يقول الله تعالى:
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (البقرة: 259).
قصة إبراهيم مع الملك الكافر
يقول المفسرون عن هذه الآية إنها تتحدث عن نقاش كان بين إبراهيم وبين الملك الكافر نمرود حول وجود الله تعالى. قال إبراهيم: ربي الذي يُحيي ويميت؛ وقال الملك: أنا أيضا أحيي وأميت؛ ودعا ببعض السجناء المحكوم عليهم بالإعدام فعفا عن بعضهم وأعدم البعض. وعندما رأى إبراهيم أن دليله الأول لم ينفع، فكر في دليل آخر فقال: ربي الذي يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب. فبُهت الذي كفر. وتغلب إبراهيم عليه (الدر المنثور).
ولكنني أرى أن هذا التفسير غير صحيح، لأن الاثنين -حسب هذا التفسير- سكتا وبُهتا؛ بُهت إبراهيم في المسألة الأولى، وبُهت نمرود في المسألة الثانية. ولذلك لا أرضى بهذا التأويل. وما دام الملك كذابا وجريئا لدرجة أنه يعتبر نفسه إلها، فكان من الممكن أن يرد على الحجة الثانية لإبراهيم قائلا: أنا الذي آتي بالشمس من المشرق، فقل لإلهك أن يأت بها من المغرب. ولكنه لم يقل ذلك؛ ويحكي القرآن أنه بُهت وسكت. وهذا يدل بصراحة على أن المراد غير ما قاله المفسرون. وإلا فإن الناس لا يكفون عن البحث عند الجدال. وإنما يستمرون فيه حول أمور لا جدوى منها، حتى إنهم لا يزالون يجادلون إلى اليوم هل الإنسان موجود أم لا! ولكن هذا الملك صمت، مما يعني أن هناك موضوعا آخر سكت عنه، وقال: لو أجبتُ عنه لوقعتُ في مشكلة أخرى فلا بد لي من السكوت.
ثم إن العقل يؤكد صحة ما قاله القرآن، أولا: لأن البحث يستمر من الأدنى إلى الأعلى، فكان لا بد أن يكون النقاش أولا عن الموت والحياة، ثم يتطرق إلى الشمس، وثانيا: إن سكوت نمرود يدل على أن الحديث عن الشمس كان في آخر الأمر. وثالثا: إنما جيء بإبراهيم إلى نمرود في جريمة كسر الأصنام، ويبدو أن ادعاء نمرود بالألوهية جاء في معرض النقاش، وإلا يكون الكلام بدون ترابط. القرآن يقول أن النقاش كان يدور حول ربِّه، أي ربه الواحد الأحد، وأثناء النقاش قال الملك: سأقتلك وأدمرك لأني أنا الحاكم، فقال إبراهيم: إن الله تعالى هو الذي يملك الحياة والموت. قال: لا، أنا أملك الحياة والموت. فأسرع إبراهيم وأوقعه في ورطة بحسب عقيدته وقال: فالشمس -هي أكبر الآلهة عندك- عبث إذن. فبُهت الذي كفر.
هناك بعض الفروق بين الأسماء المذكورة في هذا الحادث، ولكن تبين جليا مما ورد -في كتب اليهود- أن القرآن الكريم يشير إلى الحادث نفسه، ويؤكد ذلك أيضا قوله تعالى: (ألم تر) فالله يشير بهذه الكلمة إلى حادث له وجود وأثر. إلا أن هناك تقديما وتأخيرا في ذكر بعض الأحداث في البيان اليهودي كما هو المعتاد عندهم.
