الأصل أن نقول للناس حُسْنًا كما أمرنا الله تعالى في القرآن الكريم، والحُسن من القول هو أن تقول ما يحبه الآخرون ولا يتعارض مع العقيدة. فقول “عيد ميلاد سعيد” ليس بكفر، فهو ميلاد نبي الله عيسى عَلَيهِ السَلام الذي نُجلُّه سواء كان توقيت هذا الميلاد عندهم دقيقاً أو في غير وقته، وكذلك قول “كُلّ عام وأنتم بخير” إنما المراد منه الدعاء بالخير للجميع. فالأصل هو القول الحسن للناس، والحديث المتّفَقُ عليه هو أن تُلقي السَلام على مَن عرفتَ ومَن لَمْ تعرف. فهل يُعقل أن يسمح لنا الإسلام بالزواج من النصرانية وبنفس الوقت يحرّم علينا تهنئتها بأعيادها التي لا تمسّ عقيدة الإسلام في شيء كميلاد المسيح ؑ النبي المكرّم عندنا نحن المسلمين؟ فالأصل هو حسن القول وحديث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم “إنما الأعمالُ بالنيّات”، أي أنَّ القول يتبع النية، فإذا قلتَ “عيد ميلاد سعيد” مع رفضك لعقيدة النصارى وقصدتَ به نبي الله المسيح عَلَيهِ السَلام فكيف يكون ذلك كُفْر بالله تعالى! فالنصراني أقربُ مَودَّةً للمسلمين بشهادة القرآن الكريم، ويمكن أيضاً الزواج بنسائهم، أي يمكن أن تكون أمّك نصرانية، فهل من الْبِر أن تتجهّم في وجهها وترفض أن تردّ عليها في عيدها؟ يقول الله تعالى {هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ} أي أنَّ المسلم بالأصل يحب الآخرين وإن لَمْ يحبوه. فالتهنئة بعيد الميلاد أمرٌ طيبٌ ليس فيه أي إشكال بل هو من السُنة وتعاليم الإسلام والشرط في ذلك كلّه هو عدم التعارض مع العقيدة، ومِن عدم جواز التهنئة والتعارض هو القول مثلاً “قيامة مجيدة” أو “حقاً قام الرب” أو نحو ذلك مما لا يجوز. وهذا ما قاله خليفة المسيح الرابع حضرة مرزا طاهر أحمد رَحِمَهُ الله في جلسة للأسئلة والأجوبة حيث ردَّ على سؤال لأحد الأطفال وإحدى السيدات في لقاء آخر؛ هل يجوز لنا الاحتفال بالكريسماس؟ فأجاب حضرته بأن الاحتفال لا يجوز لأنها مناسبة دينية عند النصارى وليسَت مجرّد حفلٍ تكريمي لعيسى عَلَيهِ السَلام، كما أنها مناسبة لا أصل لها في النصرانية نفسها فضلاً عن الإسلام، فلَمْ يحتفل عيسى ؑ بميلاده ولا التلاميذ من بعده ولا الذين أتوا من بعدهم، وإنما حدث ذلك في قرون متأخرة مداهنةً لتقاليد الشعوب الأخرى، فكيف يُحتفَل بأمر لا نص عليه ولا أساس وإقحامه في الدين وكأنه من أساسياته الثابتة؟ وما علاقة الرقص وشرب الخمر والاختلاط والسهر بمولد نبي كريم؟ للأسف لَمْ يعُد أحدٌ يفرِّق عند النظر لهذه الاحتفالات بين مناسبة ميلاد نبي من مناسبة ميلاد مطرب، ففي كلّها رقص وسكْر، ونفس الشيء بالنسبة لميلاد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم حيث تُصرف الأموال ببذخ في دول العالم الإسلامي كباكستان وغيرها وتقام حفلات الرقص وتناول المشروبات والسهرات الخ فيما تتضوّرُ النَّاسُ جوعاً وفقراً من حولهم، فهل هذا من الدين في شيء؟ ولكن هذا لا يعني أن لا نرسل لإخوتنا المسيحيين الهدايا في هذا اليوم مع التمنيّات لهم بعيدٍ سعيدٍ وتلبية دعواتهم لنا للمشاركة معهم في أكل ديك الحبش أو التركي الذي يطهوه في هذه الأعياد أو تناول الكعك معهم وما إلى ذلك، فكلّ هذه مجرّد حلوى ومأكولات فقط بالنسبة للمسلمين ولا تعني أكثر من ذلك ولا اعتبار ديني لها إلا بالنسبة للنصارى وحدهم، أما نحن المسلمون فمع أننا لا نحتفل بعيدهم ولكن نتمنى لهم عيداً طيباً ونقدّم لهم الهدايا ونلبّي دعواتهم من باب التهذيب فقط وليس للمداهنة وموافقة الاعتقاد. (رابط لقاء الخليفة الرابع)
وهكذا فالتهنئة بالعام الجديد أيضاً “كلّ عام وأنتم بخير” تعتبر دعاء جميلاً يتوجَّه به المؤمن إلى إخوانه في الدين والإنسانية. وهذا ما علّمناه خليفةُ المسيح الخامس أيَّدَهُ اللهُ بِنَصْرِهِ العَزِيز الذي يهنئنا بالعام الجديد فيقول:
“بهذا الدعاء أُقدّمُ لكم تهنئة العام الجديد، جَعَلَ اللهُ هذا العامَ لنا وسيلة لبركاتٍ لا تُحصى على مستوى الفرد كما على مستوى الجماعة، آمين.” (خطبة الجمعة 1/1/2016)
المزيد هنا: التهنئة لغير المسلمين بأعيادهم
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