جاء وصف حضرة رسول الله محمد المصطفى (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) في الكتاب المقدس بـ العريس الذي تنتظره عروسه أي الشعوب (كناية عن بعثة أهم وأفضل نبي لأرض عذراء لم تلد نبياً من قبل). وتصف العروس عريسها كما يلي:
“حلقه حلاوة وكله مشتهيات. هذا حبيبي، وهذا خليلي يا بنات أورشليم” (نشيد الأنشاد 5: 16)
أي أن هذه الأرض التي تستقبل النبي الموعود هي كالعروس التي لم يدخل عليها أحد قبل وبعد عريسها وتصف حلقه أي كلماته (لأنه لا ينطق عن الهوى) بالحلاوة. ومن ذلك وصف المسيح الناصري (عَلَيهِ السَلام) هذا النبي الموعود بما يلي :
“فمتى جاء روح الحق أرشدكم إلى الحق كله، لأنه لا يتكلم بشيء من عنده، بل يتكلم بما يسمع ويخبركم بما سيحدث. سيمجدني لأنه يأخذ كلامي ويقوله لكم. ” (يوحنا 16: 7 – 14)
فكلام ذلك النبي الموعود لن يختلف عن كلام المسيح (عَلَيهِ السَلام) الذي لم يأت لينقض الناموس أي كلام الله تعالى، وبذلك تتضح الإشارة إلى كون النبي القادم ناهل من نفس النبع الإلهي الذي فاض على الأنبياء جميعا. بالاضافة لذلك فهذا النبي سوف يمجد المسيح (عَلَيهِ السَلام) ويشهد له ولا أبلغ من هذه الشهادة التي لم يأت بها أحد من بعد المسيح عَلَيْهِ السلام غير محمد (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) وجاءت في سورة تحمل اسم والدته مريم عليها السلام :
{قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا. وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا. وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا. وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا. ذَٰلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ۚ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ} (مريم 31-33)
فأي تمجيد أعظم من هذا للمسيح عَلَيْهِ السلام !
ولنعد لبقية النشيد حيث نجد العروس تكلّم بنات أورشليم أي بني اسرائيل بكل ما سبق قائلة “هذا حبيبي، وهذا خليلي يا بنات أورشليم” أي أن هذا هو النبي الموعود الذي ينتظروه وأنه لن يكون من أورشليم وقد جاء عنه قبل ذلك بأنه سوف يكون من إخوة بني اسرائيل وليس منهم أي من بني إسماعيل (أرض العرب). فلنقرأ من سفر تثنية الاشتراع ما يلي :
“أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به” (التثنية 18:18)
فهو ليس منكم يا بني اسرائيل ولن يبعث من أورشليم كما تظنون بل من وسط إخوتكم بني إسماعيل وكذلك ورد عنه التكلم بكلام الله تعالى وهو ما يقابل كون النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) تلقى أمر إقرأ أي أنه لم يكن كاتباً بل يقرأ ما يتلى عَلَيْهِ فحسب وأن قوله هو قول الله تعالى ولن يكون بعد ذلك مجرد سرد البشر لما تلقوه من وحي بل سوف يكون كلاما حرفيا ولا مصداق لذلك غير القرآن الكريم.
وعند العودة إلى العروس نجد أنها تصف ظل هذا العريس أي رحمته وعهده وأن ما يقوله ويستنه أحلى عندها من أطايب الثمر:
“تحت ظله اشتهيت أن أجلس، وثمرته حلوة لحلقي” (نشيد الأنشاد 2: 3)
وظل الشيء علامته ودليله وللنبي سنته وتعاليمه.
