سيدين إلا الهجوم عليهم من قِبل أوروبا حيث كان الجدار يقف سدًّا منيعًا أمام سيدين من جهة، بينما كان يزحف داريوس عليهم بجحافله من جهة أُخرى.

2- إذا لم يكن الجدار موجودًا في دربند قبل داريوس فمن المستحيل أن نتصور عن مَلِكِ عاقلٍ مثلِه أن يدور لمسافة ألف ميل تقريبًا للهجوم على سيدين تاركًا ملكه مكشوفًا للأعداء، إذ كان في هذه الخطوة خطر أن يخرج سيدين من جواره ويشنّوا الغارة على بلده بحيث ما كان بوسعه أن يحمي ملكه، أو يتلقى أيةَ مساعدة من أهله عند الضرورة. فذهابه إلى أوروبا للهجوم على سيدين مطمئنًا يدل دلالة واضحة على وجود السد في دربند قبل حملته، مما جعل باله مطمئنًا بأنه لا يمكن لسيدين أن يحملوا على مُلكه من تلك الجهة لكون السد يقف حائلاً منيعًا بينهم وبين مُلكه.

وبعد، فأرى أنني قد أثبتُّ على وجه اليقين توافُرَ الأمور الأربعة المذكورة في القرآن عن ذي القرنين بحق كورش الملِكِ، اللهم إلا أمر بناء الجدار الذي قلتُ عنه قياسًا بوقائع ذلك الزمان -التي لم يصلنا منها إلا القليل- أن كورش الملك هو باني ذلك الجدار بالقرب من دربند، ولا سيما حين نرى أن التاريخ يشهد أن يأجوج ومأجوج كانوا حاكمين على ملكه قبل اعتلائه العرش، وكانوا يشنّون غاراتهم من حين لآخر على فارس وعلى مملكته الواسعة، وأن حملات سيدين من جهة دربند كانت انتهت بعد زمن كورش.

(World vol. 2 p. 589 Historian’s History Of the)

(والموسوعة البريطانية مجلد 1 ص 549 كلمة Alexander the Greaؓ)

ذو القرنين هو كورش الملك

فالخلاصة أنه يبدو أن ذا القرنين المذكور في القرآن الكريم ما هو إلا كورش الملك

وبعد إثبات هذا الأمر أقوم بتفسير الآيات القرآنية كلاً على حدة.

  • يعلن الله تعالى: لقد كنّا وهبنا لذي القرنين في الدنيا قوة كبيرة، وهيّأنا له من كل الأسباب.
  • لقد أثبتنا فيما مضى بشواهد من الكتاب المقدس وأقوال كورش نفسه أن الله تعالى كان قد وهب له قوة كبيرة بفضله الخاص.
  • اعلم أن قوله تعالى (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ) (الكهف: 87) لا يعني أنه بلغ الحد الغربي النهائي من الأرض، بل المراد منه الحد الغربي لممالكه المفتوحة أي الحد الغربي الشمالي لآسيا الصغرى.

ما هي عين حمئة وكيف غربت الشمس فيها؟

ولفظ (عَيْنٍ حَمِئَةٍ) (الكهف: 87) يعني الماء الممزوج بالطين الأسود حيث يبدو لونه مائلاً إلى السواد بسبب الطين، والمراد منه هنا البحر الأسود؛ وقد سمِّي بذلك لأن لون مائه مائل إلى السواد بسبب عمقه؛ كما أن معنى الحمئة -أي الماء المخلوط بالطين- أيضًا ينطبق على هذا البحر حرفيًّا، إذ يمتاز عن سائر البحار بكون مائه أقل ملوحة. ذلك أن معظم مياهه تأتي من الأنهار والفيضانات المنحدرة إليه من أراضي روسيا ورومانيا وبلغاريا؛ مما يجعل ماءه أكثرَ طينًا وأقلَّ ملوحة بالمقارنة بالبحار الأخرى. )الموسوعة البريطانية مجلد 2 ص 258 كلمة: Black sea).

وفي قوله تعالى: (وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) (الكهف: 87) لا يراد بالعين عين ماء عادية، بل بحر واسع جدًّا بحيث لو قام أحد على شاطئه يبدو لـه كأن الشمس تغرب فيه. وقد سمى البحر عينًا للدلالة على بُعدِ عُمقه، وعلى أن الماء يتفجر من تحت أديم الأرض ويختلط بمائه.

والمراد من القوم في قوله تعالى (وَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا) (الكهف: 87) الدولة الحاكمة على الساحل الشرقي لآسيا الصغرى، والتي تحالفت مع الحكومات الأُخرى للهجوم على كورش دونما سبب بعد فتح بابل. ثم يبين الله تعالى: قُلْنا لذي القرنين عن هذه الشعوب: إما أن تعذّبهم على شرورهم، وإما أن تحسن إليهم لاستمالتهم.

هذا جواب كورش الملِكِ على هذا الإلهام حيث قال: إنما أريد العفو عنهم هذه المرة، وسأعذّبهم إن عادوا إلى شرورهم.

