يستشهد القائلون برفع جسد المسيح ؑ إلى السماء بحديث رواه البزار في مسنده البحر الزخار، وقد نقله الهيثمي رحمهم الله في مجمعه كما يلي:
“حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُنْذِرِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ يَقُولُ: “يَخْرُجُ الأَعْوَرُ الدَّجَّالُ مَسِيحُ الضَّلالَةِ قِبَلَ الْمَشْرِقِ فِي زَمَنِ اخْتِلافٍ مِنَ النَّاسِ، وَفُرْقَةٍ، فَيَبْلُغُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَبْلُغَ مِنَ الأَرْضِ فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا، اللَّهُ أَعْلَمُ مَا مِقْدَارُهَا؟ فَيَلْقَى الْمُؤْمِنُونَ، شِدَّةً شَدِيدَةً، ثُمَّ يَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ السَّمَاءِ، فَيَقُومُ النَّاسُ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ، مِنْ رَكْعَتِهِ، قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، قَتَلَ اللَّهُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ، وَظَهَرَ الْمُؤْمِنُونَ، فَأَحْلِفُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا الْقَاسِمِ الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّهُ الْحَقُّ، وَأَمَّا أَنَّهُ قَرِيبٌ، فَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ” (مجمع الزوائد)
ثم قال الهيثمي ؒ عن هذا الحديث:
“رَوَاهُ الْبَزَّارُ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ غَيْرَ عَلِيِّ بْنِ الْمُنْذِرِ وَهُوَ ثِقَةٌ.” (مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، كتاب الفتن أعاذنا الله منها، لنور الدين الهيثمي، باب ما جاء في الدجال 12543. أصله في مسند البزار البحر الزخار. الحديث 9642، الجزء 17، الصفحة 96)
فهذا نقل فقط للرواية وليس بشاهد لها. أما الرواية نفسها فهي ليست من الكتب الستة المعتبرة، أي هي خارج مصطلح الصحيح، وما دام الحديث الصحيح بشواهده في كتب الصحاح لا يذكر السماء في هذه الرواية، فلا تصح نسبة الحديث الذي تفرد بروايته البزار بهذا اللفظ إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم خصوصاً وأن الحديث في أصله الصحيح لا يذكر السماء كما سلف ذكره. وطالما لم يرد لفظ السماء في الصحيحين بل ولا في الصحاح الأربعة الأخرى، مما يعني أن هذا اللفظ لم يسمع به البخاري ولا مسلم ولا النسائي ولا الترمذي ولا ابن ماجه ولا أبو دَاوُدَ، ولذلك لا يوجد هذا اللفظ في كتب الحديث المعتبرة. أما مجمع الزوائد فهو عبارة عن كتاب يجمع أحاديث الصحاح الستة بالإضافة إلى أحاديث مسند أحمد ومسند البزار ومسند أبي يعلى ومعاجم الطبراني الثلاثة الكبير والأوسط والصغير، وفي كل هذه لم ترد لفظة السماء إلا في البزار. إذن هو حديث تفرد به البزار ولم يسمع به أحد من المحدثين ولا المحققين، ولذلك لم يثبت في أي حديث صحيح لفظ السماء.
أما رواية البيهقي:
“وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كيف أنتم إذا نزل ابن مريم من السماء فيكم وإمامكم منكم.” (الأسماء والصفات للبيهقي ص 584)
فهذا وهم من البيهقي والسبب في ذلك لأنه يعزو هذا الحديث إلى البخاري فيما حديث البخاري المقصود لم يرد فيه لفظة “السماء” أي أن السماء هنا لفظة زائدة توهمها البيهقي.
