يقول المصلح الموعود رضي الله عنه في مطلع تفسير سورة الفجر:
“باختصار، كلما اقترب موعد درس سورة الفجر ازددتُ قلقًا، وقلت في نفسي: كيف يمكن أن أُطَمئِن الآخرين بتفسير هذه الآية، وأنا غير مطمئن به؟ كان بوسعي أن أذكر المعاني التي ذكرها المفسرون، ولكن تفسير هذه الآية كان لا يستقيم تمامًا بحسب الترتيب الذي كنت أراعيه لدى تفسير السور السابقة. ففكرتُ أن أذكر للناس المعاني التي ذكرها الآخرون، لأن هذا الدرس كان سيُطبع على شكل كتاب عن قريب؛ فحتّامَ أنتظر انكشاف المعاني التي تنسجم مع السياق؟ فلعل الله يكشفها عليّ يوما ما. لقد قام المفسرون السابقون مثل الرازي وصاحب البحر المحيط والخليفة الأول بتفسير هذه الآيات، لو ذكرتُ كل ما ذكروه من معانيها أصبح الأمر مقبولا. ولكن كان قلبي يقول أن تلك المفاهيم لا تنطبق هنا تمام الانطباق بالنظر إلى سياق الآيات وترتيبها .. فلم أطمئن بذِكرها. إلى أن جئتُ إلى “المسجد المبارك” لإلقاء درس سورة الغاشية يوم الأربعاء وهو 17 من شهر الصلح 1324من التقوم الهجري الشمسي (1)
الموافق 17 كانون الثاني/يناير عام 1945 الميلادي. لقد جئت لإلقاء درس سورة الغاشية، وبالي مشغول في سورة الفجر. وفيما أنا في هذا التفكير العميق بدأتُ أصلّي بالناس صلاة العصر، وقلبي مثقل بهذا التفكير. ومن عجائب قدرة الله تعالى أنه فيما أنا أرفع رأسي من السجود الأخير بحيث لم يكن رأسي قد ارتفع عن الأرض أكثر من شبر إلا وانحلّتْ عليّ سورة الفجر في لمح البصر. والغريب أنني قد مررت بمثل هذه التجرية مرارا من قبل أيضا حيث كشف الله عليَّ معاني بعض الآيات الصعبة وقت السجود، خاصة في السجود الأخير من الصلاة. ولكن التفهيم الذي تلقيتُه هذه المرة كان رائعًا جدا، إذ كان حول موضوع صعب وواسع جدا. فلما سلّمتُ من الصلاة، قلتُ بصورة عفوية وبصوت عال: الحمد لله.”
التفسير الكبير مجلد 8 تفسير سورة الفجر