بفضل الله، تفرَّد المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام بحلِّ إشكالات ومعضلات في الفكر الإسلامي ما زالت تُلحق ضررا فادحا بصورة الإسلام وبالمسلمين بل وبالعالم أيضا. وهذا كله بناه على القاعدة الفذة الحكيمة المبنية على أن للأحكام عموما مناسبات وشروطا لا بد من مراعاتها، وأن هنالك أحكاما عقابية فرضها الإسلام ردا على الظلم والعدوان الذي كان يطبَّق على المسلمين، وأن هذه الأحكام تصبح غير قابلة للتطبيق إذا لم تتحقق شروطها، ويصبح العمل بها خارج هذه المناسبات والشروط محرَّما. وهذا أمر طبيعي ومنطقي؛ فإذا لم تُرتكب الجريمة، يصبح إنزال العقوبة التي تنص عليها الشريعة أو القانون بمن لم يرتكبها جريمة أكبر!
فالإسلام يحرِّم العدوان بداية، ولكنه يفرض رد العدوان عند توفر الشروط، أما إذا اعتدى المسلمون على غيرهم ممن لم يعتدوا عليهم أو لم يستعدوا للعدوان، فهم يرتكبون بذلك فعلا محرَّما مكروها عند الله تعالى بشدة. وتداركا لهذا الفعل أو هذا التصور يقول تعالى، محذرا المسلمين من العدوان على غير المعتدين:
{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (البقرة 191)
أما إذا مارسوا العدوان ثم برروه بمبررات نسبوها للدين بقولهم إنه لا بد من القتال لنشر الإسلام، أو لإقامة حكم الله، فهذا يصبح جريمة مضاعفة، إذا يمارسون العدوان وينسبونه إلى الله تعالى.
وتحت إباحة القتال لرد العدوان، هنالك أيضا بعض الأحكام العقابية الأخرى التي أباحها الإسلام ردًا وردعا لهذه الممارسات الظالمة من قبل المعتدين، لا تطبق إلا عقابا، ومنها مسألة السبي. ففي رده على اعتراض حول السبي قال حضرته عليه الصلاة والسلام:
“والحق أن الأشرار وذوي الطبائع الخبيثة في صدر الإسلام كانوا يعادون الإسلام ويؤذون المسلمين بأصناف الإيذاء. فمثلا إذا قتلوا مسلما مثّلوا بجثته في كثير من الأحيان، وكانوا يقتلون الأولاد الصغار دون هوادة. وإذا وقعت في أيديهم امرأةُ مسكينٍ مظلومٍ أسروها، وكانوا يُدخلونها بين نسائهم ولكن كأَمَة، ولم يدخروا جهدا في الظلم. ظل المسلمون يتلقّون إلى مدة طويلة أمرا من الله تعالى أن يصبروا على إيذائهم. ولكن عندما تجاوز الظلم كل الحدود، أذِن الله للمسلمين بقتالهم وأن يعتدوا عليهم بمثل ما اعتدوا عليهم لا أكثر من ذلك. ومع ذلك منع من الـمُثلة، وقال بألا تقطعوا أذن المقتول ولا تجدعوا أنفه ولا تقطعوا أطرافه وما إلى ذلك، غير أنه يسمح لكم بالانتقام على الإهانة التي كانوا يجيزونها على المسلمين. فبناء على ذلك راجت بين المسلمين عادة اقتناء نساء الكفار كالإماء في البيوت ومعاملتهن كزوجات، لأنه كان بعيدا عن العدل أن يأسر الكفار سيدة مسلمة ويعاملوها كأَمة وزوجة وعندما يأسر المسلمون نساءهم أو فتياتهم أن يعاملوهن كأخواتهم أو أُمَّهاتهم. إن الله حليم دون أدنى شك ولكنه أيضا أكثر غيرة من الجميع.” (ينبوع المعرفة، ص: 252-254)
وتحت هذا النص قال حضرته في حاشية مبينا أن السبي قد أصبح محرما في هذا الزمان، لأن الكفار لم يعودوا يمارسون هذه الممارسات:
“ليكن معلوما أن حقيقة النكاح هي الحصول على موافقة المرأة ووليها وموافقة الرجل أيضا. ولكن لما فقدت المرأة حقوق حريتها ولم تعد حُرّة بل هي من المحاربين الظالمين الذين ظلموا المسلمين رجالا ونساء بغير حق فإذا أُسرت امرأة مثلها وجُعلت أَمَة مغبة جرائم أقاربها سُلبت منها حقوق حريتها كلها. فهي الآن أَمة مَلكٍ منتصر ولا حاجة إلى موافقتها لإدخالها في حظيرة الحريم. بل القبض عليها بعد الانتصار على أقاربها المحاربين إنما هو موافقتها. والـحُكم نفسه موجود في التوراة أيضا، غير أنه قد ورد في القرآن الكريم: {فَكُّ رَقَبَةٍ} أي أن تحرير أَمَة وعبدٍ عمل ثواب عظيم. فقد رغّب عامة المسلمين في أنهم لو حرّروا هؤلاء الإماء والعبيد لأُجِروا أجرا عظيما عند الله. مع أن للملك المسلم حقا ليجعل مثل هؤلاء الناس الأشرار والخبثاء عبيدا وإماء بعد الانتصار عليهم، ولكن مع ذلك أحبّ الله تعالى البِرّ مقابل السيئة. من دواعي السعادة الكبيرة أن الذين يُدعَون كفارا مقابل المسلمين في العصر الراهن تركوا هذا الطريق للظلم والتعدي، فلا يجوز الآن للمسلمين أيضا أن يجعلوا أسراهم عبيدا أو إماء، لأن الله يقول في القرآن الكريم بأن عليكم ألا تعتدوا على المحاربين إلا بمثل ما اعتدوا عليكم وسبقوكم فيه. أما الآن حين لم يعد الأمر على هذا المنوال ولا يعتدي الكفار على المسلمين في الحروب ولا يجعلون رجالهم ونساءهم إماءً وعبيدا بل يُعَدّون أسرى الـمَلك، فلا يجوز للمسلمين أيضا أن يفعلوا ذلك، بل هو حرام عليهم“.
أما مدارس الفكر الإسلامي بشتى توجهاتها فلم تستطع أن تخرج من هذا المأزق، وما زالت غارقة في وحل الظن بأن الإسلام لا بد أن يتمكن ويتقوى ويقيم حكم الله المزعوم، ثم ينطلق المسلمون لنشر الإسلام بالقوة بشن حرب توسعية لا هوادة فيها ضد العالم أجمع، وأن السبي والاسترقاق من أحكام الإسلام عندهم، والفوارق بين هذه المدارس لا تعدو كونها فوارق طفيفة للغاية لا تؤثر على هذا الجوهر الفاسد الذي هو عقيدة أساسية عند الجميع بخلاف الجماعة الإسلامية الأحمدية. لذلك لا غرابة أن تخرج داعش لتطبق هذه الأحكام المحرمة الظالمة التي الإسلام بريء منها، ولا غرابة أن يرفض من يسمون أنفسهم بالمعتدلين تكفيرها، بينما يستمرئون تكفير الجماعة الإسلامية الأحمدية. فهذا أكبر دليل على تغلل هذا الفكر الفاسد فيهم، وعلى أن الإسلام الذي بين أيديهم ليس هو الإسلام الحق الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.
أما بعض المفكرين المسلمين الذين ينفون بعض الأحكام أو ينكرونها دون أساس، فهؤلاء يتبعون أسلوبا اعتذاريا مراوغا يحاولون به التملص من هذه الأحكام، مع أن النصوص الدينية والممارسات التاريخية لا تسعفهم. أما الجماعة الإسلامية الأحمدية فهي الوحيدة التي طهرت الفكر الإسلامي من هذه الشوائب على أسس متينة، ودون إنكار أصل من أصول الإسلام، ودون تجاهل النصوص الدينية والوقائع التاريخية.
إن الواجب على المسلمين أن يقدِّروا هذه الخدمة التي أدتها الجماعة الإسلامية الأحمدية للإسلام. وهذا الواجب يقع على كل مخلص صادق محبٍّ لدينه. أما نحن فلا نرتجي منهم جزاء ولا شكورا.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته دائما ماكان يتهم الاسلام بموافقته وسكوته عن الرق والعبيد نرجو منك اخينا تميم مقال وتوضيح شامل لهذه المسألة وشطرا