معنى الصلب في الإسلام
جاء لفظ (الصلب) ومشتقاته في القرآن في أربعة مواضع؛ مرة جزاء لمن يحارب الله ورسوله، ومرة في تهديد فرعون للسحرة بعد إيمانهم، وثالثة في قصة يوسف عليه السلام مع الفتى الذي يصلب فتأكل الطير من رأسه، ورابعة في نفي الصلب عن المسيح. وهذه هي الآيات:
الآية الأولى:
إنما جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (المائدة)
الآية الثانية:
قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (طه)
الآية الثالثة:
يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآَخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (يوسف)
الآية الرابعة:
وقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (النساء)
مناقشة معنى الصلب في الآيات:
الآية الأولى تقول:
إنما جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا بالسيف أو بغيره، أَوْ يُصَلَّبُوا بمعنى أن يُقتَّلوا صلبا، ولا يمكن أن تعني أن يُعلَّقوا ساعة أو ساعتين، بل لا بد أن يكون معناها أن يُعلَّقوا حتى الموت، لأنه لو كان معناها مجرد التعليق لكان هناك عدم ترتيب في العقوبات، فالعقوبة الثالثة هي: أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ، وهذه العقوبة أشد من مجرد التعليق ساعة أو ساعتين أو أكثر على الصليب من دون موت.
أما معنى الصلب في الآية الثانية فهو الموت حتما، فقد قَالَ فرعون للسحرة لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ، وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ، أي لأعلّقنّكم على جذوع النخل حتى تموتوا. ولا يمكن أن يكون قد قصد تعليقهم بضع ساعات لمجرد التعذيب فقط، بل لا بدّ أن يكون قد قصد التعليق الذي يؤدي إلى الموت.
وكذلك معنى الصلب في الآية الثالثة، فهو لا يعني سوى الموت على الصليب، وإلا كيف يمكن أن تأكل الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ وهو حي؟
وقال ابن منظور: والصَّلْبُ هذه القِتْلة المعروفة. (لسان العرب ج 1 / ص 526).
فهل بقي شك في معنى الصلب.
ثم إن اليهود والنصارى لم يختلفوا في مجرد التعليق، بل اختلفوا في موت المسيح الذي علّق على الصليب. ولم يختلفوا في شخصيته كذلك. والله تعالى يقول وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ، وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ، أي في موته على الصليب، لَفِي شَكٍّ مِنْ هذا الموت. مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ. وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا، بل رفع الله درجته ومنزلته وروحه بالموت الطبيعي بعد عمر طويل أي ليس بالقتل والصلب.
الصلب بشرح القسس حسب التاريخ والإنجيل
يقول بولس طنُّوس الفغالي في الصلب ما يلي:
“لم يكن هذا العذاب مجهولاً في التشريع الروماني. كانوا يعلّقون على الخشبة أجساد الاشخاص الذين قتلوا رجماً لأنهم عبدوا الأصنام أو جدّفوا على الله والملك. واذ كانوا يفعلون ذلك، كانوا يشدّدون على خطورة مثل هذه الخطايا. وهناك نصوص متأخرة تتحدّث عن صلب أناس أحياء، دون أن توضح كيف تتم عملية الصلب هذه. كلّمنا المؤرّخ فلافيوس يوسيفوس عن صلب عدد كبير من اليهود على يد أناس يهود، خلال القرن الأول ق. م. في أيام الاسكندر يناي. ويرى اليهود في هذه الميتة لعنة حقيقية: “ملعون من الله كل من علّق على خشبة” (تث 21: 22؛ غل 3: 13). إذن، لم يكن اليهودي يفهم اطلاقاً، بل يتشكك إن قيل له ان المسيح صُلب لأنه خان ألهه وشعبه.” أهـ
وهنا تعريف للصلب بأنه القتل البطيء
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