كيف كان حال قوم سيدنا نوح قبل البعثة؟
إن نوحا ؏ كان من أنبياء الله الصادقين والذي أخبر قومه بأنه لهم نذير مبين. ولم يخفِ على الناس تعليمه الحقيقي أبدًا بل يقدم لهم كل ما يؤمر به شاءوا أم أبوا. لذلك فإن إنذاره القوم لا يبعث على القنوط واليأس فيسلمهم للهلاك والدمار بل إنه يزيدهم يقظة وصحوة ونهوضًا. ويخبر القوم عن سبيل النجاة من العذاب، فقال لهم ألا تعبدوا إلا الله وامتنعتم عن الإشراك بالله تعالى. فقالوا له أنه لا فرق بيننا وبينك من حيث المظهر والشكل، فكيف إذًا نعتبرك مختلفًا عنّا في الباطن وأنك صاحب حظوة وزُلفى في البلاط الإلهي، وأنك أُوتيت دوننا قدرات تستطيع بها سماع كلام الله الذي لا نسمعه. فما أنت إلا بشر مثلنا وإنك خالي من القوى الخارقة، وليس هذا فحسب، بل إن أتباعك أسوأ منا حالاً، فأي انقلاب ستحققونه أيها الجهال الأراذل.
ويستمرون في احتقارهم لسيدنا نوح فيقولون: أي أننا نسلم جدلاً بأن فيكم من المزايا الباطنة والكفاءات الخفية ما أكسبكم هذه الحظوة عند ربكم، ولكن أخبرونا أما كان حريًّا بكم أن تتمتعوا بالعز والجاه بشكل خارق، لأن الذي يفوق أقرانه خاصة يصبح غالبًا عليهم، ولكنا لا نرى لكم علينا من شرف ولا غلبة. بل نظنكم كاذبين وإننا واثقون تمامًا أنكم كاذبون، إذ لا دليل على ادعائكم بأنكم أهل الحق وأن الله فضّلكم علينا.
كيف بلغ سيدنا نوح الدعوة؟
يقول نوح ؏ لمعارضيه: افترضوا -ولو للحظة- أنني بالفعل تلقيت من الله البراهين والبينات على صدق دعواي وخصّني ربي برحمةٍ عظيمة منه، ثم لنفترض أن هذه البينات قد نزلت علي نزولاً يحيطه الغموض والإبهام ولذلك لا تستطيعون رؤيتها، فأخبروني كيف نشرحها لكم إذن حتى تفهموها، اللهم إلاّ أن تتدبروا فيها بأنفسكم. إذ لا بد للإنسان -لإدراك حقيقة ما- أن يُعمل فيها ويتدبرها بأسلوب يساعده عل تفهمها، ولكنكم ترفضونها من أول وهلة كارهين حتى الإصغاء إليها، فأنى لكم أن تفهموها إذن، اللهم إلا أن تُجبَروا على ذلك جبرًا، وهذا لن نفعله معكم أبدًا. لذا يجب على من يبحث عن الحق أن يطهر قلبه من التعصب دائمًا ويتعود على البحث الصادق. ثم بدأ بتبرئة ساحته مما اتهموه به، فقال: إن العاقل لا يقوم بأي عمل إلا لهدف وغاية. فإذا كنتُ -كما تزعمون- مفتريًا من الله تعالى فهل ترون أنني أكسب من هذا الكلام المفترى أي منفعة شخصية؟ إنكم تعلمون جيدًا أنني لا أطالبكم بأي مقابل أو أجر على ما أدعوكم إليه، فما الداعي -والحال هذه- لأن أقوم بالافتراء أصلاً؟.
كان نوح ؏ قد أشار فيما سبق إلى انتصار المؤمنين وازدهارهم، ولما كان انتصارهم هذا يتوقف على هلاك الأعداء، الذي سيمهد الطريق لرقيهم، لذلك أدرك هؤلاء الكفار على الفور أنه يتوعَّدهم بالهلاك، فقالوا له: حسنًا دعنا من هذه النقاشات، وأخبرنا صراحة متى موعد هلاكنا الذي تهددنا به إن كنت من الصادقين.
