حديث خاتم النبيين
رواه إبن أبي شيبة في مصنفه عن جرير بن حازم:
“حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ ، عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : قُولُوا : ” خَاتَمُ النَّبِيِّينَ , وَلا تَقُولُوا : لا نَبِيَّ بَعْدَهُ”.” (26653 المصنف في الأحاديث والآثار، أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي، 5/336، الطبعة الأولى، 1409، مكتبة الرشد – الرياض، تحقيق : كمال يوسف الحوت)
رواه يحيى بن سلام عن الربيع في تفسيره:
“الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : لا تَقُولُوا : لا نَبِيَّ بَعْدَ مُحَمَّدٍ ، وَقُولُوا : خَاتَمُ النَّبِيِّينَ ، فَإِنَّهُ يَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلا وَإِمَامًا مُقْسِطًا ، فَيَقْتُلُ الدَّجَّالَ ، وَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ ، وَتَضَعُ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا“. (519، تفسير يحيى بن سلام، سُورَةُ الأَحْزَابِ، تَفْسِيرُ سُورَةِ الأَحْزَابِ)
جاء في التهذيب في حال الربيع عند أهل الحديث:
قال أبو زرعة: شيخ صالح صدوق.
وقال أبو حاتم: رجل صالح.
وقال مسلم بْن إبراهيم عن شعبة: الربيع بْن صبيح من سادات المسلمين.
وقال أبو أحمد بْن عدي: له أحاديث صالحه مستقيمه ولم أر له حديثا منكرا جدا وأرجو أنه لا بأس به ولا برواياته.
وقال عبد الله بْن أحمد بْن حنبل عن أبيه: لا بأس به رجل صالح.
وقال البخاري عن أبي الوليد الطيالسي: كان الربيع بْن صبيح لا يدلس.
استشهد به البخاري في الكفارات، وروى له الترمذي وابْن ماجه.
(انظر : تهذيب الكمال)
ضعفه بعض رجال الحديث بسبب سوء حفظه مع إجماعهم على كونه ثقة صدوق. فسوء الحفظ لا يقدح بصحة نقل الثقة الصدوق للحديث ولا يطعن في صحة حديثه مع شهادة رجال الجرح والتعديل على صدقه وتوثيقه.
أما صاحب التفسير يحيى بن سلام فهو يحيى بن سلام بن أبي ثعلبة، التيمي بالولاء، من تيم ربيعة، البصري ثم الإفريقي القيرواني 124 – 200 هـ = 742 – 815 م.
“قال ابن الجزري: «سكن إفريقية دهرا، وسمع الناس بها كتابه في تفسير القرآن، وليس لأحد من المتقدمين مثله» ولابنه «محمد بن يحيى» زيادات عليه، أفردت بإسناد عنه. وله «اختيارات في الفقه» ذكرها صاحب معالم الإيمان، و «الجامع» ذكره ابن الجزري، وقال: كان ثقة ثبتا ذا علم بالكتاب والسنة ومعرفة باللغة، والعربية. وقال أبو العرب: له مصنفات كثيرة في فنون العلم. وقال العسقلاني: ضعفه الدارقطني – في الحديث – وذكره ابن حبان في الثقات وقال: وربما أخطأ.” انتهى (انظر : الأعلام للزركلي)
فيثبت من ذلك أن الرجلين عالمان ثقة صدوقان
الشاهد الآخر من أبي شيبة عن مجالد وهو ضعيف بسبب سوء الحفظ أيضا.
أما الشرح فقد جاء فيه قول ابن قتيبة رحمه الله :
“وَأَمَّا قَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: “قُولُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَا تَقُولُوا لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ”؛ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ إِلَى نُزُولِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ قَوْلِهَا، نَاقِضًا لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لَا نَبِيَّ بَعْدِي” لِأَنَّهُ أَرَادَ: لَا نَبِيَّ بَعْدِي، يَنْسَخُ مَا جِئْتُ بِهِ، كَمَا كَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ تَبْعَثُ بِالنُّسَخِ، وَأَرَادَتْ هِيَ: “لَا تَقُولُوا إِنَّ الْمَسِيح لَا ينزل بعده“. (تأويل مختلف الحديث، ابن قتيبة، ص: 272)
وقد اختلط على مشايخ آخر الزمان حديث عائشة رَضِيَ اللهُ عَنها أولاً من طريق ابن سيرين حيث قيل بأنه لم يسمع من عائشة ؓ وهذا تكذيب واضح لراوٍ ثقة عدل كابن سيرين رحمه الله وقد نص الإجماع على أن عدالة الصحابة تحتم قبول مراسيلهم وابن سيرين تابعي عدل ثقة ولم ينفي سماعه بل هذا ما قاله ابن ابي حاتم عن أبيه واستشهد البخاري بذلك في حين لم يدعي ابن سيرين ذلك مطلقا. ثانياً، اختلط عليهم حديث عائشة ؓ بحديث لا نبي بعدي ولذلك ظنوا أن الحديثين متناقضان فقدموا المرفوع منه للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم على الموقوف منه لعائشة ؓ والحق أن الحديثين متفقان لا تعارض بينهما إذا ما فهم أن المقصود بلا نبي بعدي أي لا نبي يخالف شرعي وسنتي كما ذهب بعض إن لم نقل جلّ أهل العلم. والنتيجة أن محاولات تضعيف الحديث تلك لا تثبت لأنها لا تطعن بعدالة الرواة وصدقهم بل تقوم على مجرد سوء الفهم بينما الحديث صحيح متوافق مع ما رفع منه للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وله شواهد.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