وقد جاء في التلمود أن هذا الحوار بين إبراهيم ونمرود كان قبل أن يقيم إبراهيم في كنعان. وأرى أن قول إبراهيم لنمرود (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) (البقرة: 259) لا يعني الموت والحياة في الظاهر، وإنما يعني النجاح والفشل، والعزة والذلة، والعمران والدمار. لقد وعده الله بأرض كنعان وبازدهار أولاده، لذلك قال إبراهيم ( رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيت) أي هو سبحانه متصف بصفتي الإحياء والإماتة، يعز من يشاء ويذل من يشاء، ويجعل النجاح لمن يشاء والفشل لمن يشاء، ويكتب الغلبة لمن يشاء ويلحق الهزيمة بمن يشاء. فقال الملك (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) (البقرة: 259) أي في يدي هذا الخيار أيضا، أعز من أشاء وأذل من أشاء. وكما ذُكر سابقا أنهم كانوا يعتبرون الشمس أكبر آلهتهم، وكان الملك نفسه يعبدها، لذلك رد عليه إبراهيم بأن لله قانونا يحكم الشمس، فيأتي بها من المشرق، فإذا كنت تملك نفع الدنيا وضرها، فها هي الشمس بازغة أمامك تسير نحو الغرب، فأرجعها من الغرب إلى الشرق، ليكون ذلك دليلا على قدرتك على التصرف في أمور العالم وفي الشمس أيضا. أي إذا كنت أنت الذي تملك زمام هذا العالم نفعا وضرا، فماذا تفعل الشمس إذن؟ وإذا كانت الشمس تنفع وتضر الناس فدعواك بأنك تملك التصرف في العالم باطلة. وكما يذكر التاريخ فإن نمرود بُهت عندئذ ولم يُحِرْ جوابا، لأنه لو أجاب فإما أن يقول: إنني لا أملك النفع والضر، ولكن الشمس هي التي تملك ازدهار الناس وانحطاطهم. ولو قال ذلك لبطلت دعواه، وإما أن يقول: أنا الذي أتصرف في نفع الناس وضرهم لا الشمس؛ فيثور قومه على هذا القول، لأنهم يعبدونها، وهو أيضا كان يعبدها. ولهذا قال القرآن الكريم (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) (البقرة: 259).
وبهذا الحادث دلّل ربنا سبحانه على صدق قوله (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) (البقرة: 258) وبيَّن كيف أنه عز وجل ينجي عباده من المشاكل، ويخرجهم من الظلمات إلى النور، ويهديهم من الفشل إلى النجاح.
أرني كيف تحيي الموتى
(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (البقرة: 261).
يقول الله تعالى: تذكَّرْ عندما قال إبراهيم: يا رب، أرني كيف تحيي الموتى. فقال: أولم تؤمن؟ قال: بلا، أي أؤمن إيمانا كاملا أن الله يحيي الموتى، وهو قادر على ذلك ولا شك أبدا. ولنتذكر أن أداة (بلى) سواء سبقها نفي أو إثبات، فهي تفيد الإثبات. أما (نعم) فتفيد الإثبات والنفي. فلو أجاب إبراهيم هنا بنعم، لكان المعنى لا أؤمن، أو نعم أؤمن، ولكن بقوله (بلى) أزال كل شبهة للنفي، وبيّن أنه مؤمن حقا. وبعد ذلك قال (ولكن ليطمئن قلبي)؛ فاستدرك بحرف (لكن) أي أنني أؤمن بقدرتك على إحياء الموتى، كل ما في الأمر أني أريد شيئا زائدا، أريد أن يطمئن قلبي بأن الله سوف يحيي قومي بصفة خاصة. ومثال ذلك أن يكون هناك مريض، وهو يؤمن أن الله قادر على شفاء المرضى، ولكنه لن يطمئن أن الله سوف يشفيه هو أيضا ما لم يخبره الله بذلك، أو مثلا: يعرف الجميع أن الناس يشبعون بعد الجوع، ولكن هل هذا العلم يجعل أحد الجائعين يستيقن أنه سينال طعاما وأنه نفسه سوف يشبع؟ فالإيمان يتعلق بأمر غيبي مختفٍ عن نظر المؤمن، ويدل على يقينه الكامل بحدوث ذلك الشيء أو إمكانية حدوثه. أما الاطمئنان فإنه يأتي مقابل الشك أو مقابل الكرب والاضطراب. في الآية هنا لا يراد بالاطمئنان ذلك الذي يكون مقابل الشك، وإنما الذي يكون مقابل الكرب والاضطراب، ذلك لأن إيمانه ثابت مما قاله آنفا. كان إبراهيم مؤمنا بأن الله قادر على إحياء الموتى، ولكنه كان يريد أن يزول اضطرابه ويطمئن أن الله سوف يتجلى بقدرة الإحياء على قومه، ويحييهم مرة أخرى من فضله.