ما هي حقيقة الطوفان؟
عندما أخبر الله نوحًا بهلاك قومه أمره أيضًا أن يصنع سفينة مستعينًا بأتباعه أو أهل بيته. واستمر الأعداء في النقاش والجدال والسخرية من جانبهم، وتمسك سيدنا نوح بأهداب الصبر، متوكلاً على نصرة الله، إلى أن تفجرت الينابيع بالماء وجرت المياه على وجه الأرض. مع العلم أن الطوفان لم يأت بسبب انفجار العيون الأرضية وحدها، بل كانت الأمطار الغزيرة هي المصدر الحقيقي لمياه الفيضان، كما صرح القرآن بذلك في عدة أماكن منه. لقد نزلت الأمطار بكثرة وغزارة قبل العذاب بحيث غطت المياه كل مكان، وكما يحدث إبان هطول الأمطار بكثرة فإن العيون الأرضية أيضًا تفجرت بالمياه بغزارة، وهذه المياه السماوية والأرضية تسببت معًا في دمار أهل المنطقة. وهذه ظاهرة طبيعية تشاهد بكثرة، لأن هطول الأمطار الغزيرة يتسبب في فوران العيون الأرضية بكثرة، ولا سيما في المناطق الجبلية، حيث يجري الماء في العيون نتيجة ذوبان الثلوج المتراكمة على أعالي الجبال، وإن نزول الأمطار يزيد الثلوج ذوبانًا، وبالتالي يؤدي إلى زيادة المياه الأرضية. والثابت من القرآن الكريم أن سيدنا نوح ؏ كان يسكن في منطقة جبلية، مما يوضح ويؤكد أن موطنهم كان واديًا بين الجبال، وإلا فكيف فكر ابنه في اللجوء إلى جبل من الجبال؟ وعندما رأى ارتفاع المياه ظن أنه سينجو منها بسهولة بالصعود على الجبل.
وأما قوله تعالى (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) (هود: 41) فليس المراد منه كلَّ الأحياء الموجودة على الأرض، بل فقط الحيوانات التي كان يربيها نوح في بيته. ذلك أن كلمة (كل) تعني عادة فقط ما يملكه الناس عمومًا، وليس كل موجود على الأرض. وهذا هو المراد هنا بمعنى أن الله تعالى أمر نوحًا أن يأخذ معه في السفينة زوجين من كل حيوان كان بحاجة إليه. وهذا المعنى معقول ومنطقي جدًا، وإلا نضطر للقول غير المعقول بأنه حشد فيها ملايين الحيوانات من الدواجن وحشرات الأرض ووحوش الغاب وغيرها، وأن ضخامة سفينته كانت تساوي ربع الكرة الأرضية تقريبًا! ومما يلفت النظر أنه تعالى قد حثه على أخذ أقل ما يمكن وذلك بدليل قوله تعالى: (زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) مما يؤكد أنه أمر أن يأخذ معه ما لا بد منه، لا أن يحشد فيها حيوانات العالم كلها.