وفي قوله (ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ) (الكهف: 88) دليل على أن كورش كان يعتنق دينًا يحث على الإيمان بالبعث بعد الموت. ويشهد التاريخ أنه كان من أتباع الديانة الزرادشتية المخلصين، وهي الديانة التي تمتاز -بعد الإسلام- بالتأكيد على البعث بعد الموت من بين جميع الديانات. (الموسوعة اليهودية مجلد 4 ص 404). بهذه الآية يبدأ كلام ذي القرنين، ولا شك أنه دليل على حسن أخلاقه. وقد سبق أن ذكرنا أن كورش كان رحيمًا، وكان يعامل الشعوب التي فتح بلدانها بمنتهى المحبة والرحمة.

ولو قيل هنا: لماذا خيّره الله تعالى بين التعذيب والإحسان وقال: (إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا) (الكهف: 87) فالجواب أن هذا أسلوب رباني لطيف لترغيبه في الرفق والرحمة. لقد قدّم الله تعالى ذكر العذاب لبيان أنه يحق لك أن تعذبهم لأنهم ارتكبوا الشر، ثم أعقبه بقوله (وإما أن تتخذ فيهم حُسنًا) أي هناك خيار آخر أمامك وهو أن تترفق بهم؛ وهكذا بأسلوب لطيف أتاح لذي القرنين الفرصة لاكتساب حسنة خالصة. لأنه لو رحمهم بأمر من الله تعالى لم تكن هناك فرصة لإظهار فطرته الحسنة ولقيامه بالخير بطبعه وعن طواعية، ولكن هذا الأسلوب أدى هذا الغرض، فاستحق ذو القرنين ثوابًا أكثر.

تتحدث الآية (لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا) (الكهف: 91) عن سفر ذي القرنين إلى الجانب الشرقي أي أفغانستان. وقد يكون المراد من قوله تعالى أن ذلك القوم لم يكونوا متحضرين، وكانت البيوت والمباني عندهم قليلة، فكانوا يسكنون في الأكواخ أو الخيام. وهكذا كانت حالة القبائل الأفغانية في ذلك الزمان، فلم يكونوا متحضرين بما يكفي.

ولكني أرى أن التدبر في ألفاظ القرآن الكريم يؤدي بنا إلى الاعتقاد أن المنطقة المشار إليها هي بلوجستان، لأن الآية تقول: (وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا) (الكهف: 91).. أي أن أشعّة الشمس كانت تقع عليهم رأسًا ولم يكن بينها وبينهم حاجز؛ أي أن الأراضي كانت سهولاً جرداء ليس بها أشجار عالية ولا جبال شامخة. علمًا أن عامة المؤرخين كانوا يونانيين فذكروا على العموم تلك الانتصارات التي حققها ذو القرنين في منطقتهم، أما انتصاراته التي حصلت في بلاد الشرق فلم يتناولوها بالتفصيل، وإنما قالوا بإيجاز شديد إن كورش زحف على أفغانستان تجاه الشرق وفتح تلك البلاد. وبما أن منطقة سيستان كانت جزءًا من الإمبراطورية الفارسية لذلك أرى أن هذه الآية تشير إلى ولاية بلوجستان ذات الصحراء الرملية والتلال. أما إذا اكتفينا ببيان التاريخ فيبدو أنها تشير إلى القوم القاطنين في أرض ذات صحراء وسهول ممتدة لمئات الأميال في الجانب الغربي لهرات وسيستان وفي الجهة الشمالية من دُزداب إلى مشهد من البلاد الفارسية.

أما قوله تعالى (وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا) (الكهف: 92) فيعني أننا قمنا بحمايته وحراسته في جميع أسفاره، ذلك أن الإحاطة بكل ما لديه خُبرًا لا يعني سوى مراقبة أحواله ورعايته. وفي الآية تشير إلى الرحلة الثالثة لكورش التي قام بها ناحية الشمال من إيران إلى الولاية الواقعة بين بحر قزوين وجبال القوقاز. (الموسوعة البريطانية مجلد 5 ص 410 كلمة Cyrus)

لقد سبق أن ذكرنا أن لفظ (كاد) يفيد الإيجاب إذا كان مسبوقًا بحرف النفي، ويفيد النفيَ إذا كان مسبوقًا بحرف الإثبات؛ فتعني الآية أنهم كانوا يفقهون كلام ذي القرنين وقومه ولكن بصعوبة. ويُستنبط من ذلك أن القوم كانوا جيرانًا للفرس يختلطون بهم بكثرة. كانت لغتهم غير لغة كورش ورجاله، ولكنهم كانوا يفقهون كلام أهالي ميديا وفارس لحد ما نتيجة التجاور والتزاور.

وإذا نظرنا إلى الموقع الجغرافي لمنطقة دربند حيث بُني السد أو الجدار وجدنا الوصف القرآني ينطبق عليها تمامًا، لأن أرضها متصلة بأرض ميديا وفارس، بل صارت فيما بعد جزءًا من فارس، وإن كانت روسيا أدخلتها الآن في مملكتها. أما المراد من (بين السدين) فهو المقام الواقع بين بحر قزوين وجبال القوقاز. وهذان -أي بحر قزوين من جانب وجبال القوقاز من جانب آخر- كانا كسَدَّينِ، وكان المعبر الواقع بينهما يهدد أمن هؤلاء القوم. وبما أن هؤلاء كانوا ساكنين في جوار يأجوج ومأجوج وكانوا هدفًا لغاراتهم بكثرة، فاستدعَوا كورشَ أن يجعل لهم على نفقتهم سدًّا يحميهم من هجمات يأجوج ومأجوج.