وتتضح ماهية هذه الثمرة من النص التالي :
“إن كلماتك حلوة في حلقي، أفضل من العسل والشهد في فمي” (مزمور 119: 103)
والمقصود بها هي كلمات الله تعالى التي لا يشبع من أكلها المؤمن، فنقرأ من سفر يشوع:
“من أكلني عاد إلي جائعا، ومن شربني عاد ظامئا” (يشوع بن سيراخ 24:29)
إذاً فوصف الكمال والحلاوة إنما هو لكلام الله عز وجل الذي ينطق به ذلك النبي الكريم (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) كما ينسب لداود عَلَيْهِ السلام ما يلي :
“ لكل كمال رأيت منتهى. أما وصاياك فواسعة جدًا” (مزمور 118 :96)
وكذلك جاء في وصف هذه الشريعة الكاملة في سفر يشوع :
“الحكمة لا يستوفي معرفتها الأول، ولا يستقصيها الآخر،لأن فكرها أوسع من البحر، ومشورتها أعمق من الغمر العظيم” (يشوع بن سيراخ 24:38-39)
وهذه كلها تقابل قوله تعالى :
{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (المائدة ٤)
{قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} (الكهف 110)
بل أننا نجد إشارة لمحل بعثته (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) في الكتاب المقدس حيث يسمي أرض النبي أو العريس بـ بكة وهي من أسماء مكة المكرمة كما يلي :
ترجمة الفاندايك:
“تشتاق نفسى بل تتوق نفسى إلى ديار الرب . قلبى ولحمى يهتفان بالإله الحىّ … طوبى للساكنين فى بيتك أبدا يسبحونك . سلاه . طوبى لأناس عِزَّهم بك . طُرُق بيتك فى قلوبهم عابرين فى وادى البكاء يُصيِّرونه ينبوعا . أيضا ببركات يُغطُّون مُورة . يذهبون من قوة إلى قوة ” (مزمور 84 : 1 ـ 7)
نفس النص في الترجمة الكاثوليكية العربية:
“تذوب نفسى شوقا إلى ديار الرب . قلبى وجسمى يُرنِّمان للإله الحىّ … هنيئا للمقيمين فى بيتك . هم على الدوام يُهللون لك . هنيئا للذين عِزَّتهم بك . وبقلوبهم يتوجهون إليك يعبرون فى وادى الجفاف فيجعلونه عيون ماء ، بل بركا يغمرها المطر. ينطلقون من جبل إلى جبل” (مزمور 84 : 1 ـ 7)
والترجمة الإنكليزية (الملك جيمس) للنص نفسه:
“Blessed are they that dwell in thy house: they will be still praising thee. Selah. Blessed is the man whose strength is in thee; in whose heart are the ways of them. Who passing through the valley of Baca make it a well; the rain also filleth the pools. They go from strength to strength, every one of them in Zion appeareth before God.“
فيتضح منه أن وادي البكاء أو الجفاف هذا إنما اسمه ‘وادي بكة’ (Baca) ومنه نخرج بأن وادي بكة هذا يكون فيه بيت الرب (الكعبة) حيث يتم فيه تمجيد الله تعالى، كما أن الترجمة الكاثوليكية تبين لنا أن الوادي هذا جاف أي لا ماء فيه ولا زرع وذلك مصداق قول ابراهيم (عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام) :
{رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} (ابراهيم28)
والنكتة الأخيرة هي أن في وادي بكة الجاف هذا حيث يمجد الله تعالى في بيته يوجد ينبوع أو بئر (زمزم).
يتكلم النص التالي من سفر إشعياء عن صفات هذه الأرض (وادي بكة غير ذي الزرع) حيث يبعث النبي المحبوب والكلام أيضا بصيغة المرأة أو العروس:
“قومى استنيرى لأنه قد جاء نورك، ومجد الرب أشرق عليك. لأنه هاهى الظلمة تغطى الأرض والظلام الدامس الأمم. أما عليك فيشرق الرب ومجده عليك يُرَى. فتسير الأمم فى نورك والملوك فى ضياء إشراقك. ارفعى عَينيك حواليك وانظرى. قد اجتمعوا كلهم. جاؤا إليك. يأتى بنوك من بعيد وتحمل بناتك على الأيدى. حينئذ تنظرين وتنيرين ويخفق قلبك ويتسع لأنه تتحول إليك ثروة البحر ويأتى إليك غنى الأمم. تغطيك كثرة الجِمَال بُكران مِديان و عيفة كلها تأتى من شبا. تحمل ذهبا ولُبانا وتُبشِّر بتسابيح الرب. كل غنم قيدار تجتمع إليك. كباش نبايوت تخدمك. تصعد مقبولة على مذبحى وأزيِّنُ بيت جمالى. من هؤلاء الطائرون كسحاب وكالحمام إلى بيوتها. إن الجزائر تنتظرنى وسفن ترشيش فى الأول لتأتى ببنيك من بعيد وفضتهم وذهبهم معهم لاسم الرب” (أشعيا 60: 1 ـ 9)
فهي أرض يفد إليها الناس من كل حدب بَراً وبَحراً وجَوّا، كما يتم فيها نحر الأضاحى، وقبائل قيدار ونبايوت هم أبناء إسماعيل عليه السلام كما في سفر التكوين 25: 13 حيث أن نبايوت هو الابن البكر لإسماعيل وقيدار هو الابن الثانى له. فهم إذاً العرب من نسل قيدار ونبايوت الساكنون بوادى بَكَّة الجاف.
وهناك نبوءات عديدة حول صفات هذا النبي الكريم (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) وصحابته (رضوان الله عليهم أجمعين) وظروف بعثته.
فهل أدل من ذلك على بعثة حبيب الله وحبيب الأمم محمد (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) !
فـ صَلِّ اللَّهُمَّ عَلَى حَبِيبنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وبَارِكْ اللَّهُمَّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ
تعالوا أيها العالمين اشربوا من كوثر محمد (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) لأنه رحمة لكم أجمعين.
“وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ” ( الأنبياء 107)
مسلم لله