يحدث لبس أحيانا في فهم المقصود بآدم، علما أنه يعني ما يلي:
- الجنس البشري عموما: بحيث يصبح آدم اسم جنس لكل الجنس البشري
- آدم البشري الأول: علما أن أوادم كثرًا رجالا ونساء خلقوا سويا.
- آدم النبي الآخير الذي هو جد السلسلة التي جاء منها نوح وإبراهيم وكان ختامها النبي صلى الله عليه وسلم.
فبفهم هذه الفوارق، ودون الخلط بينها، يمكن فهم النصوص التي وردت في كتابات المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام وكلامه وفي أدبيات الجماعة الأخرى كالتفسير الكبير وغيره، والتي أعطت صورة متكاملة وشاملة لهذه المسألة على أبهى وأكمل وأروع صورة.
قصة الخلق:
أولا: الخلق الأول خلقٌ تطوري يشابه إلى حد كبير تطور الجنين في بطن أمه، إذ يقول تعالى إشارة إلى ذلك: {مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } (لقمان 29) فكما أن الجنين يتطور من بويضة ملقحة ويبدأ حياة نباتية ويتغذى بالمشيمة التي تشبه الجذر الملتصقة في جدار الرحم، كذلك خلق الله تعالى الإنسان وأنبته في أطوار ومراحل في كهوف حياة نباتية أشار إليها في قوله: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا } (نوح 18) وكما أن الجنين يبدأ بإظهار صفات حيوانية من حركة وغيرها في بطن أمه قبل أن يولد، كان البشر يظهرون بعض الصفات الحيوانية في طريقهم نحو التطور النهائي الذي سبق اكتمال الخلق، ولكنهم كانوا بشرا، ولم يكونوا في يوم من الأيام قرودا أو شبه قرود أو أي مخلوق آخر، ولم يكونوا قد غادروا كهوفهم بعد، لأن تطورهم لم يكتمل. وهذا هو الفارق بين التطور الذي نقول به وتطور دارون والنظريات المعدلة لنظريته، إذ ترى هذه النظريات أن الإنسان قد مر بمراحل كان فيها حيوانا آخر ثم تعرض لطفرات إلى أن أصبح بشرا، وهذا خطأ. ثانيا: عندما اكتمل خلق البشر، وانتهت مراحل التطور الأولى، خلقهم الله رجالا ونساء بالغين في بادئ الأمر. حيث تطورت بعض الخلايا الأولى إلى رجال وتطورت بعضها الأخرى إلى نساء. ثالثا: عند اكتمال الخلق كان الله تعالى قد علَّم البشر تعليما تلقائيا البيان والحديث، ولم يطوروا اللغة بأنفسهم. ومباشرة اصطفى الله تعالى منهم أنبياء أشار إليهم أيضا باسم آدم، فالنبوة تلازمت مع اكتمال الخلق ولم يُترك البشر دون هداية. وفي هذه المرحلة آدم قد يعني الجنس هنا، وقد يعني الذين تم اصطفاؤهم من هؤلاء البشر الأوائل أنبياء في كل مجموعة بشرية خلقت في كل مكان من الأرض خُلق فيه بشر. رابعا: أُمر آدم من الله تعالى بمغادرة الكهوف والبدء بحياة بشرية على سطح الأرض، وهذا مغزى تسميته آدم، لأن آدم تعني أديم الأرض أي سطحها، كما تعني السمرة التي تخلفها الشمس على البشرة. فأطاعه فريق من البشر الذين كانوا معه، ورفض أمره آخرون من الذين خافوا من مخاطر الخروج وآثروا البقاء في الكهوف. وقد سمي هؤلاء الذين آثروا هذه الحياة جنًّا، وسمي زعيمهم الذي رفض طاعة آدم إبليسا. خامسا: عندما خرج البشر على سطح الأرض، وبدأوا العيش في الجنة التي كان قد أنشأها الله تعالى لهم من غابات مليئة بالثمار، ويتوفر فيها الماء الصالح للشرب، وتتوفر فيها أماكن للسكن والمأوى باستخدام أغصان الأشجار أو تحت ظلالها، واستطاعوا أيضا أن يصنعوا لباسا من أوراق الأشجار، ظهر للآخرين أن اتباعه كان أفضل، فالتحق به عدد من الذين رفضوا أمره في البداية من الجن، وكان منهم أيضا منافقون كالشيطان الذي أشار عليه أن يتصالح مع إبليس ويندمج الفريقان مع بعضهما. سادسا: عندما حدث الاختلاط، ودخل المنافقون جماعة المؤمنين، حدث الفساد، أصبح المجتمع مضطربا ونشأت فيه العداوات والصراعات، لذلك أخرجوا جميعا من ذلك المكان وهاجروا إلى أماكن أخرى من الأرض. سابعا: هذه القصة حدثت في بداية الخلق مع الأوادم الأوائل، وحدثت أيضا مع فوارق طفيفة مع آدم الأخير الذي عاش قبل ستة آلالاف عام، وهي نموذج لما يحدث مع كل نبي دوما، لذلك ذكرها القرآن الكريم، وكانت التوراة قد ذكرتها، ولكن التوراة بسبب عدم دقتها قد اختلط فيها الحقيقة بالمجاز، وأصبحت أشبه بقصة خرافية.
نتائج:
وبهذا يكون آدم -أو الأوادم – في أول الجنس البشري قد خُلق تطورا دون أب وأم، بينما كل آدم بعده بما فيهم آدم النبي الأخير ولدوا بأب وأم. وبما أن الرجل والمرأة خلقا في الأصل من خلية واحدة متشابهة، ثم حدث في جزء منها تغيرُّ في كرموسوم واحد، لذلك خلقا من نفس واحدة خلق منها زوجها ثم تطورا إلى رجال ونساء في البداية. وبما أن هذا التشابه في بداية الخلق يتشابه أيضا مع الأجنة التوائم الذين يكون أحدهما ذكرا وآخر أنثى، لذلك يمكن القول إن آدم البشر الأول خلق توأما. ووفقا لذلك كله يمكن القول إن الرجل خلق من المرأة والمرأة خلقت من الرجل، وذلك نظرا إلى جانب ما. أما أن المرأة خلقت من ضلع كما جاء في الحديث، فهذا إشارة إلى طبيعتها وليس إلى بداية خلقها. وهذا ذكرته التوراة أيضا، وشوهته كالمعتاد.