قال ذو القرنين: لقد أعطاني الله تعالى علم هذه الأمور، وأستطيع القيام بها على أحسن وجه. سأضع الخطة، وأما أنتم فأعينوني بقوة.. أي أنكم أهل المنطقة وبإمكانكم مساعدتي بالعمال والمهنيين، فأْتوني بهم أَجعلْ بينكم وبين يأجوج ومأجوج جدارًا.

إلى جانب مطلبه بتوفير العمال والمهنيين طلَب ذو القرنين منهم أن يأتوه بالحديد والنحاس. ذلك أن إقامة السد كان ضروريًّا لحمايتهم من هجمات العدو، كما كان لا بد لهم من الأبواب في الجدار كيلا تتضرر تجارتهم وليبقى سبيل القوافل التجارية مفتوحًا. وكان لا بد من الحديد لكي تكون الأبواب صلبة قوية، وكان النحاس ضروريًّا كيلا تصاب الأبواب بالصدأ.

أي بعد اكتمال بناء السد انتهت غارات يأجوج ومأجوج. كان السد عاليًا فصعب عليهم عبوره، كما كان ضخمًا فما استطاعوا خرقه.

ولكن ليس المراد أن هذا السد أو الجدار كان من نوع يستحيل الصعود عليه أو نقبه، بل المراد أن الحرس المقيمين في أبراجه وحصونه كانوا يقومون بحراسته على الدوام مما جعل من المستحيل على يأجوج ومأجوج أن يظهَروه أو ينقبوه، لأن أحدًا لا يقدر على القتال وهو يصعد على الجدار، ولكن الحراس القاعدين في المراصد فوق الجدار يستطيعون منعه بدون صعوبة.

إن قول كورش هذا يدل على عظمة إيمانه بالله تعالى، حيث يؤكد أن المؤمن لا يصاب بالكبر والزهو مهما أتى بأعمال عظيمة، بل ينسب إنجازاته كلها إلى الله تعالى دائمًا.

أما قول كورش (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ) (الكهف: 99) فيدل على أن الله تعالى أخبره بالإلهام أن هذه الشعوب ستتقدم إلى الجنوب والشرق في يوم من الأيام مرة أُخرى، وعندها سيصبح هذا السد بلا جدوى؛ هذا هو المراد من قوله تعالى(جَعَلَهُ دَكَّاءَ). وفي سورة الأنبياء آياتٌ تنبئ صراحة أن هذه الشعوب ستنتشر في العالم كله عن طريق البحر.

وقد يعني تهدُّم الجدار انهيارَ حكم المسلمين.

إلى هنا انتهى كلام ذي القرنين، حيث يخبر الله تعالى الآن أنه عندما يحين الميعاد الإلهي الذي أشار إليه ذو القرنين هنا سيبعث الله هؤلاء الأقوام ويمكّنهم في الأرض مرة أخرى، وستتحارب الأمم، وتختلط شعوب الشمال والغرب بشعوب الجنوب والشرق، وهكذا سيجمع الله تعالى العالم كله.. بمعنى أن السفر في ذلك الزمان سيصبح سهلاً بحيث ستكون الدنيا كلها كبلد واحد. والحق أن هذه العلامات تنطبق تمامًا على عصرنا هذا.

لقد أخبر القرآن الكريم في مقام آخر عن انتشار يأجوج ومأجوج بالكلمات التالية: (حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ* وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ) (الأنبياء: 97-98). أي عندما نُـزيل العائق مِن أمام يأجوج ومأجوج ليقطعوا المسافات الطويلة على متون أمواج البحر، وينتشروا في الدنيا كلها مسرعين، عندها سيتحقق وعدُنا بهلاكهم؛ وسيأخذهم العذاب وهم يقولون في حيرة واستغراب: استمررنا في ظلم العالم ولم نتوقع أن العذاب سيدركنا، فدمارنا اليوم مؤكد.

كما تنبئ هذه الآية أن يأجوج ومأجوج لن يخرجوا من خلال خرق في جدار من الجدران، بل سيأتون عبر البحار. وتنبئ أيضًا أنهم سيستولون على البحار وستمخر سفنهم في بحار العالم كلها، لأن الآية تقول (وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ).. أي أنهم سيأتون راكبين أمواج البحار. كذلك تخبرنا هذه الآية أن أسفارهم ستُطوَى بسرعة كبيرة، وفي هذا إشارة إلى اختراع المراكب البحرية التي تجري بطاقة البخار.

ترون كيف تحقَّقَ هذا النبأُ القرآني حرفيًّا! لقد انتشرت هذه الشعوب في الشرق عبر البحار، والسفر في البحار في زمنهم يتم بسرعة لا نظير لها في الأزمنة الغابرة. يخبر هنا الله تعالى: ستكون تلك الأيام كمثل جهنم، حيث يكثُر التشاحن والعداء بين الناس، وتتناحر الدول والبلاد لتستولي بعضها على بعض.