لماذا غرق ابن سيدنا نوح عليه السلام من بعد وعد الله؟
ثم نادى نوح ؏ ابنه لينجو ومن معه من المؤمنين من هذا الطوفان العظيم ولكنه رفض وأبى واتخذ طريقا إلى الجبل، هذا ويتضح من الآيات الكريمة أن الأحمق لا ينفك مغمض العين عن الحقائق حتى إلى آخر لحظة، فكان ابنه يرى الطوفان قادمًا ومع ذلك لم يزل يشك في رسالة أبيه. ولا منقذ من الطوفان اليوم إلا الله، ولن ينجو منه إلا من تداركه رحمته تعالى. وفي قوله تعالى (وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ) (هود: 44) إشارة لطيفة بأنه عز وجل كان قد حفظ نوحًا من أن يتألم برؤية مشهد غرق ابنه، فجعل بينهما حجابًا من موج مرتفع حين غرقه. ما أشد الأنبياء توقيرًا وتعظيمًا لله عز وجل. لقد ارتكب سيدنا نوح خطأً اجتهاديًا في فهم كلام الله تعالى حيث ظن أن كل فرد من أهله سوف يظفر بالنجاة، ولكن حينما أوشك ابنه على الغرق تضرّع إلى ربه بأسلوب غاية في اللطف والشفافية قائلاً: (إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) (هود: 46).. أي أنني أتوسل إليك أن تنجيه وفق ما وعدتني به. ولكن كانت الظروف الظاهرة تقضي بعدم نجاته. قال (وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ) (هود: 46).. أي لو غرق فلن يقدح ذلك في وعدك، بل سيبقى وعدك حقًا كما هو ويكون قرارك صائبًا في كل حال. ما أبلغه من كلام حيث ذُكرت الحقيقة في كلمات موجزة للغاية. يقول عز من قائل: إننا لم نقصد بكلمة (أهلك) كلَّ من في بيتك، وإنما قصدنا المؤمنين فقط، لأن أهلك الحقيقيين مَن هم على صلةٍ بالله عز وجلّ. وإن ابنك ليس من أهلك لأنه لم يزل يعمل عملاً غير صالح أي أنه كان يرتكب أعمالاً غير صالحة منافية للتقوى. وباعتبار أنك حامل أمانة كلام الله تعالى، فعليك أن تكون أكثر حذرًا في المستقبل وتتدبر في كل جانب محتمل من كلامه. ويبدو من قوله تعالى (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) (هود: 47) أن أعمال الابن كانت خافية على أبيه، فنهاه الله عن السؤال كيلا يُهتك سترُ ابنه ويُفتضح أمره، لأن الجواب عليه كان يتطلب الكشف عن عيوبه ومعاصيه كشفًا تفصيليًا. فما أن سمع سيدنا نوح ؏ قول الله تعالى حتى قام واعترف بخطئه ورجع عن موقفه، وليس هذا فحسب، بل تضرع إليه تعالى قائلاً: يا رب سأسعى جاهدًا أن لا أعود لمثله أبدًا، ولكني لا أقدر على فعل شيء بدون معونتك، فأعنِّي على أن لا أقع في مثل هذا أبدًا.
هل أغرق طوفان نوح العالم كله؟
إنه ليس صحيحًا أن طوفان نوح قد شمل الدنيا كلها، كما أنه ليس صحيحًا أيضًا أن كل هذه القصص من البلدان المختلفة تشير إلى أكثر من طوفان، بل الحق أن الطوفان واحد، ولم يُغطّ إلا منطقة واحدة من الأرض فقط. وبما أن نوحًا ؏ كان أولَ إنسان في مرحلة الحضارة الإنسانية الأولى وأن ذريته وذرية أتباعه قد انتشروا بعد الطوفان في بلدان شتى وتغلبوا على أهلها الأصليين بسبب تفوقهم الحضاري، لذا كانوا هم الخالدين الباقين، أو أن الأقوام المغلوبة اتبعت دينهم وتحضّرت بحضارتهم، وهكذا ذاعت قصة الطوفان في هذه البلدان أيضًا. وبعد مرور زمن طويل عندما لم يبقَ لهؤلاء المستوطنين الجدد من قوم نوح أيةُ علاقة بموطنهم الأصلي القديم، وصار الوطن الجديد هو وطنهم الحقيقي، أدخلوا في حكاية الطوفان أسماء الأماكن والشخصيات المحلية المتعارف عليها في الوطن الجديد، وهكذا اكتسب الحادث الحقيقي الواحد للطوفان طابعَ أحداث عديدة.
لقراءة المزيد من قصص الأنبياء
طبعا طوفان نوح لم يشمل الارض كلها ..