خذ أربعة من الطير
فقال الله له: خذ أربعة من الطير، وعامِلْها بتودد حتى تألفك، ثم ضعْ جزءا منها على كل جبل، ثم ادعها فتسرع إليك. واعلم أن الله غالب وذو حكمة.
يقول المفسرون إن الله تعالى أمر إبراهيم أن يأخذ أربعة من الطير ويفرم لحمها، ثم يضمه إليه، ثم يوزعه على الجبال. ولكن هذا المعنى خطأ ومخالف للأسلوب العربي. ذلك أنه لا معنى لأن يفرم المرء الطيور ويضم لحمها إليه. فالمعنى الصحيح هو أمِلْهُن إليك وألِّف بينها وبينك. كما ورد في المفردات والأقرب.
ويستدل البعض بكلمة (جزءا) على أن المراد هو فرم لحم الطير، ثم يأخذ جزءا من هذا اللحم المفروم ويجعله على الجبال؛ وهذا أيضا خطأ. فليس المراد جزءا من لحم الطيور، وإنما المراد جزء من هذه الطيور الأربعة، أي واحد منها، بمعنى: ضعْ كل واحد من هذه الطيور على جبل. ونظير ذلك في القرآن الكريم: (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ* لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ) (الحجر: 44-45). أي أن لكل باب من أبواب جهنم جزءا من هؤلاء الكفار. لا يفسر أحد كلمة جزء هنا أن يفرم لحم الكفار ويخلطه ويُؤخذ جزء منه إلى كل باب من أبواب جهنم، بل أجمع المفسرون على أن بعضا من هؤلاء الكفار يدخلون من باب، والبعض الآخر من باب ثان، وهكذا (روح البيان). فقد بيّنت هذه الآية معنى (جزء) ووضحت أن الجزء من جماعةٍ فردٌ أو عدد من أفرادها. وفي آيتنا هذه (ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا) لا يعني جزءا من اللحم المفروم؛ بل المراد: ضع طائرا منها على جبل، وثانيا على جبل ثان وهكذا.
لو أخذنا بالمعنى الظاهري لكان محلا لاعتراضات كثيرة. أولها: ما علاقة إحياء الموتى باستمالة الطيور؟ ثانيا: لماذا أربعة طيور؟ ألا يكفي واحد لتحقيق الغرض؟ ثالثا: ما الفائدة من وضعها على الجبال؟ ألا يكفي أن توضع في أي مكان آخر؟
الحقيقة أنه لا يمكن أخذ الكلام هنا حرفيا، وإنما له مدلول مجازي. لقد دعا إبراهيم: يا رب، لقد عهدتَ إليَّ بمهمة إحياء الموتى، فحقِّق لي هذه المهمة، وأرِني كيف تنفخ الروح في قومي. لقد أصبحت شيخا كبيرا، والمهمة ضخمة. فقال الله: ما دمنا قد وعدناك فلسوف يتحقق هذا الوعد. قال إبراهيم: أعلمُ أن هذا سوف يتحقق، ولكن أسألك على سبيل الاطمئنان، كيف تتغير هذه الأحوال غير المواتية؟ قال الله: عليك بتربية أربعة من أولادك، ليلبوا نداءك، ويكملوا مهمتك في إحياء القوم. وهؤلاء الطيور الأربعة الروحانيون هم: إسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف عليهم السلام. لقد تمت تربية اثنين منهم على يد إبراهيم مباشرة، وتربية اثنين بطريق غير مباشر، والمراد من وضعهم على الجبل أن يربيهم في مستوى رفيع. وفي هذا أيضا إشارة إلى أنهم ذوو درجات عالية، ويبلغون الذُّرى في الروحانية. والمراد من وضع كل واحد منهم على جبل منفصل أن هذا الإحياء لأمته سوف يتم على فترات أربعة منفصلة، وبذلك كشف الله له صورة للإحياء القومي الذي كان سيتم قريبا من بعده. كما أشير فيه أيضا إلى أربعة أدوار من الرقي تأتي على قوم إبراهيم على المدى البعيد.