والمعنى الثاني هو أن هذه الشعوب ستصبح لادينية، غافلة عن الله تعالى تمامًا، وستأتي أعمالاً تُدخل صاحبها في نار جهنم.

يخبر الله تعالى هنا أن العبادة ستتلاشى من بينهم كلية. إن هؤلاء القوم الذين تجشموا المشاق الجِسامَ من أجل الله تعالى في بداية رقيهم، سينسَون الله تعالى كلية في الزمن الأخير، وسينسبون كل إنجاز من إنجازاتهم إلى كفاءتهم الذاتية.

وقوله تعالى (وَكَانُوا لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا) (الكهف: 102) يعني أن الرَّين والصدأ الروحاني سيغشى قلوبهم بحيث تخلو تمامًا من أية قوة أو رغبة لسماع كلام الله تعالى. وهذه هي بالضبط حال الشعوب الغربية اليوم. فبدلاً من أن يستمعوا لوحي الله الجديد الذي أنـزله بعد كتابهم، جعلوا كتابهم، الذي يؤمنون به في الظاهر، هدفًا لأقذعِ الطعن وأشنعِه. يؤلفون في كل يوم جديد الكتب ليُثبتوا فيها أن المسيح المذكور في العهد الجديد لم يكن إلا شخصية وهمية، ومرة أُخرى أن الكتاب المقدس لم يكن من وحي الله تعالى، بل كان من افتراء البشر.

فتنة الدجال وخروج يأجوج ومأجوج

لقد تحدثت الآيات عن ازدهار الشعوب المسيحية وانتشارها في الدنيا في الزمن الأخير، وإهمالِها الدينَ، وتغافُلِها عن ذكر الله تعالى. وكذلك أخبر الله تعالى أنه سيهيئ من الأسباب الغيبية ما يبدّل به رقيَّها بالانتكاس والانحطاط، فيأخذها القنوط واليأس، فتتوجه أخيرًا إلى الدين كما يشير إليه الكشف الذي رآه موسى ؏، فتدرك أنها كانت على خطأ، فترجع إلى مجمع البحرين وتميل إلى الإسلام.

وأرى من المناسب أن أذكر في هذا المقام الأنباء المذكورة في التوراة عن مصير يأجوج ومأجوج. ورد في رؤيا يوحنا اللاهوتي: “ثم متى تمّت الألفُ السَّنةِ يُحرَّر الشيطان مِن سجنه، ويخرُج ليُضِلَّ الأممَ الذين في أربعِ زوايا الأرض جوجَ وماجوجَ، ليجمَعهم للحرب” (رؤيا يوحنا اللاهوتي 20: 7 و8).

علمًا أن المراد من “الألف السنةِ” هنا ألف سنة من العام الهجري، أي أن الشيطان سيتحرر من سجنه بعد ألف سنة من ظهور سيدنا محمد ﷺ. وهكذا وقع، فإن الشعوب الغربية ثبّتت أقدامَها في الهند سنة 1611 الميلادية، وكانت هذه بداية عهد ازدهار يأجوج. (الموسوعة البريطانية مجلد 11 كلمة India).

وإذا قرأنا معًا ما ورد في رؤيا يوحنا اللاهوتي هذه وما ورد في رؤيا حزقيال الواردة في (حزقيال 38 و39) تبيَّنَ لنا أن رقيهم كان سيبدأ في القرن السادس عشر؛ وأما غلبتهم على العالم كله واستيلاؤهم على جميع البلاد فيكون في الزمن الأخير.

ولقد سبق أن أشرتُ إلى أنه كان من المقدر أن يظهر في آخر الزمان مثيلٌ لذي القرنين في ظروف مشابهة لظروفه، لأن القرآن الكريم قد ذكر هذه الواقعة كنبأ غيبي أيضًا سيتحقق في المستقبل.

تتحدث الآيات عن أولئك الذين يزعمون أن المسيح مخلِّص وابنُ الله، والذين جاء ذكرهم في مستهل هذه السورة. إذًا فقد تبيّنَ من هذه الآية جليًّا أن المذكورين في الآيات السابقة هم المسيحيون ليس إلا.

أي أنهم جعلوا غاية حياتهم القصوى اختراع الأشياء التي تنفع الإنسان في دنياه فقط، ولا يلتفتون إلى الدين، وإنما يعدّونه لغوًا لا جدوى منه. أي لن نبقي لمخترعاتهم أثرًا، ولن نقيم لهم يوم القيامة بسببها وزنًا، لأن كافة أعمالهم كانت من أجل الدنيا لا للآخرة. أي أن عدم إقامة الوزن لأعمالهم يوم القيامة ليس كعقاب، بل هو الجزاء الوِفاق لأعمالهم، لأنهم ما داموا لم يفعلوا لله أي شيء فكيف يمكن أن يرجوا من الله تعالى أيَّ ثواب أُخْرويّ على ما فعلوا.