فبالمنطق كيف يجمع سيدنا نوح كل انواع الحيوانات ؟
فالخنافس مثلا فيها مليار نوع .
و تاريخيا : كان سيدنا شيث و سيدنا ادريس قبل الطوفان .. و نزلا مصر و امن البعض بهما .. ثم حدث صراع بين اتباع شيث ( الدين القديم ) و اتباع ادريس ( الدين الجديد ) و اطلقوا عليهما ست و اوزيريس .
فلو هلك المصريون فى الطوفان فلماذا استمر صراع الديانتين بعد الطوفان ؟؟
و لماذا استمرت نفس التسمية ست و اوزيريس رغم ان من اطلق عليهما هذين الاسمين هلكوا فى الطوفان ؟
و لماذا استمرت نفس الالهة اتوم ( ادم ) و رع ( رب ) و بتاح ( الفتاح ) و نفس الاساطير بعد الطوفان ؟
فكل هذا يأكد أن الطوفان أهلك الكفار فقط و أن المؤمنين كانوا يعرفون تلك الأسماء فاستمرت بعد الطوفان .
و يذكر القرءان وجود الصابئين بعد الطوفان .. و الصابئية هى ديانة ادم و شيث و ادريس .. فكيف وصلت للصابئين بعد الطوفان لو كان الكل هلك ؟
و هى ليست ديانة نوح حتى يفترض البعض بأن نوح من نقلها للناس بعد الطوفان .
فديانة نوح كانت التوحيد اما ديانة ادم و شيث و ادريس كانت الطهارة فقط ( عدم الزنا ، التطهر ، عدم شرب الخمر ، ستر الجسد ، عدم الاختلاط بنسل قابيل ) و ذلك لأنهم جميعا كانوا موحدين لله على شريعة ادم دون الحاجة لدين يأمرهم بالتوحيد ، ما عدا قابيل الذى عبد النار و نسله الذين أباحوا الزنا و الخمر و الرقص و المعازف .
و الله أعلم
بسم الله الرحمن الرحيم انا عبدالرحمن عماد من مصر عمري 19عام ارجو تبسيط سؤال ما هو الدليل القطعي علي ان طوفان سيدنا نوح لم يغطي الارض كلها وشكرا
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
لماذا لا يمكن أن يكون طوفان سيدنا نوح ؑعالمياً
لا يمكن أن يحدث طوفان يغطي كل الأرض لأن هذا سيدمر كل الآثار والبقايا والحفريات والجثث وغيرها من مواد تاريخية تم اكتشافها وتعود إلى عصور قبل زمن نوح عَلَيهِ السَلام. والأمر الآخر أن سفينة تسع كل نوع من الوحوش والحيوانات والطيور في الدنيا ستكون على الأقل بحجم دولة كاملة من دول اليوم وأيضاً لن تسع جميع الحيوانات والسباع والطيور والحشرات ! فهل يمكن بناء سفينة بهذا الحجم ؟ ثم كيف سيفصل بين الوحوش والدواجن والقطعان وغيرها ؟ وكيف سيطعمها كلها ؟ وكيف سيتخلص من فضلاتها ؟ يستحيل أن يكون الطوفان عالمياْ كما أن سيدنا نوح لم يبعث إلى جميع الأرض بل إلى قومه أي قوم معينين فقط، فما ذنب الحيوانات والبشر الآخرين الذين لم يسمعوا به حول العالم في الجزر والمناطق البعيدة ؟ لا داعي لافتراض أن طوفان سيدنا نوح ؑ غطى الأرض كلها، بل الطوفان حدث في منطقة جبلية كما في قول ولد نوح سآوي إلى جبل يعصمني من الماء مما يدل على أن المنطقة جبلية التي قد تشكل حوضاً كبيراً يمكنه احتواء طوفان عظيم جداً أغرق أرضاً أو بلدة بكاملها. والله أعلى وأعلم