باختصار قال إبراهيم عليه السلام: ربِّ أرني كيف تحيي الموتى؟ فقال الله: ألم تؤمن بقدرتي؟ قال بلى، ولكن ليطمئن قلبي، أي إني أرى أنك تحيي الموتى، فلا أملك إلا الإقرار بذلك، ولكن قلبي يريد أن تتحقق آيتك هذه في نفسي، فتُظهر قدرتك هذه في حق أولادي أيضا، فقال الله: ستموت أمتك أربع مرات، وسوف نحييها أربع مرات. وبالفعل تم هذا، فأولا في زمن موسى عليه السلام رُفع نداء إبراهيم على لسان موسى. فتم إحياء هذا الميت لأول مرة. ثم رُفع هذا النداء في زمن عيسى عليه السلام، وأُحيِيَ هذا الميت. ثم في زمن رسولنا محمد ﷺ رُفع هذا النداء الإبراهيمي وقام قومه من الموت إلى الحياة. وفي المرة الرابعة في زمن الإمام المهدي رفع هذا النداء وأعيدت الحياة إلى هذا الميت. نادى إبراهيم ذريته أربع مرات، واجتمعوا حوله أربع مرات. الطير الأول الذي ناداه إبراهيم ونال بذلك اطمئنان القلب هو قوم موسى، والطير الثاني هو أمة عيسى، والطير الثالث هو جماعة محمد ذات المظهر الجلالي المحمدي، والطير الرابع هو الجماعة الإسلامية الأحمدية ذات المظهر الجمالي الأحمدي. وهكذا أراح الله قلب إبراهيم. فقال: نعم، إن ربي يحيي الموتى.
وقوله (بلى، ولكن ليطمئن قلبي) إنما يعني أن لساني وعقلي وفكري وحواسي ومشاهدتي تقر بأنك تحيي الموتى، فكل يوم أرى أنك تحييهم، ولكن إذا لم يهتدِ أولادي فلن يطمئن قلبي، ولاطمئنان قلبي أسألك آية تتحقق في أولادي. فقال الله له: سوف نحيي أولادك أربع مرات، ونتفضل عليهم بأفضال خاصة أربع مرات. ولقد تحقق هذا الوعد في هذه الأدوار الأربعة، وأنزل الله أفضالا خاصة على أولاد إبراهيم، وأحياهم حياة روحانية.
فهذا نبأ للزمن البعيد والقريب كليهما بإحياء قوم إبراهيم، وقد تحقق النبأ في وقته بكل روعة، وتبين للناس أن الله عزيز حكيم.
المقالة النالية: الطاعة إبراهيم ؏ والتضحية في سبيل الله، والوعد الإلهي لذريته وتطهير البيت
ما مصدر هذا الكلام لو سمحت
إتهام سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء بأنه يشك في إحياء الله للموتى
………………..
وهو الذي ما سأل عما ذهبوا إليه لأنه خليل الله ونبي ورسول من عند الله ، وعنده العلم المُطلق بقدرة الله على إحياء الموتى يوم القيامة ….ولكن سؤاله عن أمر آخر إبتعدوا عنهُ….فعندهم الموتى فقط من ماتوا وخرجت أرواحهم منهم..وما علموا بأن من لا يؤمن بالله هو ميت …لكن عندهم قال العُلماء وكأنهم لا ينطقون عن الهوى فإن أخطأ العُلماء يجب أن يُعمم خطأهم إلى يوم القيامة
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }البقرة260…وقد جاءت هذه الآية وقول الله هذا بعد قوله عن عُزير أو حزقيال في نفس السورة البقرة 259-260…..لأن السؤالين مُتشابهين من مؤمنين يعلمان كُل العلم بقدرة الله على إحياء الموتى…ولكن سؤالهما هو عن غير ذلك عن غير إحياء الموتى…{أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }البقرة259 …. وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى.. والآخر..قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا
…………..
قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى… قَالَ بَلَى …سؤال الله لنبيه إبراهيم أولم تؤمن…وكان الجواب بلى أي أنه مؤمن ويؤمن بهذا…ولكن ليطمئن قلبه على ما يعنيه…..طبعاً سيدنا إبراهيم هو أبو الأنبياء وهو خليل الله ، ولا يمكن أن يكون عنده شك أو ريب في أن الله هو القادر وحده على أن يُحيي الموتى ، كما هو عدم شك عُزير وعدم شك أي نبي وأي رسول ، وأنهم يعلمون أن الله لا يمكن أن يُحيي الموتى إلا يوم القيامة..حيث قال الله عن إبراهيم {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }البقرة258…. إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ…فسيدنا إبراهيم يعلم ويُجادل عن الله أعداءه بأن الله هو الذي يُحيي ويُميت
……………..
فسيدنا إبراهيم يسأل ربه عن أمر آخر لكي يطمئن قلبه على أن ما سيقوم به برسالته ونبوته ودعوته هو ما يُريده الله…أرني كيف تُحيي الموتى أي من هُم ميتين بمعرفتك وبالإيمان بك أي أموات القلوب ويعيشون في الظلمة والظلمات الآية 257 من نفس السورة…فكُل من هو كافر أو مُشرك ولا يؤمن بالله ولا يعرف الله هو ميت ويعيش في ظلمة…ولا يحيا ويحيي قلبه إلا بالإيمان بالله ويحيا بنور الله…حيث يقول الله تعالى…{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }الأنفال24…. إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ…فهل هُم أموات حتى يُحييهم رسول الله…أم أن ما جاء به ويدعو إليه فيه الحياة لهم…ولذلك فكلام الأنبياء والرُسل بما فيهم المسيح عليه السلام كان هكذا .
………………..
فسيدنا إبراهيم يسأل الله ما هي الطريقة المُثلى للدعوة إلى الله ، وهو مؤمن بما سيقوم به ولكن ليطمئن قلبه أكثر سأل ربه ، ويطلب من ربه أن يُريه كيف يُحيي هؤلاء الموتى القلوب بالإيمان ، فدله الله كما دل نبيه مُحمد بن عبدالله ومن قبله.. {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125… {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ }آل عمران159….إلخ ما جاء في كتاب الله على هذا المنوال
……………..
فقال الله لهُ ليُريه ما هي الطريقة ليُحيي بها هؤلاء الأموات القلوب بالإيمان بالله…قال لهُ خُذ 4 من الطيور أي أربعة أنواع من الطيور…وليس كما قال من..؟؟؟!! مثلاً طير من الدجاج وطير من الحمام وطير من البط وطير من الحبش….هذه ال 4 طيور وهي 4 أجزاء من الطيور عليه أن يقوم.. فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ..أي أملهن إليك وواددهن وصيرهن وأجعلهن يألفنك ويتعودن عليك بإعلافهن وسقايتهن ورعايتهن…ومن يعرف من يربون هذه الطيور وغيرها عندما تألفه هذه الطيور ويأتي لإعلافهن أو إطعامهن ويرينه أو يُصدر صوت عودهن عليه يأتينه ركضاً وسعياً…وبعد ذلك قال لهُ الله بأن يضع كُل طير منهن وهو جُزء من ال4 أجزاء أو ال 4 أنواع على مسافة منهُ على تلة أو مكان مرتفع بحيث يرينه ويسمعنه عندما يُنادي عليهن…فمجرد أن يدعهن ويُنادي عليهن سيأتينه سعياً أي هرولةً أو ركضاً أو طيراً لمن هو يطير منهن….وفعل سيدنا إبراهيم ما طلب منهُ ربه أو ربما لم يفعل بل فهم ما أراده ربه منهُ…بأنه عليه أن يدعوا ويُحيي من بعثه إليهم بالحسنى وبالموعظة الحسنة وبالحكمة ، وأن يخفظ لهم جناح الذُل وأن لا يكُن فظاً أو غليظ القلب….إلخ ما علم الله به أنبياءه ورسله كيف يدعون ويحيون قلوب الناس بمعرفة الله وبالإيمان به…من أين جاءوا بأن معنى صرهن قطعهن والمعنى لها في الآية…صرهن أي إضممهن وميلهن وصيرهن وإجعلهن يشتقن إليك ويملن ويُصبحن وكأنهن جُزء منك بموالفتهن لك…كيف تستقيم لغوياً… فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ..فقطعهن إليك؟؟؟!! أيُ فهمٍ هذا…كما أن قصد الله بالجبال مكان مُرتفع لكي يرينه ويسمعنه..لا جبال تأتي بالمشقة على نبيه والطيور تضيع ولا تراهُ ولا تسمعه .