ولفظ “جهنم” عطفُ بيانٍ لـ “جزاؤهم”، والمعنى أن مرادنا من الجزاء جهنم، وذلك لكفرهم واتخاذهم آياتِ الله ورسله هُزُوًا.. أي أن هذه الشعوب لن تَكِنَّ أيَّ احترام تجاه كلام الله تعالى ورسلِه الكرام. سيؤلِّهون إنسانًا ليتخذوا جميع الأنبياء سخريةً وهُزُوًا. وهذه هي بالضبط حال المسيحيين كما تشاهدون. اتخذوا المسيح ؏ ابنًا لله تعالى، ويسيئون إلى سائر الأنبياء إساءة بالغة، ويعدّونهم لغوًا لا جدوى منهم، كما يعتبرون الشريعة لعنةً.

عندما يحل العذاب على هؤلاء القوم سيبتدئ زمن رقي المؤمنين لينالوا الجزاء على صبرهم، وسيجدون في تقديم التضحيات لله ودينِه متعة عظيمة حتى إنهم لن يريدوا الخروج من هذا الوضع رغم ما يبذلون من تضحيات بالأموال والأرواح؛ وإنما سيشعرون باللذة كلها في هذا السفر راكبين تلك “السفينة المخروقة” ولن يريدوا مغادرتها.

أي أن هؤلاء يُطلقون دعاوي عريضة بأنهم اخترعوا كذا وكذا من المصنوعات، واكتشفوا كيت وكيت من العلوم، وأنهم على وشك أن يدركوا سر الكون كله، لكن قل لهم يا محمد ﷺ، وبكلمات أُخرى قولوا يا أتباعَ محمد الموجودين في ذلك الزمان: إن محاولاتكم لمعرفة سر الكون ستبقى دائمًا كيومها الأول، وستجدون أنفسكم رغم كل المحاولات والجهود واقفين على الدوام حيث بدأتم رحلتكم هذه، ولن تكتشفوا من أسرار الكون وخواص الأشياء التي أودعها الله تعالى خَلْقَه ما يساوى قطرةً إزاء بحر.كما تتضمن الآية الإشارةَ إلى كون ذلك العصر عصرَ نشر الكتب، وأن هذه الشعوب ستهتم كثيرًا بإخراج مؤلفات علمية.

بعد ذكر هذه الأنباء والعلوم الغيبية يأمر الله تعالى رسوله ﷺ أن قُلْ لهم يا محمد: لقد بيّنت لكم هذا القدر من العلوم السماوية، ومع ذلك لا أقول لكم إني ابن الله أو أني متصف بالصفات الإلهية؛ إنما أنا بشر مثلكم، ولا يميّزني عنكم شيء سوى كوني موردًا لوحي الله تعالى. فإن كنتم راغبين في اقتناء هذه النعم فكونوا موحِّدين مثلي، واعملوا بوصايا الله تعالى، وامتنِعوا عن الإشراك به؛ ثم انظروا كيف يتفضل الله عليكم، ويفتح لكم خزائن الغيب.

وقال رسول الله ﷺ: “مَن قرأ عشرَ آيات من آخر الكهف عُصم من فتنة الدجال” (مسند أحمد: مسند القبائل رقم الحديث 26244). وقوله ﷺ هذا أيضًا برهان قوي على أن المراد من الدجال ويأجوج ومأجوج ليس إلا الفتنة المسيحية، لأن هذه الآيات إنما تتحدث عن هؤلاء القوم، كما لا يخفى ذلك على من يقرأها بتدبر وإمعان.

One Comment on “قصة ذو القرنين ويأجوج ومأجوج كاملة وبالتفصيل”

