تفسير قوله تعالى:
إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} (الأحزاب: 73)
هنا يقول الله تعالى بأننا عرضنا أمانتنا أي حبنا على سكان السماء أي الملائكة وحيوانات الأرض والجبال ولكنهم أشفقوا منها ورفضوا حملها وحملها الإنسان الظلوم الجهول.
يقول محيي الدين بن عربي رحمه الله الذي كان من أئمة الإسلام إنه قد ورد هنا مدح الإنسان ولم يرد ذمه وأن كلمتَي الظلوم والجهول اللتين تُستخدمان بمعنى سيء عادة وردتا هنا في محل المدح. وبيان ذلك أن المراد من الظالم هنا هو أن الإنسان يستطيع أن يظلم نفسه ويتحمل المصائب والمعاناة التي تواجهه في سبيل الله. والمراد من الجاهل أنه لا يفكر أبدا بتلك المصائب والشدائد التي يمكن أن تصيبه في هذا السبيل. ولكن الكائنات الحية الأخرى تحاشتها نظرا إلى عواقبها.
ومع أن الإنسان لم ينظر إلى العواقب فإن هذا محل مدح له أنه لم يبال بأي شيء آخر حاسبا حب الله تعالى شيئا طيبا وجميلا. والحِمل الذي لم يرد الآخرون حمله فقد حمله الإنسان بطيب خاطره.
لذلك عندما يفي الإنسان بعهده وإقراره ويبقى راسخ الأقدام في سبيل حب الله تعالى على الرغم من المصائب القاسية والمعاناة الشديدة ينزل عليه من الإنعامات والألطاف ما لا ينزل على خَلق آخر قط.
فمن الثابت المتحقق أن الإنسان وحده مجبول على الحب وقد أُودع قدرة على أن يحب شيئا أو ينفر منه بعد أن يقدّر فائدته الشخصية أو خسارته.
والآن يجب الانتباه إلى أنه يثبت من سنة الله تعالى -بحسب تجربة الإنسان وبقدر ما يفيده عقله- أنه لا بد للوَرد من أن ترافقه الأشواك أيضا، ولا بد من أن يلازم المرضُ الصحةَ، وحيثما كانت الراحة يجب أن يرافقها الحزن أيضا. وأنه كلما نشأ الحب تجاه شيء فلا بد من أن تكون هناك كراهية أيضا تجاه ضده. فكما أودع الله تعالى الحب في جبلة الإنسان كذلك أُودع جزء من النفور أيضا. وهذا يستوجب أنه عندما يحب المرءُ اللهَ تعالى فلا بد أن ينفر أيضا من غيره.
الحب الإلهي للصاحبزاده حضرة مرزا بشير الدين محمود أحمد (رضي الله عنه)
نقلا عن مجلة تشحيذ الأذهان، آذار/مارس1907م