………………..
وابو هُريرة في كتاب مُسلم يجعل رسول الله يتهم أباهُ إبراهيم بأنه كان يشك بقدرة الله لإحياء الموتى…وجعل رسول الله يقول بأنه أولى بالشك من أبيه إبراهيم…أتُريدون إجرام وأذية بحق الأنبياء والرُسل وبحق رسول الله وأبيه إبراهيم من هذا الإجرام…ما الذي أختلفتم فيه عن اليهود..وما شاء الله على الأولين حددوا ما هي أنواع الطيور وسموها وكأنهم كانوا مع إبراهيم ونتف لريش الطيور…وصرهن عندهم قطعهن ما شاء الله عليهم وعلى طيورهم وتقطيعها ومما هو مُضحك وكأنهم كانوا عند سيدنا إبراهيم ويقطعون معه الطيور…من أين يأتون بهذا الإفتراء…ألا يعلمون بأنه لو قطعت هذه الطيور لماتت وإن ماتت فلن تعود لها الحياة ومن المُستحيل إلا يوم القيامة…وستبقى طيورهم هذه المُقطعة على جبالهم ولو مهما ناداها سيدنا إبراهيم فلن يأتيه شيء منها لأنها ميتة وستأكلها الكلاب والثعالب وغيرها من على جبالهم .
…………..
لا ندري من قالوا تلك الأقوال من أين جاءوا بها من تقطيع ونتف للريش وجعل الرؤوس عنده وذلك التجميع وأقوال ما أنزل الله بها من سُلطان. كقولهم قال المفسّرون: أَمَرَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ أَنْ يَذْبَحَ تِلْكَ الطُّيُورَ، وَيَنْتِفَ رِيشَهَا وَيَقْطَعَهَا وَيَخْلِطَ رِيشَهَا وَدِمَاءَهَا وَلُحُومَهَا بَعْضَهَا بِبَعْضٍ، فَفَعَلَ ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَجْعَلَ أَجْزَاءَهَا عَلَى الْجِبَالِ..إلخ من أين جاءوا بهذا الإفتراء الذي لا قال به الله ولا رسول الله.. أم أنه إستسهال للكذب على الله وعلى أنبياءه… يقولون إن سَبَبُ هَذَا السُّؤَالِ مِنْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ مَرَّ عَلَى دَابَّةٍ مَيِّتَةٍ ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: كَانَتْ جِيفَةَ حِمَارٍ بِسَاحِلِ الْبَحْرِ وغير ذلك…من أين جاءوا بهذا وهذه التهمة لا يُتهم بها أراذل الناس…ومن أراد أن يجد العجب العُجاب فليطلع على أقوالهم من قول عطاء وغيره وغيره…ومن عجائب قولهم بأذية عُزير بأنه لم يكُن مُتأدب ولم يحفظ الأدب مع الله…كيف لا وهُم لا فهم لهم لكلام الله هذا فليقولوا ما شاءوا…ويا لشروحاتهم ويا لتكلفاتهم لكلام لله واضح وضوح الشمس في رابعة النهار ويا لجيفتهم .