  1. تُبع نبي ورسول من عند الله وعُزير نبي من أنبياء بني إسرائيل” اليهود”
    ………………
    اللهُ جاء من تيمان…إذا لم يكُن تُبع هو رسول ونبي قومه في اليمن فمن هو نبيهم ورسولهم إذاً الذي كذبوه؟؟؟ وإذا كان تُبع ليس نبي ورسول فكيف يكون شُعيب نبي ورسول والله تكلم عنهما في نفس الآية.. وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ…قومان كذبوا الرسل شُعيب معروف إذاً الآخر هو تُبع…. وتُبع ليس فقط رجُل صالح فالصالحون كُثر….لكنه نبي ورسول من عند الله….ومن المؤكد أنهُ هو نفسه ذوالقرنين ” كورش ” لأنه ليس للفارسية منهُ نصيب إلا الإسم
    ……………
    {وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً }النساء164فتبع ممن ذكره الله لنبيه
    وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ…فتبع رسول من عند الله وهو أحد أو واحد من أُولئك التبابعة الذين حكموا اليمن ..”والرُسل ” وردت في كتاب الله 19 مرة ” والمُرسلين ” وردت 24 مرة… كُلها عنى الله بها سواء الرُسل أو المُرسلين…عنى بها الأنبياء والمُرسلين….وقوم ترتبط في بعض المرات بنبي أو رسول…..ومع تُبع جاءت على أنهُ رسول لقومه….ومن كذب رسول فكأنما كذب جميع المُرسلين..ومن أقبح تبريراتهم لتمرير الكذب والإفتراء على رسول الله…أن هذا القول لرسول الله كان قبل أن يوحى إليه…رسول الله يسب ويشتم نبي ويصفه بأنه لا يدري هل تبع لعين ومغضوب عليه ومطرود من رحمة الله….وزادوا إفتراءهم على رسول الله بأنه لا يدري حتى عن الحدود أهي كفارةٌ أم لا..ولا يدري حتى عن ذو القرنين ما هو…إلخ ..ألم تطلعوا على قول الله هذا.. {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى }{إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى }النجم3-4…وفي التوراة في سفر التثنية{ 18:18} بأنه من سيجعل الله كلامه في فمه…هل هذا هوى يُنسب لخير خلق الله ….وزادوا في إجرامهم نحو رسول الله بالقول… ولا أدري ألعن تبعا أم لا…هل رسول الله بعثه الله لعان…ويلعن تُبع لماذا؟؟؟
    …………
    وتُبع هو من اليمن وأحد التبابعة الذين حكموا اليمن وتُبع لقب ، وسبب التسمية قال في التحرير والتنوير: قيل سموه تبعًا باسم الظل لأنه يتبع الشمس كما يتبع الظل الشمس ، ومعنى ذلك: أنه يسير بغزواته إلى كل مكان تطلع عليه الشمس ، وورد بأنه كان معه من الجيش والعُلماء بأعداد كبيرة ن وبأنه وصل حتى الهند ، وهذا يُرجح أنهُ ذو القرنين هو نفسه التُبع ، وحسب ما ورد في كتاب الله فإن المعني منهم هو نبي ورسول من عند الله ، وكما نصت البشارة والنبوءة الموجودةُ في التوراة..وهُناك كلام بأن ذو القرنين المُلقب” بكورش الفارسي ” ربما هو نفسهُ تُبع وأن ” ذو القرنين “عربي الأصل وليس بفارسي والتسمية” ذو” من تسميات أهل اليمن وحضرموت. ومن الأسماء المشهورة ب”ذي، ذو”: ذو نواس الحميري ، وذو الكلاع ، وذو رعين ، وذو أشرق ، وذو يزن ، وذو ريدان.سيف بن ذي يزن…إلخ. وقد وردت كثيراً في النقوش اليمنية..وتبع ربما هو من أمره الله بذلك الخروج لمشرق الشمس ومغربها. {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ …..}الكهف86. {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ …}الكهف90…..وربما عاد واستقر في بلاد فارس ولهُ تمثال هُناك في إيران وربما هذا هو سبب تسميته ” بكورش الفارسي” لأن كورش هو نفسه ذو القرنين وربما هو نفسه تُبع وربما إسمه الأصلي ” أسعد أبو كرب ” لأن تبع وذو القرنين ليست أسماء بل هي ألقاب…وذو القرنين نبي لأن الله خاطبه بقوله {…. قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً }الكهف86…. قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ..وهذا وحي {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي …}الكهف98 وهذا يحتاج لبحث وربما الحقيقة غائبة بشأن هذا…لكن ما يهمنا هو:-
    يقولون عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَا أَدْرِي أَتُبَّعٌ لَعِينٌ هُوَ أَمْ لَا ؟ وَمَا أَدْرِي أَعُزَيْرٌ نَبِيٌّ هُوَ أَمْ لَا ؟ )
    ……
    مَا أَدْرِي أَتُبَّعٌ لَعِينٌ هُوَ أَمْ لَا ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!… وَمَا أَدْرِي أَعُزَيْرٌ نَبِيٌّ هُوَ أَمْ لَا ؟؟!!!..لماذا يقول رسول الله عن تُبع لعين
