لنقرأ الرواية التالية في سنن الإمام أبي داود رحمه الله وهو أحد كتب الصحاح الستة:
“حَدَّثَنَا أَبُو ظَفَرٍ عَبْدُ السَّلَامِ حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ عَنْ عَوْفٍ قَالَ سَمِعْتُ الْحَجَّاجَ يَخْطُبُ وَهُوَ يَقُولُ إِنَّ مَثَلَ عُثْمَانَ عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ يَقْرَؤُهَا وَيُفَسِّرُهَا إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا يُشِيرُ إِلَيْنَا بِيَدِهِ وَإِلَى أَهْلِ الشَّامِ.” (سنن أبي داود» كتاب السنة» باب في الخلفاء 4641)
ولنترك الإمام العظيم آبادي رحمه الله يشرح معنى الرفع في الحديث والغرض من تشبيه عثمان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بعيسى عَلَيهِ السَلام في كتابه عون المعبود:
“وَمَقْصُودُ الْحَجَّاجِ مِنْ تَمْثِيلِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إِظْهَارُ عَظَمَةِ الشَّأْنِ لِعُثْمَانَ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أُمَرَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ وَمَنْ تَبِعَهُمُ الَّذِينَ كَانُوا فِي الشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَتَنْقِيصُ غَيْرِهِمْ ، يَعْنِي مَثَلَ عُثْمَانَ كَمَثَلِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمَثَلُ مُتَّبِعِيهِ كَمَثَلِ مُتَّبِعِيهِ ، فَكَمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ مُتَّبِعِي عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا كَذَلِكَ حَمَلَ مُتَّبِعِي عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ فَوْقَ غَيْرِهِمْ ، بِحَيْثُ جَعَلَ فِيهِمُ الْخِلَافَةَ وَرَفَعَهَا عَنْ غَيْرِهِمْ فَصَارُوا غَالِبِينَ عَلَى غَيْرِهِمْ .” (عون المعبود، محمد شمس الحق العظيم آبادي، دار الفكر، سنة النشر: 1415هـ / 1995م)
واضح أن التوفي وفق فهم السلف هو الموت بلا أدنى شك، وكذلك الرفع هو في فهمهم رفع المكانة وجعْل أتباع الخليفة أو النبي فوق غيرهم -رفْعهم إلى الأعلى- فوقية الدرجة والتكريم، وفي هذا مثل خلافة عيسى عَلَيهِ السَلام يلتقي بمثل خلافة عثمان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عند السلف الأوائل، وليس كما فهم المشايخ المتأخرون أن الرفع رفع الأجساد إلى السماء. باختصار، فإن التوفي والرفع الخاص بعيسى عَلَيهِ السَلام فهمه السلف الموت ورفع الدرجة والإكرام لا رفع الأجساد للأجرام.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