من الآيات المذهلة والدلائل البينة على صدق المسيح الموعود والإمام المهدي عليه الصلاة والسلام أنه قد أعلن مسبقا بأنه سيموت ميتة طبيعية حتما، ولن يتمكَّن أحد من قتله! رغم أن الذين كانوا يريدون قتله ويخططون له كثر، ولم يكن هنالك وسائل لحمايته من أدنى محاولة.
والعجيب أن هذا النبأ كان قد جاء في وحي نزل قبل وفاته بما يقارب الثلاثين عاما، ثم كان الإعلان القطعي بأن معناه إنما هو النجاة من القتل وحتمية الموت الطبيعي قبل وفاته بثلاثة أعوام! فهل يمكن أن يجرؤ على هذا إلا من كان من الله تعالى حقا؟
ومع أن مجرد هذا الإعلان ثم تحقُّقه يشكِّل آية عظيمة، إلا أن معرفة ملابساته وركائزه يزيد الأمر قوة ووضوحا ودلالة على أن حضرته من عند الله تعالى. فقد كان حضرته تلقى وحيا: “يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ” وهو يطابق الآية الكريمة {يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} (آل عمران 56)، وقد أورد هذا الوحي في الأجزاء الأولى من البراهين أي من الفترة 1880 -1884، فيقول حضرته حول هذا الأمر:
“هنا يجب فهم نقطة أخرى أيضا أن الآية: {يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} جاءت في القرآن الكريم بحق عيسى عليه السلام ولكنها أُنزلت في أجزاء البراهين الأحمدية السابقة بحقي أنا… أما قوله تعالى {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ} ففيه تكمن نبوءة أخرى وهي أن “التوفي” في العربية يعني الإماتة الطبيعية وليس القتل أو الصلب. كما قال العلامة الزمخشري في تفسيره “الكشاف” تحت تفسير الآية: {يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ}، “إني مميتك حتف أنفك”، أيْ أميتك موتا طبيعيا. فلما كان في علم الله أنه ستُحاك المكايد لقتلي وصلبي على غرار ما حِيك ضد عيسى خاطبني تعالى وقال كنبوءة: “يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ“. وفي ذلك إشارة إلى أنني سأُنقَذك من القتل والصلب.”
(البراهين الأحمدية – الجزء الخامس)
ويتابع حضرته فيقول:
“والمعلوم أن محاولات كثيرة قد تمت لقتلي وصلبي، وأفتى علماء القوم بقتلي، وقد رُفعت عليّ قضية زائفة لأشنَق، كان المدّعي فيها هو القسيس الدكتور مارتن كلارك، وكان الشيخ أبو سعيد محمد حسين من جملة الشهود… فكان قول الله تعالى بحقي: “يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ” نبوءة أُشير فيها أن مكايد ستُنسَج لقتلي أيضا كما حيكت لقتل عيسى، وسيفشل الأعداء في تلك المكايد.”
(البراهين الأحمدية – الجزء الخامس)
ومما يزيد الأمر وضوحا وقوة هو أن حضرته عندما تلقى الوحي كان قد فسره حينها تفسيرا يطابق الفهم التقليدي قبل أن يعلمه الله تعالى بحقيقة وفاة المسيح، فقال في تفسير هذا الوحي حينها أن المقصود هو أن الله تعالى سيتمُّ أعماله قبل وفاته. ولكن بعد أن أعلمه الله تعالى بحقيقة الأمر وبوفاة المسيح، وبحقيقة معنى الآية التي تطابق الوحي والتي هي دليل على موت عيسى عليه السلام ونجاته من القتل، فقد بيَّن بأن هذا الوعد ينطبق عليه أيضا. فخفاء النبأ عليه طول هذه المدة إنما هو دليل على أنه من الله تعالى وليس من تدبيره.
وفي الواقع فإنه سواء لو كان يعلم المعنى منذ البداية أو لو لم يكن يعلمه فإن إعلانه أخيرا بأنه سيموت ميتة طبيعية قطعا بناء على المعنى الصحيح، ثم تحقُّق ما قال، يبقى آية عظيمة دون أدنى شك، خاصة إذا تمَّ ربطها بوعد إلهي قرآني حتمي بهلاك المتقول. فقد وعد الله تعالى المتقوِّل بالهلاك بقطع وتينه المادي والمعنوي؛ والذي يعني هلاكه بيد الله تعالى بآفة سماوية تنهي حياته ويكون واضحا أنها عقاب إلهي ثم تشتت جماعته، أو بقتله على يد أعدائه بعد أن يمكنهم منه، ثم تشتت جماعته، وهذا في قوله تعالى:
{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (45) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (46) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ } (الحاقة 45-47)
وإضافة إلى الإشارة المعنوية لهلاك دعوته وتشتت جماعته الواردة في قطع الوتين فهنالك إشارة أخرى تدل على هلاك الجماعة وتشتتها وعدم قدرتها على حمايته عندما ينزل الله به عقابه قد جاءت في قوله تعالى:
{ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ } (الحاقة 48)
وهنا، فلو كان حضرته متقولا لنزل به وعد الإهلاك قطعا على كل حال، فكيف إذا تقوَّل وادعى أن الله تعالى قد وعده بالعصمة وبالموت الطبيعي وأنه لن يتمكن أحد من قتله؟ ألا يكون واجبا هنا أن يعاجله الله تعالى بوعد الإهلاك بالقتل دون غيره ويجعل نبوءته هذه عكس ما أنبأ بحيث يُقتل قطعا ويصبح قتله دليلا قاطعا على كذبه – والعياذ بالله- بسبب جرأته المتناهية؟
أقول أخيرا أن هذه الآية وحدها كافية كدليل صدق واضح بيِّن لا لبس فيه لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، وإنكارها إنما هو إنكار الله تعالى وقدرته وتصرفه وبطلان وعوده القطعية ثم تعمُّده إضلال الناس وعدم المبالاة بهم وبهدايتهم، وحاشا الله وتعالى عن ذلك.