أولي الأجنحة
يقول تعالى:
﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ . الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۚ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾
جاء التعبير حول الملائكة “أولي أجنحة” ومعناه أنَّ للملائكة قوى وميزات بدرجات متفاوتة تختلف باختلاف طبيعة وأهمية العمل الموكل لكلّ منها، فتفُوقُ قوى بعض الملائكة على بعضها الآخر بحسب أهمية ومستوى التكليف، وفي هذا الخصوص فإن الملاك جبريل ؑهو رئيس الملائكة كافة، ولذلك كان أهمّ عمل أي حَمْل الوحي إلى رسل الله تعالى قد أوكله اللهُ تعالى إلى الملك جبريل ؑ لكي يتمّ تحت إشراف جبريل ؑ وعنايته.
بعد أن ذَكَرَ اللهُ تعالى بأنه تبارك وتعالى خَلَقَ السموات والأرض ورزقَ الإنسان مادياً وروحياً بأيدي الملائكة، ذَكَرَ اللهُ تعالى بعد ذلك الرحمة التي شاء اللهُ تعالى إرسالها للبشر الآن من خلال وحي القُرآن الكَرِيم، وفي نفس الوقت يؤكد على التحذير من أعداء الحق وأنهم لن يفلحوا في مخططاتهم لأن خطة الله تعالى هي التي ستتم، فالله تعالى هو العزيز الحكيم. وهكذا تتحدث الآيات اللاحقة في نفس الموضوع من جوانب وأبعاد أخرى تشير إلى ذات المسألة وهي فضل الله تعالى على الخَلْق ورحمته بهم وأنّ النجاة هي بقبول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وعدم تكذيبه كما فعل السابقون، فالله تعالى قائم إليه ترجع جميع الأمور، والأفضل للإنسان إذا أراد السعادة أن يقيم توحيد الله تعالى في قرارة نفسه ليحظى بالسلام الحقيقي.
تعبير اجنحة الملائكة استعارة جائزة
يقول العلامة ابن عاشور رحمه الله مفسراً معنى أجنحة الملائكة بأنه استعارة جائزة ترمز للقوة المتباينة للملائكة فضلاً عن كونها أجنحة مادية:
“وَ(أَجْنِحَةٌ) جَمْعُ جَنَاحٍ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَهُوَ مَا يَكُونُ لِلطَّائِرِ فِي مَوْضِعِ الْيَدِ لِلْإِنْسَانِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ إِثْبَاتَ الْأَجْنِحَةِ لِلْمَلَائِكَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَفِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ الْمَرْوِيَّةِ عَنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقِيقَةً، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ اسْتِعَارَةٌ لِلْقُوَّةِ الَّتِي يَخْتَرِقُونَ بِهَا الْآفَاقَ السَّمَاوِيَّةَ صُعُودًا وَنُزُولًا لَا يَعْلَمُ كُنْهَهَا إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى. … وَجُمْلَةُ {يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ} مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا لِأَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ صِفَاتِ الْمَلَائِكَةِ يُثِيرُ تَعَجُّبَ السَّامِعِ أَنْ يَتَسَاءَلَ عَنْ هَذِهِ الصِّفَةِ الْعَجِيبَةِ، فَأُجِيبَ بِهَذَا الِاسْتِئْنَافِ بِأَنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَنْحَصِرُ وَلَا تُوَقَّتُ. وَلِكُلِّ جِنْسٍ مِنْ أَجْنَاسِ الْمَخْلُوقَاتِ مُقَوِّمَاتُهُ وَخَوَاصُّهُ. فَالْمُرَادُ بِالْخَلْقِ: الْمَخْلُوقَاتُ كُلُّهَا، أَيْ يَزِيدُ اللَّهُ فِي بَعْضِهَا مَا لَيْسَ فِي خَلْقٍ آخَرَ. فَيَشْمَلُ زِيَادَةَ قُوَّةِ بَعْضِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى بَعْضٍ، وَكُلُّ زِيَادَةٍ فِي شَيْءٍ بَيْنَ الْمَخْلُوقَاتِ مِنَ الْمَحَاسِنِ وَالْفَضَائِلِ مِنْ حَصَافَةِ عَقْلٍ وَجَمَالِ صُورَةٍ وَشَجَاعَةٍ وَذَلْقَةِ لِسَانٍ وَلِيَاقَةِ كَلَامٍ.” (التحرير والتنوير، سورة فاطر، قوله تعالى الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا، ص 249-251)
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
باختصار وتصرف من التفسير الصغير
بارك الله فيكم وللملائكة علاقة بالصلاة وعدد ركعاتها ثوابا من عند الله سبحانه وتعالى.