    ومن جديد وبما أنكم تُصرون على صحة هذا وأن الراوي هو أبو هُريرة فها هو يُكرر كذبه وافتراءه على رسول الله ويصفه بالغباء وبالجهل وبأنه يتلقى وحي من الله لا يفقه ما فيه وما معناهُ..وحاشى رسول الله عن ذلك حاشاه…..لأن تُبع نبي ورسول…وعُزير نبي من أنبياء بني إسرائيل….ورسول الله يعلم ذلك وما قال حرف مما نُسب إليه أو ربما تم نسبة روايته لأبي هُريرة…وكتاب الله وكلامه هو الفصل…
    يقول الله سُبحانه وتعالى:-
    ………
    {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ }الدخان37… أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ …ويقول {وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ }ق14… وَقَوْمُ تُبَّعٍ…..وأصحاب الأيكة…. هُم قوم شُعيب… والأيكة موجودة في الأردن في محافظة البلقاء.. والوادي يُسمى وادي شُعيب قُرب مدينة السلط.. وهو ليس ببعيد عن البحر الميت موقع عذاب قوم لوط… {.. وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ }هود89 وقوم تبع هُم قوم تبع…( كُل كذب المرسلين)..أي كذبوا شعيب وكذبوا تُبع…وبالتالي فتُبع وشعيب نبيان ورسولان من عند الله…من هُم المُرسلين الذين يتحدث عنهم الله… هُم شُعيب وتبع….إذاً تبع كان نبي ورسول لقومه في اليمن..كما هو شُعيب نبي ورسول من عند الله…ولا يذكر الله القوم مع ذكر إسم ، إلا على الأغلب إلا لنبي أو رسول..وكانت هذه الرسالة والنبوة رسالة ” تُبع” في اليمن حسب النص التوراتي والإنجيلي الذي سنورده…..فهل رسول لا يعلم هذا وهو وحي تلقاهُ من ربه…وعُزير ذكره الله في كتابه وهو نبي من أنبياء بني إسرائيل وقد ذُكر في 15 عدد من العهد القديم على أنه كتب التوراة…منها على سبيل المثال.. في سفر عزرا 7 والعدد 10 ورد فيه “لأن عزرا هيأ قلبه لطلب شريعة الرب والعمل بها ، وليُعلم إسرائيل فريضةُ وقضاءً ” ومن يطلب شريعة الرب يكون نبي بعد موسى……….ويقول الله تعالى عن عُزير في القرءان الكريم
    ……………..
    {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ }التوبة30…. وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ… كان المشهور أنه من أنبياء بني إسرائيل ، كما قال ابن كثير رحمه الله في “البداية والنهاية” (2/389) المشهور أن عُزيراً نبي من أنبياء بني إسرائي… وقد عده كثير من أهل العلم من أنبياء الله عليهم السلام ..والمعروف أن أنبياء اليهود أو بني إسرائيل كُثر .
    ……………
    كيف أبو هُريرة يقول بأن رسول يقول عن تبع بأنه ملعون وهو رسول ونبي حسب ما تلقاهُ من وحي الله…ولا يدري عن عُزير أهو نبي أم لا
    ………………..
    ففي سفر حبقوق }3:3} ” اللهُ جاء من تيمان ، والقدوسُ من جبل فاران .سلاه . جلالهُ غطى السموات والأرض إمتلأت من تسبيحه…وتستمر النبوءة والبشاره بعد أن ذكرت مجيء الله في اليمن برسالةٍ ونبوة للبشارة والنبوءة عن سيدنا مُحمد ” وجبل فاران هو جبل في مكة المُكرمة والقدوس هو نبي الله ورسوله مُحمد مع الإعتذار عن ذكر بقية النبوءة لأنها ليست نقطة البحث
    اللهُ جاء من تيمان…وهو نفس القول الذي ورد في سفر التثنية33 عدد2 }33: 2} جاء الرب من سيناء وَأَشْرَقَ لَهُمْ مِنْ سَعِيرَ، وَتَلأْلأَ مِنْ جَبَلِ فَارَانَ…..”…وتيمن هي لنفس الإسم تيمان .
    جاء الربُ… والله جاء…والله لايجيء إلا بإرسال نبي أو رسول ووحي… اللهُ جاء من تيمان…أي أنه كانت هُناك في اليمن رسالة ونبوة ووحي من الله…وقد يستغرب البعض الإسم” تيمان ” والمقصود فيه ” اليمن ” ربما يكون أحد أسماء اليمن حينها أو إسم مكان في اليمن…كما هي إشارة الله لرسالة موسى بسيناء ورسالة المسيح بجبل سعير أو ساعير وهو في القُدس…ورسالة سيدنا مُحمد بالإشارة لجبل فاران في مكة المُكرمة ، ولكننا سنورد ما يُثبت ذلك مع أن أهل الكتاب يُنكرون كُل ما يُشير لغيرهم ويُزوره فيزوروا ” تيمان ” كما زوروا ” جبل فاران ” وسنورد ما يُكذبهم.
    …………….
    ونجد الإسم واضحاً في إنجيل متى ولوقا عند التعرض لذكر ملكة سبأ ” في اليمن” وتسميتها…بملكة التيمن.
    ففي إنجيل متى }12 : 42 {” مَلِكَةُ التَّيْمَنِ سَتَقُومُ فِي الدِّينِ مَعَ هذَا الْجِيلِ وَتَدِينُهُ ، لأَنَّهَا أَتَتْ مِنْ أَقَاصِي الأَرْضِ لِتَسْمَعَ حِكْمَةَ سُلَيْمَانَ، وَهُوَذَا أَعْظَمُ مِنْ سُلَيْمَانَ ههُنَا! ”