أما حديث حُذيفة الطويل الذي جاء فيه:
“فالتفت المهدي فإذا هو بعيسى بن مريم قد نزل من السماء في ثوبين كأنما يقطر من رأسه الماء“. (السنن الواردة في الفتن لأبي عمر الداني 5)
ففيه علل كثيرة وزيادات أبرزها المحققون في ألفاظه والأخبار الواردة فيه وغيرها ما لا يمكن إغفاله، كما أن في سنده ثلاث رواة مجاهيل وواحد كثير الأغلاط هو ابن هانيء النخعي. (راجع سنن الداني تحقيق المباركفوري). فهذا حديث لا يُعتد به ولا يصلح للاحتجاج وإذا صح من أحد الوجوه ففيه زيادات كثيرة والأولى الأخذ بكتب الصحاح التي اكتفت بالحديث الصحيح وخاصة صحيحي البخاري ومسلم، وهذه لم تذكر لفظة (السماء) مما يقطع بكونها زيادة من الزيادات التي رصدها المحققون في هذا الحديث الطويل.
كذلك الحديث:
“… فأوحى الله إلى جبريل أن ارفع إلي عبدي“. (تاريخ دمشق لابن عساكر 47 \ 472 ، وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي 11\ 379)
وحديث:
“كان طعام عيسى الباقلاء ولم يأكل شيئا غيرته النار حتى رفع“. (كنز العمال 11\504)
فلا بأس في ذلك لأن القرآن العظيم يصرح برفع عيسى ؑ، والرفع للأنفس لا للأجساد كما في القُرآن الكَرِيم {يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك} الآية.
وقد ورد في الحديث الصحيح معنى الرفع كما يلي:
“حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَقُتَيْبَةُ، وَابْنُ، حُجْرٍ قَالُوا حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، –وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ– عَنِ الْعَلاَءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ.” (مسند أحمد بإسناد صحيح 8996 و7205 و9641. قال الشيخ الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم. صحيح مسلم 2588. وسنن الدارمي 1676 كلها من طريق أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ)
أما الحديث المنسوب لعمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لما أنكر موت الرسول صلى الله عليه وسلم:
“من قال إن محمدا قد مات علوته بسيفي وإنما رفع إلى السماء كما رفع عيسى بن مريم” (المواقف والملل والنحل)
فهذا الحديث لا أصل له بهذا اللفظ بل أصله وارد بدون لفظ “السماء” مما يثبت أنها دخيلة من فهم الراوي وليست في أصل الحديث.
ولمناقشة هذا الموضوع نقول عندما يقول شخصٌ شيئاً ما وليكن على سبيل المثال غياب أحد الطلاب من الدرس كما غاب الطالب الفلاني من قبل فيأتيه الرد من الأستاذ بأن فلاناً لم يغب بل هو حاضر وأن الجميع من قبله قد حضروا بالفعل بدون استثناء، هل يمكن أن نستنتج من ذلك أن الطالب الذي قيل بأنه غائب من قبل هل يكون بالفعل غائباً أم أن رد الأستاذ بحضور جميع الطلاب بدون استثناء يشمله بداهة ؟ هكذا هو الحال مع الرواية التي يقول فيها سيدنا عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عندما توفي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وهو في ثورة من الغضب والانهيار على فقدانه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بأنه ﷺ لم يمت بل رُفع كما رُفع عيسى ابن مريم عَلَيْهِمْ السَلامُ فجاءه الرد من الصدّيق رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بتلاوة قوله تعالى {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} فسكت سيدنا عمر وجميع سادتنا من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وقد فاجأته هذه الآية وكأنه يسمع بها لأول مرة ! هذه الآية تقول بوضوح بأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وسائر النبيين من قبله قد ماتوا ولم تغادر منهم نبياً على الإطلاق، وهذا الذي فاجأ سيدنا عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وصحح له الصدّيق الأمر بقول صريح من القرآن الكريم مفاده أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وجميع النبيين من قبله قد ماتوا أي قبضت أنفسهم إلى الله تبارك وتعالى بدون استثناء. هل يمكن لهذه الرواية أن تكون دليلاً على استثناء عيسى عَلَيهِ السَلام من الموت، أم هي في الواقع دليل دامغ على أن عيسى عَلَيهِ السَلام وجميع النبيين وعلى رأسهم سيدنا مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ماتوا بلا استثناء ؟ نترك ذلك لحكم القاريء اللبيب. أما حكم الجماعة الإسلامية الأحمدية فهو أن هذه الرواية هي دليل صريح من القرآن الكريم على أن عيسى وكافة الرسل عليهم السَلام قد ماتوا ومات سيدنا مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أيضا، وهذا هو الإجماع السكوتي الأول للصحابة على موت عيسى عَلَيهِ السَلام دون أن يستدرك أحد من الصحابة رضوان الله عليهم على قول أبي بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فيقول أن عيسى عَلَيهِ السَلام هو بالفعل حي في السماء فما دخل هذه الآية التي تذكر جميع النبيين بالموت؟ ألا يمكن أن يكون ما حدث للنبي ﷺ هو من جنس ما حدث لعيسى عَلَيهِ السَلام ؟ أما الذي ينادي باستثناء عيسى عَلَيهِ السَلام من الرسل فعليه أن يُقدِّم الدليل على ذلك خاصة وأن الآية جاءت في معرض الرد على عقيدة حياة عيسى عَلَيهِ السَلام فسكت الصحابة جميعاً بلا استثناء أيضا.
