هل نعاقب بأيدينا من يشتم الدين؟
نشبت قبل يومين أحداث عنف وشغب دامية في مدينة بنغالور الهندية في مناطق أغلب سكانها هم المسلمون حيث انطلقت بسبب منشور يسيء إلى الإسلام قام بنشره أحد الأشخاص على الفيسبوك انطلقت للأسف حشود ناقمة من شباب وشيبة المسلمين المتاثرين بخطب المشايخ في مسيرات صراخية إلى شوارع وأسواق المدينة أحرقوا خلالها السيارات على الطريق تعبيراً عن استيائهم من هذا المنشور وهاجموا أيضا مواقع للشرطة وحاصروها مما دفع أفراد الشرطة المحاصرين إلى فتح النار لكبح جماح الحشود الثائرة باستخدام الهراوات والغاز المسيل للدموع وأدى إلى إطلاق قانون الطوارئ في المدينة. (الخبر من هنا: الهند.. قتلى في أعمال شغب بسبب منشور “مهين” للنبي محمد).
فهل العنف هو رد الفعل الصحيح الذي يجب القيام به إذا أساء أحد إلى الدين؟
قبل قرن ونيف من الآن نشر أحد نقاد الإسلام كتاباً أسماه “أمهات المؤمنين” هاجم فيه بشدة زوجات النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وطعن في أعراضهن رَضِيَ اللهُ عَنْهن أجمعين، فقامت حشود مسلمة بحملات عنف في الشوارع وقطعوا الطرق ودعوا إلى عصيان مدني للحكومة، فكان رد المسيح الموعود مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية حضرة مرزا غلام أحمد عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام بأنه أيضاً يعارض أن يسيء أحد إلى الدين بل كتب في الرد على شبهات وهجمات خصوم الإسلام ما لم يسبقه فيها أحد، ولكن حضرته يُبين بأن معارضته للإساءة الى الدين لا علاقة لها أبداً في مايحدث من شغب وعنف وعصيان للحكومات، فيقول عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام:
“إنَّ معارضتي تختلف عن معارضة عامة المسلمين. لا أريدُ قَطّ أن يزداد المرءُ غضباً في الأمور الدينية حتى يجرّ المعارضين المهاجمين إلى القانون ويطلب من الحكومة أن تعاقبهم، أو يكِنّ لهم البُغض والشحناء. بل إنَّ مبدئي هو أنه يجب على المرء أن يصبر ويتحلى بأخلاقٍ حسنةٍ في المناقشات الدينية. عندما أرسلَ عامةُ المسلمين مذكرات إلى الحكومة بواسطة “أنجمن حماية الإسلام” لتعاقب مؤلف كتاب “أمهات المؤمنين” لَمْ أوافقهم الرأي بناء على المبدأ نفسه، بل أرسلتُ مذكّرة على النقيض من رأيهم وكتبتُ فيها بصراحة تامة أنه إذا واجه المرءُ أمراً مؤذياً في الأمور الدينية فإن مبدأ الإسلام هو العفو والصفح. يأمرنا القُرآنُ الكريمُ بأنكم إذا أُوذيتم في النقاش الديني بكلمات أشدّ قسوةً فلا تجرّوا أصحابها إلى المحاكم مثل أُناسٍ ضيِّقي الآفاق بل اصبروا وتحلَّوا بالأخلاق الفاضلة. لقد أمرنا القُرآنُ الكريمُ بصراحةٍ تامةٍ أن نُعامِل المسيحيين بالحبِ والخُلق الحسن وأن نُحسن إليهم، غير أنه لا اعتراضَ على المناظرات الدينية بحُسن النيّة والمواساة ولنشر الصِدق والحَق وتأسيس الصلح والوئام.” (كشف الغطاء)
“عندما أراد المسلمون في هذه المنطقة أن يُعاقَب مؤلف الكتيب: “أمهات المؤمنين” بواسطة “أنجمن حماية الإسلام”، وأرسلوا بهذا الخصوص عدّة مذكرات إلى الحاكم وثاروا بشدّة متناهية، أرسلتُ مذكّرة على عكس موقفهم، قلتُ فيها بصراحة بأننا لا نريد الانتقام قَطّ من مؤلف “أمهات المؤمنين” غير أنه يجب علينا أن نكتب الردّ عليه من حيث المعقول.” (كشف الغطاء)
“إنَّ تعليمي … يتلخّص في أنه يجب أن تؤمنوا بالله واحداً لا شريك له، وتواسوا عباده ﷻ، وكونوا عباداً ذوي سلوكٍ طيبٍ وأفكارٍ حسنةٍ دون أن يقرب قلوبَكم فسادٌ أو شرّ. لا تكذبوا، ولا تفتروا، ولا تؤذوا أحداً باللسان أو اليد، واجتنبوا الذنوب جميعا، وامنعوا أنفسكم من الأهواء النفسانية. اسعَوا لتكونوا أصفياء القلوب وعديمي الشر. كونوا أوفياء ومطيعين للحكومة بصدقٍ … المحفوظةُ تحت ظلها أموالُكم وأعراضكم ونفوسكم. ويجب أن تكون مواساة البشر جميعاً مبدأكم. واحمُوا أيديكم وألسنكم وأفكاركم وقلوبكم من كُلّ كيدٍ خبيثٍ وطرقِ فسادٍ وخيانة. اتقوا الله واعبدوه بقلوب نقية. واجتنبوا الظلم والاعتداء والغصب والرشوة وهضم الحقوق والحوز غير المشروع. اجتنبوا الصحبة السيئة واحفظوا الأعين من النظرات السيئة، وانقذوا آذانكم من سماع الغيبة. ولا تنووا الإساءة إلى أحدٍ أو إيذائه أيا كان دينه وقومه أو فئته. كونوا ناصحين أُمناء لكل واحد. يجب ألا تُجالسوا المفسدين والأشرار والوقحين وذوي السلوك السيئ. اتّقوا كُلّ سيئة واسعوا جاهدين لكسب كُلّ حسنة. ينبغي أن تكون قلوبكم نقيَّة من كُلّ خديعة، وأيديكم بريئة من كُلِّ ظلم، وعيونكم مُنـزَّهة عن كُلّ رجس، ويجب ألا تتطرق إليكم السيئةُ والبغيُ أبدا. ينبغي أن تسعَوا بكلّ ما في وسعكم لمعرفة اللهِ ﷻ فالتمسك به عين النجاة، والوصول إليه هو الاستقلال بعينه. إنَّ ذلك الإله يتجلّى على الذي يبحث عنه بصدق القلب والحُب.” (كشف الغطاء)
وهذا مبدأ القُرآن الكَرِيم والسنة الشريفة أن يُترك السَبّاب لسبابه لكي ينظر القانون بشأنه وليس الأفراد من عامة الناس، فهذا يسيء إلى الإسلام دين الأمن وَالسَلام. اقرأ منشورنا حول حكم التجديف.
نسأل الله تعالى أن يلهم أخوتنا في الإسلام في الهند وباكستان وغيرها إلى تعاليم الإسلام الحقيقية! اللّهُمّ آمين.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