    وفي إنجيل لوقا }11 : 31 {“مَلِكَةُ التَّيْمَنِ سَتَقُومُ فِي الدِّينِ مَعَ رِجَالِ هذَا الْجِيلِ وَتَدِينُهُمْ ، لأَنَّهَا أَتَتْ مِنْ أَقَاصِي الأَرْضِ لِتَسْمَعَ حِكْمَةَ سُلَيْمَانَ ، وَهُوَذَا أَعْظَمُ مِنْ سُلَيْمَانَ ههُنَا! ”
    ………
    ومما يؤكد قول من لا ينطقُ عن الهوى عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ( أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً وَأَلْيَنُ قُلُوبًا ، الْإِيمَانُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ”………. وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ.. وقد اشتهر أهل اليمن بالحكمة…..ففي أرميا بأن الحكمة في اليمن
    ففي سفر أرميا ” {7:29 }عَنْ أَدُومَ: «هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: أَلاَ حِكْمَةَ بَعْدُ فِي تِيْمَانَ؟ هَلْ بَادَتِ الْمَشُورَةُ مِنَ الْفُهَمَاءِ؟ هَلْ فَرَغَتْ حِكْمَتُهُمْ”… أَلاَ حِكْمَةَ بَعْدُ فِي تِيْمَانَ
    ومعني كلمة تيمان الصحراء الجنوبية لأنّها جنوب بلاد الشام …. فإن تيمان تكتب فى التوراة العبرية… تيمن…. ) دون حرف المد بالألف ، وتعنى : اليمن ( قاموس يحزقيل قوجمان صفحة 1009 – وهو الرجل اليهودى ديانة ، العبرى لغة ..كما تعنى : الصحراء الجنوبية (قاموس الكتاب المقدس صـفحة 228 )أى جنوبى بنى إسرائيل فى أرض فلسطين………..وتيمان أو التيمن اسم عبري معناه “اليميني أو الجنوبي ”
    قال تبع الحميري وهو من أهل اليمن من حمير شعراً حيثُ يقول … قد كان ذو القرنين قبلي مسلماً ملكاً تدين له الملوك وتحشدُ….من بعده بلقيس كانت عمتي ملكتهم حتى أتاها الهدهدُ… ويقال بأنه بشر بسيدنا مُحمد ودعى الأوس والخزرج لإتباعه عند مبعثه .
    …………..
    فتبع يقول بأن ذو القرنين كان قبله وكان مُسلماً…يقول ومن بعده جاءت بلقيس ملكة سبأ وكانت عمته قال ابن عباس: كان تبع نبيًا
    ……………
    من كُل ما سبق يتبين بكُل وضوح بأن تُبع نبي ورسول من عند الله وأرسله الله لقومه في اليمن…فكيف يُنسب لرسول الله القول.. مَا أَدْرِي أَتُبَّعٌ لَعِينٌ هُوَ أَمْ لَا ؟ لعين؟؟؟!!! لعائن الله على كُل من كذب على رسول الله عامداً مُتعمداً
    ولنا أن نسأل أبو هُريرة ما مُناسبة نسبة قولك هذا لرسول الله…من هو الذي سأل رسول الله عنهم حتى تجعله يُجيب هذه الإجابة…أم أنك يا أبو هريرة أنت تسأل وأنت تُجيب…هل أنت من أوجدت هذا أم ماذا؟؟؟!!! نتمنى لو يتم تتبع أحاديث أبو هُريرة ليتم إيجاد فيها ذلك الكم الكبير من الأحاديث المكذوبة ومعه أنس بن مالك وعكرمة الكذاب…وبرروا وبرروا لتمرير المُفتريات والأكاذيب وقولوا رسول الله ما لم يقله…حتى لا تقولوا عن الكتاب الفلاني بإن به كذب وبأن فُلان لم يكذب أو يفتري على رسول الله…تنسبون لرسول الله الكذب وتُبررون ذلك بأنه قاله قبل أن يوحى لهُ ما هذا هل رسول الله عندكم هكذا؟؟؟!!! هو أم لا…هو أم لا ؟؟؟!!!
    ……………
    وَردَ عَن سَهلِ بنِ سَعدٍ السَّاعديِّ وابنِ عبَّاسٍ رضيَ الله عَنهما قالَا: قالَ رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم:”لا تَسبُّوا تُبَّعًا؛ فإنَّه كانَ قدْ أسلَمَ ”
    وهذا أيضاً كذب منسوب لرسول الله لأن رسول الله يعلم من هو تبع بأنه نبي ورسول من عند الله..ولو أراد رسول الله القول وهو الذي لا ينطقُ عن الهوى لقال ” لا تسبوا تبعاً فإنه كان نبي ورسول “…ثُم سؤال لمن روى هذا…من هو أو هم الذين كانوا يسبون تبع…أو هل كان الصحابة يسبون تبع…أم أن الأمر تأليف كلام ونسبته لرسول الله…لأن من ألف هذا يتهم فيه الصحابة الكرام بسبهم لتبع وبدون سبب أو عداوة .
    يقولون وكانَ تبع يعبدُ النارَ؟؟؟!!! لله العجب من أين أتيتم بهذا وما هو دليلكم فهل الله يختار نبي ورسول يعبد النار….ثُم تراجعوا بقولهم إن رسول الله قال كما يروي عكرمة الكذاب” لا تسبوا تُبع فإنه أسلم” تُبع أسلم أم أنهُ نبي ورسول.. وهذا كذب على رسول الله وصحابته بأنهم كانوا سبابين وكانوا يسبونه. ولا قول لهم إلا قول من سبقهم ولا رأي لهم ولا إجتهاد ولا بحث ولا تحري..فكما هو الببغاء لا يُردد إلا ما يسمعه..قف حيثُ وقف القوم…فإن أخطأوا فعليك أن تتبع وتؤمن بخطأهم وتُردده حتى تقوم الساعة…قال فُلان وقال علان…وكأن فُلان وعلان لا ينطقُ عن الهوى………والله المُستعان…عُمر المناصير…الأُردن

Comments are closed.