هذا هو الموضوع ببساطة شديدة؛ فقد اعتقد سيدنا عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بأن النبي ﷺ لم يمت بل رفع كما رفع الله عيسى عَلَيهِ السَلام إلى السماء فردَّ عليه سيدنا أبو بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بصريح الآية أن النبي ﷺ وكل النبيين من قبله قد ماتوا بلا استثناء فصحَّح سيدنا عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عقيدته وهو الفاروق الذي عُرف بالتفريق بين الحق والباطل رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأرضاهُ !
نأتي الآن إلى النقطة الأخرى في موضوع استشهاد سيدنا عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ برفع المسيح عَلَيهِ السَلام إلى السماء والتي تبيَّنَ معناها آنفا، وهذه النقطة المهمة هي معنى الرفع عند سيدنا عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الذي كان يعتقده قبل أن يردَّ عليه سيدنا الصدّيق رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وهذا الرفع هو في الواقع صحيح وموافق لقول المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية بأنه رفع النفس وليس الجسد حيث أن كل نفس صالحة تُقبَض تُرفَع إلى الله ﷻ وليس ذلك خاص بعيسى من دون النبيين عَلَيْهِم السَلام. مع كل ما سبق بيانه فإن عقيدة سيدنا عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حول رفع عيسى عَلَيهِ السَلام إلى السماء لم تكن هي عقيدة المشايخ اليوم الذين يؤمنون أن عيسى رُفع بجسده بل كانت عقيدته رَضِيَ اللهُ عَنْهُ هي رفْع نفس عيسى الى السماء لا غير وهذه عين عقيدة الجماعة الإسلامية الأحمدية كما سلف، والدليل على هذا هو تشبيه عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ رفْع عيسى برفع النبي ﷺ الذي رُفعت نفسه الطاهرة ﷺ إلى الله تعالى ولم يُرفع جسده الشريف البتة ! وبهذا تكون هذه الرواية تشهد على صدق المسيح الموعود حضرة مرزا غلام أحمد عَلَيهِ السَلام بأن الرفع هو للنفس وليس الجسد وأن هذا هو أول إجماع سكوتي على موت عيسى ابن مريم عَلَيهِ السَلام.
أما الشرح المنسوب لابن عباس رضي الله عنهما في الحديث الطويل الذي جاء فيه:
“لما أراد الله أن يرفع عيسى عليه السلام إلى السماء خرج إلى أصحابه وهم اثنا عشر رجلا” (الدر المنثور عند آية 157 وابن أبي شيبة في مصنفه حديث رقم 31876)
فهذا لا يصح نسبته لابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ خصوصاً وأن الإمام الشوكاني ؒ قال:
“ومن جملة التفاسير التي لا يوثق بها: تفسير ابن عباس. فإنه مروي من طرق الكذابين كالكلبي، والسدي، ومقاتل.” (الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة، محمد بن علي الشوكاني، ص 316)
فلا يصح نسبته لابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ باستثناء صحيفة كاتب الليث، وهذه ليس فيها لفظ السماء أيضا.
أما عَلَى افتراض صحة لفظ “السماء” في الحديث فهذا لا يثبت أن جسد المسيح في السماء بل يثبت بأن روحه هي التي رُفعت فقط كما تنص الآية الكريمة {يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك} أي أن الرفع للأنفس والارواح وليس للأجساد، وما يدل على ذلك الحديث المنسوب لعمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الذي تناولناه أعلاه لأنه يقول بأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لم يمت بل صعد إلى السماء كما صعد عيسى ؑ إلى السماء، أي أن عمراً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بحسب هذا الحديث لا يقول بأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم صعد إلى السماء بجسده بل بروحه فقط وذلك لأن جسد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم كان حاضراً بين يدي الناس مما يدل على أن فهم عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -لو صح هذا الحديث- هو أن عيسى رفع بالروح وليس بالجسد.
ومما يدلّ أيضاً على أنه إدراج وخطأ من الإمام البزار ؒ هو أنَّ الإمام ابن حبان ؒ الذي جاء بعد البزار قد روى الحديث نفسه بالسند نفسه دون “من السماء” (راجع: “صحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان” – ضعيف موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان لمؤلفه علي بن أبي بكر الهيثمي نور الدين وتحقيق الألباني). كما كان البزار معروفاً بالخطأ والارتجال وقد جرحه النسائي، وقال عنه الدارقطني وغيره من علماء الحديث إنه يخطئ في الإسناد والمتن ويرتجل كثيراً ولا يحدِّث من كتاب كما كانت عادة المحدثين. فقد ذكره الدارقطني وقال:
“ثقة يخطئ ويتكل على حفظه.“.
وقال الحاكم: “يخطئ في الإسناد والمتن“.
وقال الحاكم: “سألتُ الدارقطني عن أبي بكر البزار، فقال: يُخطئ في الإسناد والمتن، حدّث بالمسند بمصر حفظاً، ينظر في كتب الناس، ويحدّث من حفظه، ولم يكن معه كتب، فأخطأ في أحاديث كثيرة.” (راجع: سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي، الطبقة السادسة عشرة. البزار، ص 555)
وقد نقل الإمام السيوطي ؒ في “الدر المنثور” الحديث خالياً من لفظ السماء وأكد أن البيهقي رواه خالياً منه أيضاً كما يلي:
“وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات قَالَ: [قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَيفَ أَنْتُم إِذا نزل فِيكُم ابْن مَرْيَم وإمامكم مِنْكُم.]” (الدر المنثور، ج 6، سورة النساء)
وبذلك ربما يرتفع الوهم عن البيهقي ؒ ويكون هذا اللفظ قد أضيف على نسخ كتاب “الأسماء والصفات” اللاحقة خصوصاً وأن هذه النسخ أقدمها طُبع بعد وفاة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بسنتين أي سنة 1910م! فتأمل
ومع هذا وكما سبق، فإن لفظ السماء لا إشكال فيه حتى إذا صحَّ نقله فلا نزول لنبي إلا بأمر السماء أي من عند الله سبحانه. كذلك، فإن نزول المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام من السماء لا يعني إلا نزوله بأمر الله تعالى وبتأييده بالوحي السماوي وليس بجسده كما تقدم، وذلك أن المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام هو المهدي كما في حديث ابن ماجه “لا مهدي إلا عيسى” وشواهده الصحيحة، وأنه آدم سبط بعكس مسيح بني إسرائيل ؑ الأحمر الجعد (صحيح البخاري)، وأنه كذلك أيضاً لأن النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فُضِّلَ على النبيين ؑ بسِتٍّّ ومنها أن الله تعالى أرسله إلى الناس كافة وهم أرسلوا إلى أقوامهم فقط. ولأن المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام يوحى إليه من السماء (انظر حديث نزول المسيح في صحيح مُسْلِم) فلا معنى للنزول من السماء إذا صحَّ لفظ “السماء” إلا النزول بأمر الله ووحيه تبارك وتعالى. وهذا يكفي في دحض هذه المفاهيم الدخيلة لرفع الأجساد إلى السماء.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